وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأربعاء

٧ مارس ٢٠١٢

٥:٣٤:٠٠ م
301177

قراءة فی کتاب

''الأجوبة النجفیة فی الرد علی الفتاوی الوهابیة'

تحتوي هذه المقالة علی نبذة عمّا کتبه آیة الله هادي کاشف الغطاء في کتابه "الأجوبة النجفیة في الرد علی الفتاوی الوهابیة" ونحثّ القاريء العزیز علی قراءة هذا الکتاب القیم.

ابنا:

الحرکة الوهابیة وتکفیر المسلمین

انطلقت حرکة محمد بن عبد الوهاب الحنبلی من نجد فی النصف الثانی من القرن الثانی عشر الهجری، معلنة الجهاد علی المسلمین فی الجزیرة العربیة وأطرافها، بحجة أنهم کفار ومشرکون، ارتدوا عن التوحید وعبدوا الأولیاء والأنبیاء والصالحین، واستبدلوا المساجد بالأضرحة والمقابر والمزارات ومقامات الأئمة والعلماء. قد اتخذت هذه الحرکة ومنظِّروها من مظاهر بناء الأضرحة والقباب علی القبور دلیلاً علی أن المسلمین قد رجعوا إلی الجاهلیة الأولی، فعادوا إلی الشرک بعد الإسلام، لذلک فقد أصبح الجهاد مشروعاً، والدعوة إلی الإسلام وعقیدة التوحید مسؤولیة عظیمة، قام بها الشیخ ابن عبد الوهاب النجدی بمساعدة أمیر الدرعیة آنذاک، ومن تبعهم من أعراب نجد ممن انتحل دعوة الشیخ وآمن بعقیدته. وهکذا انطلقت الفتوحات من جدید لجهاد الکفار والمشرکین من المسلمین الذین یشهدون الشهادتین ویصلون ویصومون ویحجون. ویرفع الأذان بین ظهرانیهم خمس مرَّات فی الیوم معلناً أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ویتحاکمون للشریعة المنزلة، ویُقلِّدون المذاهب الفقهیة والأصولیة الإسلامیة المعروفة والمعتمدة.

وفی غفلة من سلطة الإمبراطوریة العثمانیة - المسیطرة آنذاک علی الجزیرة العربیة- التی أصابتها الشیخوخة ودبّ فی أوصالها الضعف والوهن، انطلقت الفتوحات الوهابیة من قلب نجد باتجاه الحجاز وشمال الجزیرة وشرقها، حیث تمکَّن الجیش الوهابی من السیطرة علی الحرمین الشریفین وعلی مساحات شاسعة فی وسط الجزیرة وشمالها، وقتلوا فی سبیل ذلک الآلاف من الرجال والنساء والشیوخ والأطفال، وسفکوا الدم الحرام، ونهبوا الأموال وحرقوا الزرع، وقطعوا الأشجار والنخیل، وفی طریقهم هدموا ودمَّروا کل ما وجدوه من قباب وأضرحة ومقابر جماعیة وأماکن للعبادة یوجد فیها قبر أو أی أثر إسلامی یتبَّرک به المسلمون أو یقصدونه للزیارة والاعتبار. وأهم هذه المزارات والآثار قبور أئمة أهل البیت (علیهم السلام) والصحابة التابعین والعلماء الصالحین، وقبور أمهات المؤمنین والشهداء، خصوصاً مقبرة البقیع فی المدینة المنورة التی هجموا علیها فی الثامن من شهر شوال سنة 1344هـ/1926 م.، فهدموا قبابها وقبورها وترکوها قاعاً صفصفاً، أحجاره مبعثرة کأن زلزالاً قد ضرب المکان، لم یعرف قبر صحابی من قبر تابعی أو شهید أو عالم.

وکانوا، قبل ذلک، قد أغاروا علی مدینة کربلاء المقدسة جنوب العراق، وقصدوا ضریح الإمام الشهید الحسین بن علی بن أبی طالب، فهدموا قبة الضریح والمنابر لأنهم کانوا یظنون أنها مبنیة بالذهب والفضة، بعدما قتلوا - کما یقول مؤرخهم ابن بشر-: "غالب أهلها فی الأسواق والبیوت" (أکثر من أربعة آلاف مسلم من الرجال والنساء والشیوخ والأطفال). ثم هربوا عائدین إلی صحاریهم فی نجد یحملون معهم الغنائم والأسلاب وما سرقوه نهبوه ظلماً وعدوانا، وترکوا وراءهم الخراب والدمار والنساء المسلمات یبکین قتلاهن.

وأمام توارد الأخبار عن فداحة حجم الخسائر فی الأرواح والممتلکات والآثار ومعالم الحضارة الإسلامیة فی جزیرة العرب، قامت الحکومة العثمانیة - آنذاک - بحملات عسکریة متتالیة لاستئصال شأفة هذه الحرکة وأتباعها، وقد حققت الجیوش الترکیة والمصریة انتصارات مهمة علی الوهابیین، حیث وصلت إلی الدرعیة عاصمتهم فدمَّرتها، وقُتل منهم من قُتل وفر آخرون ونُفی أو أُسرآخرون، وکان ذلک - کما یقول الشیخ محمد جواد مغنیة - جزاء وفاقا لما فعلوه من قبل بأمة محمد’ من المظالم والمآثم (هذه هی الوهابیة، ص. 129).

وإلی جانب الحملات العسکریة، انطلقت من جهة أخری الردود الفکریة للرد علی شبهات الوهابیة ونقض ما استمسکت به من أدلة نقلیه لتکفیر المسلمین واستباحة دمائهم وهدم قبور أئمتهم وعلمائهم وأسلافهم، والآثار التی تدل علیهم. والرد علی الادعاء بأن ما یقوم به المسلمون من بناء القبور وزیارتها والتوسل بالأنبیاء والأَئمة والأولیاء، هو من مظاهر الشرک الذی یخرج المسلم عن عقیدة التوحید.

وقد جاءت هذه الردود متنوعة، لم تقتصر علی علماء المذهب الحنبلی (الذی یقلده الشیخ ابن عبد الوهاب) ومقلدي المذاهب السنیة الأخری: المالکیة والشافعیة والأحناف، بل تصدی للرد علی الوهابیة کذلک عدد من علماء الشیعة الإمامیة، وقد اتفقت کلمة الجمیع علی تبرئة المسلمین، سُنة وشیعة وصوفیة، من تهمة الشرک، وعلی أن ما یقوم به العلماء والعوام من بناء القبور والأضرحة وزیارتها والتوسل بأصحابها، کل ذلک، له أصل فی الإسلام، ولا یخالف عقیدة التوحید، بل هو مظهر من مظاهر الإیمان بالله ورسله والیوم الآخر، وتعظیم لشعائر الإسلام، وقد فعله المسلمون بمرأی ومسمع من الصحابة والتابعین وأئمة الدین وعلماء السلف، ولم یُنکر علیهم أحد، ولم یدَّع أحد من السلف أن هذه الأفعال والأعمال من قبیل الشرک، ولا طالبوا بهدم قبر أو قبة مبنیة علی قبر إمام أو صحابی أو شهید، بل أُثر عنهم احترامها وتوقیرها واستحباب أهل بیته(علیهم السلام) وصحابته، ولیس أدل علی صحة ذلک ومشروعیته وعدم مخالفته لعقیدة التوحید، من بقائها قائمة شاهدة، إلی أن أدرکتها معاول الجهل والجفاء النجدی الوهابی، فهدمتها وخرَّبت معالمها وجعلتها أثراً بعد عین.

هذا بالإضافة إلی أن آراء الشیخ ابن عبد الوهاب مخالفة لما هو علیه جمهور الحنابلة، ولیست سوی صدی لما کتبه شیخه ابن تیمیة الحرانی أواخر القرن السابع الهجری، وقد ردَّ علیه مُعاصروه من فقهاء المذاهب السنیة ومن جاء بعدهم، ونسبوه إلی الابتداع ومخالفة الإجماع وعقیدة السلف الصالح، بل اتهموه بالزندقة لنهیه عن زیارة قبر الرسول’ وقوله إن النبی’ لا یُستغاث به، والنفاق لدفاعه عن بنی أمیة وطعنه فی الإمام علی وعدد من الصحابة. وقد کفَّره عدد من علماء السُنّة لذلک ولکونه أحدث فی أصول العقائد وقال بالجسمیة والترکیب وجواز حلول الحوادث فی الذات الإلهیة - تعالی الله سبحانه عما یقول الجاهلون - لذلک فقد نودي فی دمشق: من کان علی عقیدة ابن تیمیة حل ماله ودمه.

(لمعرفة آراء علماء أهل السنة فی ابن تیمیة، یراجع کتاب: السلفیة بین أهل السنة والإمامیة، للسید محمد الکثیری، بیروت، الغدیر، ط1، 1997م. ص. 235 وما بعدها).

هذا ما جعل هذه الرُّدود تتجاوز ما کتبه ابن عبد الوهاب وفتاوی أتباعه لترد علی أستاذه ابن تیمیة، لأنه لم یکن سوی ناقلٍ ومقلِّد له ولتلمیذه ابن قیِّم الجوزیة.

من بین الردود الشیعیة الإمامیة، ما کتبه سماحة آیة الله العظمی هادی کاشف الغطاء (قدس سره) (1290 هـ - 1361م.) وهو من الأسر العلمیة النجفیة المعروفة والمشهورة. والتی أخذت علی عاتقها مواجهة التضلیل الوهَّابی، إذ کتب عدد من أعلامها ردوداً مهمة مثل: "منهج الرشاد لمن أراد السداد" للشیخ جعفر کاشف الغطاء، ورسالة "نقض فتاوی الوهَّابیة" للشیخ محمد حسین کاشف الغطاء، وقد کتبه سنة 1345 هـ رداً علی مجموعة من الفتاوی الوهَّابیة أطلَّع علیها آنذاک، فرأی تهافتها وبُعدها عن الحق، وقد بقیت هذه الردود مخطوطة إلی أن انبری لتحقیقها الشیخ أسعد کاشف الغطاء، وتولی مرکز الغدیر فی بیروت طباعتها، باعتبارها أصبحت وثیقة تاریخیة مهمة، لأن المؤلف - کما یقول المحقق - کان شاهد عیان علی ما اقترفته الوهابیة من فظائع بحق المقدسات الإسلامیة، وخصوصاً هدم المشاهد والمساجد وقبور الأئمة والصحابة والشهداء فی المدینة المنورة.

وقد جاء الکتاب عبارة عن ردود علی بعض الاستفتاءات المنشورة لعلماء الوهابیة، تناول فیها المسائل المختلف فیها بین الوهابیة وباقی المسلمین، وهی أربع إجابات: تحدث فی الإجابة الأولی عن مسائل التوحید وما یتفرع عنها، وعلی وجه الخصوص المسائل التی یکفِّر بسببها الوهابیة أهل السنة والشیعة الإمامیة والصوفیة، مثل بناء القبو وزیارتها والصلاة والدعاء عندها. والتوسل بأصحابها، والموارد التی لا یجوز فیها تکفیر المسلمین، وما المقصود بالفرقة الناجیة.

الإجابة