ابنا : انقضى عام على الرابع عشر من فبراير للعام الميلادي الحادي عشر بعد الألفين، والبداية للحركة الإصلاحية العارمة في حلقتها الجديدة، والمتسمة بالتصاعد والإتساع، والضاربة في التجذر، والممتنعة على التراجع والتقلص والإنحسار.
وجاء يوم ذكراها يوم الرابع عشر من فبراير من عامنا هذا عام الثاني عشر بعد الألفين الميلادي، ليعلن ناطقاً بلغة عملية فصيحة لا تقبل التشكيك، بان المسافة بين الحكومة والشعب تتباعد ولا تتقارب وذلك على خلاف المطلوب والمتمنى.
وأن الحكومة على عنادها ومقاومتها لمطالب الشعب وتمسكها بالعنف والرد بالقوة، وأن الشعب على اصراره وايمانه الراسخ بضرورة مطالبه وحقه فيها وعدم تنازله عن شيءٍ منها، واستعداده المفتوح للتضحية من اجلها، هذه هي اللغة الصريحة التي حملتها أحداث الأيام القريبة التي مرت من خلالها الذكرى، وخاطبت بها الداخل والخارج على السواء.
لغة من الحكومة خاطبت الداخل والخارج، ولغة من الشعب هي كذلك خاطبت الداخل والخارج، إذن لا آساليب الإلتفاف والخداع السياسي، ولا تخريجات الحلول السياسية الفارغة التي مارسها النظام عاماً كاملا، ولا المناصرة العسكرية للمحيط الخليجي، ولا التشجيع الرسمي العربي، ولا الصمت الدولي اجدى شيءً، ولا أيٌ من آساليب الإرهاب والقمع التي صبت على الشعب من قبل الحكومة فآذاقته صنوف الويلات قد فلت من عزيمته، أو نالت من تصميمه على نيل حقوقه بعض نيل، وإنما ضاعفت عزيمته وزادت من تصميمه ووسعت شارع المعارضة وقوة صفوفها، وإن بقيت الجهة الرسمية على ما هي عليه من تصلب وعناد لحد الأن، إذا ما غضضنا النظر عن لغة الوعود الإعلامية الباهتة، والتصريحات المخادعة المؤقتة التي لا تلتقي مع الواقع وتتنافى مع العمل، ويرافقها من قرائن المواقف على الأرض ما يؤكد عدم جديتها.
ما قاله الرابع عشر من فبراير هذا الشهر للوضع الرسمي المحلي: أنه يمكنكم أن تبيدو هذا الشعب المعارض حتى آخر رجل منه وآخر امراة وآخر طفلة وطفل من أبنائه وبناته، أنتم تملكون آلة الفتك الكافية لذلك، ولكن لن تملكوا إسكات صوته وتعطيل مقاومته في سبيل حقوقه. لن يمكنكم ذلك ما دام شخصٌ واحدٌ منهم يمشي على قدم أو يمكنً أن يرتفع له صوت.
وما قاله الرابع عشر هذا للمجتمع الدولي: عليكم أن تشرعوا للوضع الرسمي في البحرين أن يأتي على آخر رجل وامراة وطفل وطفلة من أبناء المقاومة وبناتها هنا، أو تحملوه على الإصلاح الذي يرضاه الشعب، ولا خيار ثالث أمام الوضع الرسمي والمجتمع الدولي غير ما ذكرناه.
أما الخيارات الآخرى، فهي من التلاعب المكشوف، ولن تكسر إرادة هذا الشعب، ولن تستغفل إرادته.
إذا كان الخيار الأول ـ خيار الإبادة ـ هو الخيار الرشيد، أو ترون أن له نصيباً من الوجاهة الدينية والإنسانية أو الحضارية والحقوقية، فلتأخذو به جميعاً، ليتسجل في التاريح أن شعباً قد أبيد بقرار حكومته وتشريع دولي لأنه طالب بحقوقه وحريته وكرامته. لكم أن تأخذو بذلك فيشرف بذلك تاريخكم وتاريخ حضارتكم وتاريخ الإنسان على الأرض.
فلتستحي الدول الكبرى، ولتستحي كل الدنيا من هذه المظلومية القاتمة، والسحق لكرامة الإنسان وهدر دمه في هذا البلد، والمجتمع الدولي يسكت على كل ذلك بل يباركه.
إن هذا الشعب ليس بصدد المقاتلة لعساكر الدولة، ولا يملك آلة المقاتلة، ولا يتجه هذا الإتجاه، ولا يتبنى هذه السياسة، ولا يسعى على طريقها، والناصح لا ينصحه بذلك، وهو نفسه اشفق على وطنه من أن تقوم على أرضه حرب طاحنة، أو يستهدف هذه الأرض سوءٌ من الداخل أو الخارج، ولكنه يملك يقيناً بحقانية قضيته وعدالة مطالبه، ويغنى بروح التضحية العالية في سبيل أمنه واستقراره وحريته وعزته وكرامته.
ولنسأل ما هو الأبقى لأنظمة الحكم التي تحرص على البقاء، هل هو خنق حرية الشعوب حتى تتفجر الشعوب غاضبة؟، هل هو التمييز بين أخوة الدين والوطن، وحتى بين الفئات الإجتماعية المختلفة ديناً أو قوميةً لخلق الفتن؟، هل هو تشديد التضييق الديني والسياسي والمعيشي على الشعوب، حتى تكفر بقيمة الحياة في ظل الأنظمة الضاغطة؟، هل هو في الرد القاسي على احتجاجات الشعوب ومطالبتها بالعدل والحق واحترام إنسانيتها، وتمتعها بحقوق المواطنة الكاملة، بأزيز الرصاص وهدير المدافع وقصف الدبابات، وباسقاط المزيد من الشهداء؟، من تصور أن هذا هو طريق البقاء المريح والمستقر للأنظمة الحاكمة، فهو يحاول أن يصم سمعه عن لغة الواقع القائم، ويصغي للغة آخرى من وحي الخيال، وينسى دروس الحياة الصارخة.
وأي حكومة مسلمة لو رآت واهمةً أن بقاءها مرهونٌ بممارسة الظلم والقهر والعسف والقتل الحرام، لكان لها لو انسجمت بعض الشيء مع الإسلام حاجزٌ من اسلامها وخوف الله من الدخول في الظلم فضلاً عن التمادي فيه، والإسراف في دماء المسلمين من اجل بقاء حكمها.
ليس ابقى للأنظمة من أن تتصالح مع شعوبها، وتنصف الناس من نفسها وتعدل بينهم، وتنال مودة من تحكم، ولا يكون ذلك إلا بإعطاء الحقوق، والإعتراف بقيمة الشعوب واشراكها في أمرها، بل ارجاع أمرها إليها واعتبار الشعوب الآصل، والنظر إليهم بما هم اصحاب الثروة ومحط الإهتمام الإجابي المخلص للسياسة.
ما نريده لعالمنا الإسلامي والعربي ولمحطينا الخليجي ألا يبقى على تخلفه، وألا يظلم فيه انسان، ولا تهمش شعوبه، وأن ينتهي فيه التمييز والتضييق الديني والدنيوي، ويعترف للشعوب بحقوقها في ممارسة دورها الإجابي وتحديد مصيرها، وألا تكون مجتمعاته مساحة للنزاعات، وصراع الشعوب والحكومات، وألا تتفتت لحمته، وألا تدخل الحكومات في هذا العالم - عالمنا الإسلامي والعربي والخليجي - في قتالٍ بينيٍ لمصلحة الأجانب.
وهذا سؤال آخر، لمن البحرين؟
البحرين لأبنائها كل أبنائها من شيعة وسنة، من كان في موقع من مواقع الحكم ومن لم يكن من كبير وصغير وذكر وانثى، هي لهم جميعاً بكل حبة رملٍ فيها، وبكل خيرها، وبكل ما يفرض كونها وطنٌ لهم جميعاً من حقوقٍ وواجبات، هذا هو المنطق الصحيح وما يجب أن يجد تطبيقه على الأرض، أما أن يقول قائل ـ أياً كان ـ أن البحرين وطنٌ لفئة دون فئة، لطائفة دون آخرى، لعائلة دون عائلة فهو من كلام الخيال، ومنطقٌ سقيم مردودٌ على صاحبه بكل المقاييس، ولا يراد به إلا الفتنة والتمزيق.
................
انتهى / 214