وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : العالم
الأربعاء

١ فبراير ٢٠١٢

٨:٣٠:٠٠ م
294233

دور القيادة الدينية في الثورة الاسلامية الايرانية

انه من الصعوبة بمكان ان نرسم خطاً واضحاً ومميزاً يفصل بين الدين ودور القيادة الدينية. فقد نهض الامام الخميني (قدس)كزعيم ديني، بدافع صيانة الدين المقدس، مجسداًالتشيّع في زعامته الدينية.

ابنا: ففي ثورةٍ كالثورة الاسلامية، هنا لك ثلاث عوامل يمكن أن تلعب دورها، الأيديولوجية والقيادة والناس، فاذا أخذنا الأيديولوجية كعامل رئيسي، فهذا يعنيبأن هذه الأيديولوجية هي ضد الظلم بطبيعتها، ومن أوامرها ونواهيها يمكن أن يُفهم إلغاء أو إقصاء النظام القديم وفي هذه الحالة يكون دور الزعامة دوراً ثانوياً.

وهنا يمكن القول بأن الثورة كانت ستنتهي الى النصر حتى لو أخذ بزمام قيادتها شخص آخر ما دام الدين قد أخذ دوره في تفعيلها وقد فعل.

ومع ذلك، واذا أخذنا الزعامة الدينية كعامل رئيسي في الثورة، فهذا يعني حينئذ، انه وبرغم الدور العظيم للدين والأيديولوجية، فان الأداء النموذجي للقائد وخصائصه الروحية هو الذي مكّن الأيديولوجية من تأدية ذلك الأداء في الزمان والمكان المحدّدين، وكان له الدور الحاسم فعلاً.

وفي هذه الحالة، فان للأيديولوجية قيمتها الخاصة، ولكنها قيمة ثانوية بالمقارنة مع دور القيادة وقيمتها، وما دام منهجنا هو التعدد ـ السببي فاننا لا نريد هنا الانتقاص من العناصر المؤثرة الأخرى وفي ظاهرة فريدة كظاهرة الثورة الاسلامية.

ان مناقشتنا سوف تتركز على تجلية العامل الأكثر أهمية في انتصار الثورة وكما ذُكر توّاً، إن التجديد أوجد فراغاً وأزمة ساهتما في تسريع أحداث الثورة وتحقيق انتصارها عام 1979.

ان قيادة الامام الخميني لعبت دوراً مهماً وضرورياً وحشدت كافة الناس وبكافة أصنافهم وطبقاتهم ومصالحهم المتباينة في دائرة النضال.

نثبّت بعض الأدلّة (وليس الأسباب) على النظرية الآنفة الذكر، وكما يلي:

1ـ بمقارنة عاملي الدين والزعامة الدينية، وبتقديم الدليل على الدعوى الثانية، يكفي القول انه في السنوات التي سبقت الثورة، كانت تجليات الدين قد خسرت خسارة كبيرة، وفي مثل هذا الظرف، لم يكن هناك أي دافع أو قدرة لثورة دينية لأن تأخذ دورها أو تفعل فعلها لوحدها، العديد من المراكز والمسارح غير الملتزمة، أعداد متزايدة من أجهزة العرض التلفزيونية، برامج تلفزيونية ومسرحيات هابطة متأثرة بالثقافة الغربية، أعداد كبيرة من الخبراء الأمريكان والسوّاح الأجانب، هبوط التوجّه منخفض نحو القيم والطقوس الدينية كالعبادات الخاصة والصلوات وأمثالها، كل ذلك، وبدرجة ما، يمكن قياسه وتثبيته‏ بالأرقام والمستندات.

فقبل‏الثورة، كان هناك اكثرمن 000ر40 خبير أجنبي في إيران، كما ان سفر الايرانيين الى الخارج كان‏مسألة عادية، وكما يقول ريجارد كوتام. فان الدينكان قد ضعف بنسبة كبيرة في ايران في الأعوام ‏المحصورة‏ بين 1977 ـ 1979.

وعلى العموم يمكن القول بأن الانتقادات الأربعة للنظرية الدينية ليست خالية من القيمة وفقاً لافتراضاتنا...

2ـ هناك دليل آخر على هذا الافتراض وهو التحليل المقارن لشعارات الناس ورسائل وبيانات القائد في مجرى الأحداث (أي أحداث الثورة). ففي ذلك الوقت، لم يكن موضوع ولاية الفقيه معروفاً ولم تكن مسألة الولاية المطلقة للفقهاء مرفوعة أو معروفة أصلاً.

وحتى مسألة الدولة الإسلامية فكانت غامضة وغير محددة. ويمكن أن نبيّن أيضاً بهذا العرض، أن الأغلبية النسبية من الشعارات كانت حول القيادة الدينية للإمام. وأكثر من ذلك يمكن أن يُضافبأن الامام وآية اللّه‏ مطهري، وحتى في عام 1990 كانا يؤكدان ان علماء الدين ليس لديهم النية أن يحكموا. كان مطهري يقول ان ولاية الفقيه تأخذ دور المنظّر الأيديولوجي وليس الحاكم. وفي رأيه، لا أحد في بحر التاريخ كان يتصور ان ولاية الفقيه تعني الحكم.

3ـ بعد حادثة انتفاضة التنباك أثناء حكم ناصر الدين شاه تحوّلت المعارضة ضد الاستعمار الى معارضة ضد الاستبداد والدكتاتورية. وفي الحقيقة، وجد الايرانيون الشجاعة الكافية لاتّخاذ مواقف مناهضة ضد الحكومة الوطنية أيضاً. انّ المعضلة الرئيسية في الحركة الدستورية وحركة تأميم النفط هي فقدان القيادة الفريدة الكفوءة.

وهذه ليست مشكلة مع الثورة الاسلامية. كان الامام الخميني يمتلك الشخصية الشجاعة المبرّزة صاحبة الإرادة، وكان سياسياً وفقيهاً ورشيداً، ورجلاً عارفاً بالزمن الذي كان يعيش فيه. ان روحية الامام كانت واضحةلكل انسان. العديد من الذين يستمعون إليه كانوا يبكون عندما يستمعون الى خطاباته ومواعظه.

ان قيادة الثورة كانت على عاتق الإمام بشكل رئيسي واذا كان لرجال الدين حصة كبيرة في قيادة الثورة، فانها كانت على الأغلب لكونهم أتْباع وأنصار لقائد الثورة العظيم. مطهري، في استدلاله بأن التجمعات السياسية وغير السياسية الصغيرة لم تلعب دوراً كبيراً في الثورة، يرجع الى النظريات المختلفة حول أسباب الثورة. ان مطهري وبشكل ممتع وصريح، وبدون قصد، جلّى القيادة الدينية في توضيحه للعامل الديني.

إن الخصائص الفريدة عند الإمام جعلت الناس يثقون بشخصه أكثر من قناعتهم برسالته. أما هيكلية الدولة الاسلامية فلم تكن واضحة للناس، ومع ذلك ووفقاً للثقة والاعتقاد الكبيرين اللذين شعر بهما الناس بقائد ديني شبيه بالنبي، فانهم تحركوا بذلك الاتجاه. وعندما قال الامام: «فقط جمهورية إسلامية، لا كلمة أقل ولا كلمة أكثر» فان الناس حينها لم يكن لديهم فهماً كاملاً أو استيعاباً كاملاً لهذه العبارة، ولكن كلمة الامام لا نقاش فيها بالنسبة لديهم.

يقول زيبا كلام: «ان الامام كان قائداً وطنياً وضد الامبريالية ولم يكن زعيماً للقوى السياسية الدينية وحسب. انه قائد ضد الدكتاتورية بالنسبة للمثقفين، وقائد جماهيري محبوب للملايين من عموم الايرانيين رجالاً ونساءً ووفقاً للصورة التي كانت مرسومة في أذهانهم عن الشاه ونظامه». كدي، أيضاً، تقول بأن الامام الخميني أصبح رمزاً لقائد ثورة ومثالاً للكثيرين من الناس غير المتديّنين. محمدي، الذي يؤكد بأن القيادة والأيديولوجية والناس هي عناصر الثورة، يوضح بشكل غير مقصود أو بدون وعي دور العامل القيادي في محاولة توضيح دور الأيديولوجية. عميد زنجاني، هو الآخر، في توضيحه لعناصر الثورة. يدخل مباشرة في موضوع القيادة.

4ـ ان الاسلام والتشيع انما هما نصّان يمكن أن ينطويا على قراءات مختلفة وعديدة. فقد لعبت المرجعيات الشيعية أدواراً مختلفة في مجرى التاريخ ولم يكن لديها نفس التصورات والقراءات للعلاقة التي يجب أن توجد بين السياسة والدين. فالتشيع الذي رُوّج من قبل مرجعيات غير سياسية، لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال جذراً أو أصلاً في ثورة، فضلاً عن موجدٍ لها.

قراءات مختلفة للتشيع عُرضة متوازية بعضها مع البعض الآخر، وبالتالي فلا يمكن القول على الإطلاق بأن الأيديولوجية لوحدها كانت السبب الرئيسي للثورة. إن قراءة الامام الخميني للاسلام والتشيّع هي التي منحت الناس الطاقة الثورية والقوة.

إنه أجاب على السجالات المتعلقة بالمواجهة بين الحضارة الغربية والحداثة، تماماً وبوضوح، علينا ألا نتوقع أننا نستطيع العثور على أية قراءة واضحة لظاهرتي التشيع والاسلام المعاصرتين. ولمواجهة الحداثة والظاهرة الجديدة، يحتاج الدين، أي دين، الى قادة ومترجمين (أي قرّاء) له، يُفترض أن يكونوا من القادرين على توظيف النصّ القديم في ظروف جديدة.

هذه المهمة الصعبة والتي تبدو مستحيلة، لم تكن فيقدرة أي أحد سوى الإمام الخميني. إن اسلام الإمام كان اسلاماً ثورياً ولم يستطع الائتلاف مع القراءات التقليدية والمحافظة. بالتأكيدإن آثار الدكتور شريعتي وخطاباته يجب ألاّ يجري تجاهلها إطلاقاً.

لقد كانت مساهمتها عظيمة جداً في تعبئة الجماهير وخاصة الشباب. ان قراءة كقراءة الإمام، كان لها بُعداً ثورياً ساعد كثيراً في تعبئة الناس. جدير ذكره أيضاً، إن التشيّع كان دائماً دين الرفض والثورة. قبل قراءة الإمام للدين وعلاقته بالسياسة، كان الاسلام والتشيّع، وحتى مفهوم (ولاية الفقيه) كلّها حاضرة بمعناها العام في الأذهان. مع ذلك، فان شخصية الإمام هي التي منحت هذا الوجود النصف ميت في جسم التشيع والفكر السياسي في ايران حياة جديدة وبثّت فيه روحاً جديدة.

5ـ بالإضافة ‏الى الأسباب الرئيسية للثورة الايرانية، توجد هناك عوامل عديدة ثانوية ومسرّعة ساهمت في توفير التعبئة الممكنة في الوسط الجماهيري، وأخيراً في انتصار الثورة. واحد من هذه العوامل هو إدارة الرئيس الأمريكي كارتر وضغطها على ما سُمّي حقوق الانسان عام 1356 (1977) وعدم مبالاة الولايات المتحدة في إبداء معارضة عملية تجاه انتصار الثورة.

وكلما كان النظام يتراجع والقوى العالمية لا تُبدي معارضة واضحة تجاه تصاعد رياح الثورة، فان الناس الثوار والذين كان أغلبيتهم من الشباب من مواليد الستينات 1961، أصبحوا أكثر جرأة وجسارة وشجاعة. ومع ذلك فان الثورة الايرانية، لم يكن لديها، وخلافاًللعديد من ثورات العالم، عدداً مهماً من الثوار القتلى.

العامل المساعد المسرّع الآخر، كان مرض الشاه (بالسرطان). فقد كان الشاه قد أُخبر بمرضه من قبل طبيبين فرنسيين، الأمر الذي ترك أثراً سلبياً على شخصيته. لقد كان دائماً يُهاجم المعتقدات المقدسة للناس، ولم يكن قادراً على اتخاذ قراراتسليمة.

بالإضافة الى ذلك، إن عقله كان قد أصيب بعدوى وهم المؤامرة. وبما انه لم يكن قادراً على تصوّر أو الاعتقاد بأن الجمهور الخالي من أي سلاح، وبأيدي فارغة يستطيع أن يكتسح جيشه ذي 700000 رجل، فانه أصرّ على فكرته الموهمة القائلة بأن هذه الحركة الثورية كانت مؤامرة أو مخطط لها من قبل القوى الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

الناس، شاهدوا ضعف النظام وخوائه مع التزام الولايات المتحدة جانب الصمت من جانب، ومن جانب آخر، أعجب هؤلاء الناس بإصرارالامام الخميني وتألّقه وقاطعيته. وكما يقول وليم لانجر «ان انتصار أية ثورة يأتي نتيجة لضعف واندحارالقوة الحاكمة، أكثر منه نتيجة قوة وتصميم الثوار».

6ـ من منظور علم الاجتماع السياسي، يُعتبر الموروث أو القوة الموروثة نمطاً من أنماط الحكم السياسي التقليدي حيث تفرض العائلة الامبريالية (المالكة) حكمها الظالم من خلال منظومة فكرية تصنعها على مذاقها الخاص.

وفي المنظومة الوراثية الامبريالية (الاستبدادية) هذه، توضع القوة السياسية بشكل كامل بينيدي الحاكم الدكتاتور وتحت قبضته، بحيث لا تسمح بإقامة أي وجودسياسي متين، لهامتيازات خاصة في الساحة السياسية للبلد.