كشفت العقوبات الاوروبية الأخيرة في ما يتصل بحظر شراء النفط الايراني، عن انعدام ادنى مستويات القيم والمبادئ الانسانية في ادبيات صناعة القرار الغربي مادام هذا التوجه يندرج في سياق الحاق الضرر بالارزاق العامة للدول والشعوب.
وعندما نستذكر في هذا المقام مقولة قائد الثورة الاسلامية الإمام الخامنئي بأن الغربيين يتعاملون مع الجمهورية الاسلامية وكأنها تعيش أيام الحصار على المسلمين الاوائل في شعب أبي طالب(رض)، يقفز الى اذهاننا على الفور ماهوية الحقد والبغضاء التي تعتمل في صدور زعماء الاستكبار العالمي بقيادة اميركا واسرائيل ضد ايران وشعبها المجاهد.
لقد حرصت طهران على الا تصل السياسات الاورواميركية الى هذا القاع من الحضيض بالتحذير من مغبة السلوكيات العدائية على الامن والسلم الدوليين، ولاسيما في مضمار وجوب حماية الامن الاقتصادي لعموم البشرية، لكن يبدو ان العقلية الاستعلائية للغرب المتصهين قد ران عليها تراكمات الارث الاستعماري، فلم تعد تميز حتى المصالح العليا لشعوبها التي لا تستطيع الاستغناء عن امدادات الطاقة من العالم الاسلامي وبخاصة تلك القادمة من منطقة الخليج الفارسي وعبر مضيق هرمز.
اللافت ان اوروبا واميركا تبرر اتخاذها هذه السياسات اللاحضارية واللاأخلاقية، على خلفية تمسك الجمهورية الاسلامية بحقها في امتلاك الطاقة النووية للاغراض السلمية، التزاما منها بميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعاهدة (NPT) وكلاهما يحظر على الدول الاعضاء الجنوح نحو التسلح النووي التدميري صغيراً كان او كبيراً.
في حين ان اميركا واوروبا ومعهما اسرائيل لايقيمون وزنا لمعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهم يحتفظون بترسانات ضخمة وخيالية لأسلحة الدمار الشامل، بل هم واثقون بأن ايران ليست في وارد التورط في مثل هذه اللعبة الخطرة المنافية للمبادئ الانسانية، والتي لم تتجرأ على ممارستها عملياً سوى حكومة الولايات المتحدة، وذلك خلال قصفها البربري مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، والذي راح ضحيتها وما يزال مئات الآلاف من المواطنين الابرياء وذراريهم.
المشكلة تتمثل في ان اميركا واوروبا واسرائيل غائصة بأجمعها في مشاكل اقتصادية واجتماعية وامنية عميقة الجذور، وهي تسعى بهذا الاجراء السياسي الغادر لترحيل هذه المشاكل الى خارج مناطقها الجغرافية ، وبالتحديد الى الدول المقاومة للاملاءات الاستكبارية، والمدافعة عن استقلالها الوطني ، والرافضة للغة الغطرسة والبلطجة.
وقد أكدت الجمهورية الاسلامية في معرض الرد على القرار الاوروبي الاخير على "ان الشعب الايراني الصامد برهن مرارا على انه غير مستعد ابدا للتخلي عن حقوقه المشروعة والقانونية، تحت وطأة الضغوط والسلوكيات الظالمة، وانه لن يخضع للابتزاز لا الآن ولا في المستقبل، مادام مؤمنا بمبادئ العدل والسلام والاستقرار الدولي، أي المبادئ التي تحرك الشارع الغربي حاليا ، وتقض مضاجع اباطرة الذهب والمال في الولايات المتحدة والبلدان الاوروبية واستراليا وكندا.
السؤال المطروح هو: ما مدى تأثير هذه المقاطعة؟ للاجابة على ذلك ينبغي التذكير بأن السياسات الاميركية ـ الاوروبية، طبقت هذا الضغط الجائر على طهران باشكال مختلفة منذ 33 عاما، ولو انه كان مجديا لانعكست نتائجه على واقع الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية طيلة الفترة الطويلة الماضية.
واضح ايضا ان غاية ما تبغتيه السياسات الغربية والصهيونية من وراء الحظر، الاقدام على مقامرة تستهدف خلط الاوراق، أملا في خلق فوضى اجتماعية عارمة بإيران، خاصة وهي تستعد لاجراء الانتخابات التشريعية التاسعة في مستهل شهر مارس /آذار القادم 2012. كما ان اميركا واوروبا واسرائيل التي صعقتها النتائج الرائعة للصحوة الاسلامية المعاصرة، ودور طهران الريادي في حمايتها، ما برحت تمني النفس بتوجيه طعنة نجلاء للاقتصاد الايراني ، علها بذلك تستطيع إجبارها على زعزعة مواقفها الصلبة ، ولاسيما التراجع عن دعمها لمسيرة الاصلاح في سورية ، أو ثنيها عن مساندة مظلومية الشعب البحريني، وقبل هذا وذاك ضرب اللحمة الوطنية داخل الجمهورية الاسلامية التي احبطت حتى الان مؤامرات التفرقة والانقسام والفتن السياسية والمذهبية.
المؤكد أن طهران اجهضت هذه المخططات المعادية على مستوى الداخل ، مثلما ساعدت على تقويضها في العراق وسورية وافغانستان، فقد حطمتها على صخرة التضامن المتبادل، الذي بدأ يأخذ مداه الأبعد، ليشمل مناصرة الغليان الشعبي في العالم الغربي نفسه ، ودعم الثورات الانسانية الرافضة للاستغلال الذي تطبقه الرأسمالية العالمية و اللصوصية الدولية ، وما يسببه ذلك من شقاء ومعاناة وأعباء باهظة لم يعد يتحملها نظراؤنا في الانسانية المضطهدة بالولايات المتحدة الاميركية وأوروبا وكندا وغيرها.
..................
انتهی / 101