وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : جريدة المدى
الاثنين

٢٣ يناير ٢٠١٢

٨:٣٠:٠٠ م
292539

مضيق هرمز.. معركة الماء والنار

ابنا : يراهن علماء ومفكرو الجيبولتيك، أن مستقبل الدول تحدده الجغرافيا، ومهما  كان الحديث عن فواعل القوتين الصلبة والناعمة الأخرى فإنها لا ترقى إلى  أهمية الجغرافيا وتأثيرها، كما أنها لن تعوض النقص الذي يكون بسبب فقدان  الامتيازات الجغرافية.

مجاورة الماء والتحكم بمسيرته قضية قديمة جديدة أكسبت الكثير من دول العالم  خصائص تميزها عن غيرها،من جهة الاكتفاء وسد الحاجة أو من جهة المنعة  والقوة وكذلك من جهة القدرات  التي يتيحها هذا الامتياز في صراع المصالح مع الآخرين.

على الرغم من أن الحديث عن الماء فيما يتصل بتأمين الاحتياجات البشرية والزراعية هو الأكثر أهمية وخطورة في معارك الماء، إلا أننا نتحدث هنا عن الماء في معركة الهيمنة على الطرق والممرات المائية وتوظيفه في معركة المصالح الاقتصادية والسياسية.

إيران (الجمهورية الإسلامية) تعيش صراعا محتدما مع الغرب وأمريكا بالذات ومع جيرانها  العرب منذ انتصار ثورتها  عام 1979،فالثورة التي أطاحت بالحليف الاستراتيجي للغرب في منطقة الخليج والصديق الحميم للكثير من الأنظمة العربية(الشاه) واستبدلته بنظام يرفع العداء لأمريكا والاستكبار العالمي شعارا له.

منذ انتصار الثورة عام 1979 وإيران تتحدث عن مئات المؤامرات التي تحاك ضدها لإسقاط نظامها،ابتداء من أزمة الرهائن وانتهاء بالملف النووي وتداعياته والحصار الاقتصادي عليها والذي انفتح على القضية محل النقاش والمتصلة بتهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز.

الخليج الممر المائي الأكثر أهمية في العالم والذي يربط القارات الثلاثة ويتيح حركة ملاحية عملاقة تتوازعها دول العالم المختلفة وتمر من خلاله مصالح تقدر بترليونات الدولارات، ويتحكم بالتجارة العالمية، والاهم من ذلك، يعد المنفذ الأساس لنقل الطاقة من مصادر إنتاجها إلى مناطق استهلاكها، ومضيق هرمز هو المنطقة الأكثر عمقا من الخليج والعقدة التي تتحكم بمسير الملاحة وحركة السفن فيه،لذلك يعتبر المنطقة الأكثر حيوية وخطورة في الخليج.

تملك إيران ساحلا طويلا على الخليج وساحلها يساوي ضعف ما تملكه دول الخليج مجتمعة والاهم في موقعها الجغرافي، قدرتها على التحكم بهذا المضيق الحيوي حيث تعتبره مضيقا إيرانيا وإن كانت القواعد الدولية تلزمها بالتعامل معه كممر دولي.

يتصاعد النزاع بين إيران وأمريكا التي تحاول حشد اكبر عدد من الدول في معركتها مع إيران لإضفاء صفة الشرعية عليها واعتبارها نزاعا مع المجتمع الدولي (بحسب أمريكا)، حيث يراد لإيران أن تتوقف عن برنامجها النووي،بدعوى انه يتجه إلى إنتاج أسلحة نووية،وانه يشكل خطرا على امن المنطقة والعالم.

إسرائيل رأس الحربة في التصعيد مع إيران، ومعها بعض الأنظمة العربية بمساندة أمريكا والغرب،لا تفتأ تتحدث عن خطر إيران مدعية انه موجه لها بالذات خصوصا بعد إشارات الرئيس الإيراني احمدي نجاد عن لا شرعية إسرائيل والقدرة على محوها من الخارطة،وقد تصاعد التهديد الإسرائيلي لردع إيران إلى مستوى الضربة الاستباقية التي تستهدف المنشآت الإيرانية لغرض تدميرها.

توجد مصفوفة أسئلة يتولد بعضها من الآخر تبدأ من التساؤل التالي: هل أن تصاعد وتيرة الصراع مع إيران سوف يصل إلى الحد الذي يدفعها إلى إغلاق مضيق هرمز؟ وهل أن الإغلاق ممكن لإيران؟ وكم من الوقت يمكن أن تصمد إيران في معركة غلق المضيق؟ وما هي المصالح التي يهددها غلق المضيق؟ وكيف تتصرف أمريكا والغرب أمام غلق المضيق إذا ما أقدمت عليه إيران؟ هل سيكون ذلك مفتاحا وشرارة لإشعال حرب في المنطقة تكون إيران احد أطرافها؟والى أين يمكن أن تمتد تداعيات هذه الحرب؟ وإذا لم تكن وجهة الأمور متجهة إلى حرب،فهل يكون هذا الإغلاق الورقة الرابحة التي تجبر أمريكا والغرب إلى الانصياع للمطالب الإيرانية؟ وكيف سيكون التعامل مع إيران الرابح في هذه المعركة؟

لا يختلف اثنان على الأثر الكبير الذي يلحقه إغلاق المضيق بمصالح الغرب،فقد أفادت صحيفة «فايننشال تايمز»، بأن وزراء ومسؤولين عسكريين بريطانيين بارزين حذّروا من أن بلادهم ستفقد ما يقرب من نصف وارداتها من الغاز و 84% من واردات الغاز الطبيعي المسال، إذا أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز.

وقالت الصحيفة إن إيران تهدد منذ الشهر الماضي، إذا قاطع الاتحاد الأوروبي نفطها، بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره خمس إمدادات العالم من النفط الخام وثلث إمداداته من الغاز الطبيعي المسال، مضيفةً أن «خطر قيام إيران بإغلاق المضيق ارتفع مع توقف المصافي عن شراء نفطها، قبل القرار المتوقع من الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات نفطية ضدها رداً على محاولاتها تطوير برنامج للأسلحة النووية».

ونسبت الصحيفة إلى القائد السابق لسلاح البحرية الملكية البريطاني ومستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون، اللورد ويست، قوله إن «الانخفاض الحاد في إمدادات الغاز للمملكة المتحدة سيكون واحدة من القضايا الأكثر حرجاً إذا ما أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز»، مشيراً إلى أنه «ليس لدي أدنى شك بأن هذا التوجه سيكون أكثر إشكالية بالنسبة للمملكة المتحدة ستجبرها على مواجهة الانخفاض الاقتصادي التدريجي الناجم عن ارتفاع أسعار النفط والغاز، عند عرقلة حركة الشحن عبر مضيقها.

وذكرت «فايننشال تايمز» أن إغلاق مضيق هرمز سيؤدي إلى توقف إمدادات الغاز من قطر بالنسبة إلى بريطانيا، التي شهدت وارداتها من الغاز الطبيعي المسال القطري ارتفاعاً بنسبة 67% منذ العام 2010.

لا يتوقف ضرر إغلاق المضيق عند قطر وبريطانيا،بل اغلب دول العالم، وهو الأمر الذي يفتح التساؤل الجدي:إلى إي مدى أصبح العالم مستعدا لمواجهة هذه المعركة مع إيران؟ هل يراهن على قدرته على منع إيران بعملية الغلق، أم يراهن على بدائل أخرى قادرة على تجاوز الخسائر والأضرار التي يلحقها الغلق؟ وإذا كان الواقع يشير إلى الجواب بالنفي لكلا الأمرين،فهذا يعني أن إيران قادرة على الغلق ولا يملك العالم بديلا عن هرمز،فما هو السيناريو المتوقع؟ هل يمكن أن تستمر لعبة جر الحبل مع إيران إلى اللانهاية؟هل من نهاية وسطية ترضي الأطراف جميعا يمكن أن توقف هذا القلق المزعج الملقي بظلاله على المنطقة من سنين جراء الصراع مع إيران؟

يوجد من يرى أن أمريكا تسعى بقوة إلى إبقاء توتر في منطقة الخليج يتيح لها تواجد مريح ومرحب به من قبل دول الخليج العربي ومبررا دوليا،ولذلك فان إذكاء الصراع مع إيران بالطريقة التي لا توصل الأمور إلى قطع شعرة معاوية كما يقال هو أمر ضروري من وجهة نظرهم،وان هذا التواجد بحسب الاستراتيجيين الأمريكيين حيوي وفعال للأمن  القومي الأمريكي ولضمان التحكم أو على الأقل التواجد قرب اكبر مصادر الطاقة في الأرض.

 يقف إلى جانب هذه الرؤية تصور آخر يدعي أن إسرائيل منخرطة أيضا بلعبة الاقتراب إلى الحافة ثم الرجوع عنها،وان عملية التصعيد والتخويف ضرورية لمزيد من الإنفاق العسكري والأمني وسيطرة المتطرفين من اليهود في السلطة وإبقاء أبواب الدعم والمساندة لإسرائيل مشرعة وذلك باعتبارها تحت التهديد الدائم،وان لونا من الابتزاز والمساومة وصفقات الليل يمكن أن تستثمر بأعلى صورها مع كل المتوجسين من إيران النووية القوية،الأمر الذي يزيد من زخم إسرائيل في المنطقة ويدخلها في إطار التفكير ولو الخفي كعامل توازن ضروري من باب (عدو عدوي صديقي)، (بحسب بعض الأصوات الخليجية).

قد يوحي هذا المنظر المأزوم أن أحسن التقادير يعني بقاء الحال على ما هو عليه ولا يمكن التفكير بخطوات اكبر تصالحا،ولذلك ترجع موضوعة التفاوض على الملف النووي الإيراني إلى سيرتها الأولى مع التوقف عن تصعيد لهجة العقوبات والتخويف لإيران مقابل مبادلة إيران للعالم بالمزيد من الوضوح والصراحة والاقتراب إلى المناطق الوسطى،إلا أننا وفي ذروة هذا الصراع وخطورته نرى إمكانية التفكير من الأعلى من قبل جميع الأطراف،فلماذا لا يتم قبول إيران النووية شريطة اخذ ضمانات كبيرة في مقدمتها عدم استخدام هذا السلاح أو الأسلحة التقليدية في تهديد جيران إيران وحتى إسرائيل، إلا في حالة الدفاع عن النفس؟ ولماذا لا يتم دمج القدرات الإيرانية في منظمة التجارة العالمية والاستفادة الكاملة من القدرات الإيرانية الهائلة؟ولماذا لا تحول إيران من عنصر إقلاق في الخليج إلى ضمانة أمنية له؟ وهل من موانع إذا ما تقاربت الدول العربية من إيران ويتم تسوية الكثير من مشكلات المنطقة بطريقة عقلائية تخدم مصالح الجميع؟

أدعو إلى الاستفادة من الحكمة التي تقول: (رب ضارة نافعة)،ليتوجه العالم بجدية وخصوصا دول الخليج (إيران والعرب) إلى البحث في الأشكال والتصورات التي اشرنا إليها كبدائل أو كخيارات ايجابية يمكن أن يتم العمل عليها بدلا من الاستهلاك في لعبة جر الحبل غير المجدية.

.....................

انتهى / 214