وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأحد

٢٣ يناير ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
292503

بمناسبة ذکری استشهاده(ع)

الامام الرضا(علیه السلام)

هو الإمام علی بن موسی الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علی زین العابدین بن‏ الحسین ریحانة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم بن علی أمیر المؤمنین علیه السلام و أمه أم‏ ولد أسمها أم البنین و کنیته أبو الحسن و القابه الرضا و الزکی و الولی و الصابر و الصدیق و أشهرها الرضا.ولد بالمدینة المنورة سنة 153 هـ-و توفی سنة 203 فی خراسان و دفن فی ساناباد قریة صغیرة من أعمال طوس،و مذأ صبحت منوی الإمام و مرقده توجهت نحوها الوجوه و هاجرت إلیها الناس من کل حدب و صوب للمجاورة بالقرب من روضته المطهرة التی غدت محجة و

 مثابة للزائرین‏ کل أیام النسة و تحولت مدینة من حواضر الدولة الایرانیة الکبری و یطلق علیها المشهد و یتوسطها ضریح الامام الرضا علیه السلام بمناراته الباسقة و قببه العسجدیة و أوانیه المذهبة کواسطة العقد فی جبد الحسناء تحف به البنایات الشاهقة و الشوارع المنظمة و الحدائق المنسقة الحافلة بالأزهار العطرة و تکتنفه الأسواق العامرة المکتظة بروّادها من الأقطار المتاخمة لها کالهند و الأفغان‏ و الاتحاد السوفیاتی و تحتوی من الفواکه و الأثمار ما لا یوجد فی غیرها لکثرة البساتین المثمرة مع‏ رخاء الأسعار و عذوبة الماء و لذلک قال فیها الشاعر:

یا أرض طوس سقاک اللّه رحمته‏      ماذا حویت من الخیرات یا طوس‏

 طابت بقاعک قبر قد تضمنه‏             قبر بارضک مدفون و مرموس‏

یا قبره أنت قبر قد تضمنه‏               علم و حلم و تطهیر و تقدیس‏

فافخر بأنک مغبوط بمرقده‏                و بالملائکة الأبرار محروس

شاعره دعبل الخزاعی و أبو نواس و بابه محمد بن راشد و من ثقاته احمد بن محمد محمد بن أبی النصر البزنطی و محمد بن الفضل الکوفی الازدی و عبد اللّه بن جندب البجلی و من أصحابه حسن بن‏ علی الخزاز«و یعرف بالوشاء»و محمد بن سلیمان الدیلمی النصری و عبد اللّه بن المبارک‏ النهاوندی و ابراهیم بن محمد الهمدانی و خلف البصری و غیرهم من أهل التقی و الصلاح و العلم‏ و الفضل.

جلس علی أریکة الإمامة بالنص الجلی الواضح من أبیه بصورة لا ریب فیها فکان علما من أعلام الدین و سیدا جلیلا من أسیاد الفضیلة و الأخلاق قویا فی ذات اللّه لا تأخذه فی الحق‏ لومة لائم و لا نقمة ناقم تدافع الناس لورود حیاضه الفیاضة ینهلون العلم الصحیح و یستنیرون‏ بنور الهدایة و یقتبسون من جوامع کلامه الأحکام الإلهیة و کلهم وجد فی رحابه ضالته‏ المنشودة و فی جنابه مرتعا مخصبا فقد هذب الأذواق و وطد دعائم الدین و شحذ الهمم للسیر علی تعالیم الشرع الاسلامی و ایقظ الحماس فی النفوس للأمر بالمعروف و النهی عن المنکر فتوسعت الأفکار و تنبهت الاخیلة للخیر و العواطف للاحسان و الطباع للصفح و العفو و المسامحة و الألس علی الصدق بالقول بما ینفع الناس و یرضی اللّه عز و جل.

و جاء عن محمد بن سنان أنه قیل للامام الرضا لقد ظهر أمرک بعد أبیک بانتقال الامامة الیک و جلست مجلسه و سیف الرشید یقطر دما و قلبه مملوء حقدا فقال جوابی علی هذا ما قاله‏ جدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم ان أخذ أبو جهل من رأسی شعرة فاشهدوا انی‏ لست بنبی و أنا أقول لکم ان أخذ الرشید من رأسی شعرة فاشهدوا أننی لست بامام معاصره من الخلفاء العباسیین الأمین و المأمون و فی عهدهما کان الجفاء محتدم بین الأخرین‏ و السعایة و الفتن و الاضطرابات علی أشدها و الاشرار من بطانة السوء تنفخ فی نار الخلاف بینها فتزیدها ضراما و المطلع علی ما جریات الاحوال یومئذ و المستقصی لدقائقها لیوافق اولئک‏ الذین یذهبون بالقول بأن سیاسة الدولة لم تکن سیاسة رشیدة لسیرها بین الجذب و الدفع و التزلف‏ و التمویه و التحیل و المخادعة و حسبنا توضیح نواحی الحیاة بایجاز.من المعلوم بأن الأمین هو الخلیفة الشرعی فی بغداد یحف به السراة من بنی العباس و أرکان الدولة و رجالها و الأموال تجبی‏ الیه و العدة و العدد و الجیش و قادته تحت قیادته

أما المأمون بعد وفاة أبیه سنة 193 هـ فی خراسان فقد بقی فی مرو قاعدة بلاد فارس لا حول‏ له و لا طول لا یدری ما یصنع بعد خلعه من ولایة العهد من قبل أخیه الأمین الذی نکث‏ عهد أبیه و لکن غدر أخیه به لم یفت فی عضده و لم یوهن عزیمته و هو المعروف بالحزم و الدهاء فقد اعمل فکرته و شد حیازیمه و حسر لها عن ساقه و جمع حوله طائفة من رجال السیف و القلم‏ و الجاه و الوجاهة و السیاسة و الکیاسة فکان موفقا یذی الریاستین الفضل بن سهل و أخیه‏ الحسن و طاهر بن الحسین الخزاعی و زمیله هرتمة بن اعین و غیرهم من أهل البصیرة و البصائر.

لا جرم أن دفة السیاسة فی الخضم الهائج بالفتن تحتاج إلی ربان ماهر یقبض علیها بید من‏ حدید لمکافحة الأهواء المتضاربة و الأمواج الصاخبة للوصول إلی شاطی‏ء السلامة و تبدید الغیوم المتراکمة و من أجدر من الفضل بن سهل المعروف ببعد النظر و الأناة و الحزم و العزم لهذه المهمة فنهض غیر هیاب و لا وجل و بدأ بقطع البرید عن دار الخلافة و أسقط اسم الأمین‏ من الخطبة و استقدم الیه الرجال العظام المفکرین من بغداد بطریقة دیبلوماسیة و ذهب هو و رجاله من مرو إلی طوس لزیارة الامام الرضا و هذه الزیارة لا تخلو من غایة سیاسیة مع أن‏ الامام أجل قدرا و أعلی شأنا عن هذه الترهات و المنازعات التی یأبه لها لأن اللّه خصه بطبیعة حیة قویة الاحساس و ذخیرة نفسیة غنیة بمعالی الأمور یتدفق منها الجمال الروحی جذابة غیر هیابة تفدیها النفوس بالنفیس و القلوب بالولاء

و بعد أن تعددت الوفود بین الاخوین لاصلاح ذات البین علی غیر جدوی و لم یزدادا إلا بعدا و قطیعة و تلتها الحرب الکلامیة التی تطورت إلی تهدید و وعید و المأمون یقابل کل عمل‏ من أخبه بنظیره و آل الامر إلی الحرب بینهما فی ختام سنة 195 هـ و احرز المأمون الفلج‏ و النصر علی أخیه و تفوق القائد طاهر الخزاعی علی خصمه علی بن ماهان قائد جیش الامین‏ و فاز المأمون بالعرش و الخلافة و الامین بالهزیمة و القتل بعدئذ و بعد هذه الحرب المنکرة بینهما توقف قائد جیش المأمون عن الزحف إلی بغداد ینتظر الاشارة من خراسان و فی آخر سنة 198 هـ کان القائد طاهر الخزاعی و زمیله هرتمة بن اعین علی باب قصر الخلیفه فی بغداد و کل‏ منهما یود أن یتسلم الامین لیحوز قصب

السبق علی زمیله و ختمت حیاته بمأساة محزنة و بویع‏ للمأمون بالخلافة العامة فی ذلک التاریخ و أصبحت مرو مثابة و مرجعا للعلماء و الادباء و للخاصة و العامة من جمیع الطبقات جرت هذه الحوادث الجسام و المأمون فی خراسان لا یشغله شاغل فی اکثر الایام عن‏ حضور مجلس الامام الرضا المکتظ بالناس بین عالم و متعلم وسائل و مستغتی و مستفهم و مسترشد و بعد سماعه للمحاورات العلمیة و للوعظ و الارشاد ینقلب مسرورا بما رأی و وعی من جوامع‏ الکلم و العظات البالغات بید أن هیبة الحکومة هزلت و الاخلاق تبدلت و العقول تغیرت بعد الحرب الداخلیة و استشری

الفساد و بلغ مبلغا لا حرمة فیه للشرع و الدین ففی الرقة ثورة نصر بن شبث و فی‏ العراق ثورة ابی السرایا و ثورة ملک کابل و ثورة صاحب التبت و قد عاثوا فی الارض فسادا و شنوا الغارة علی مواطنیهم و مجاوریهم و المأمون یجهز الحملة تلو الحملة لتأدیب المشاغبین لیعید الامن إلی نصابه أضف إلی ذلک فإن جرثومة الخلاف و المنافسة سری عدواها إلی حاشیته‏ و رجاله فأوغروا صدره علی القائد هرتمة بن اعین فقتله سنة 200 هـ و هو الذی کافح و قاوم‏ لتثبیت عرش المأمون و قد أحدث موته فتنا و قلاقل و ثورات من حزبه و مشایعیه و خوفا من اتاع الخرق علی الراقع عقد المأمون مجلسا عاما للمداولة من وزرائه و قواده و خلصائه و المقربین الیه فقلبوا الامر ظهرا لبطن لایجاد طریقة

تبعث علی الاستقرار فلم یروا طریقة فعالة تنفی عنه الشبهات و تزیل ما علق بذهن الرأی العام ضده مما ینسب إلیه إلا بالبیعة بولایة العهد من بعده للامام الثامن من أیمة أهل البیت علی بن موسی الرضا علیه و علی آبائه‏ السلام لأن الحقد تضاعف أثره فی قلب کل موحد یؤمن باللّه و الیوم الآخر علی العباسیین‏ لسفکهم دماء الابریاء و استئصالهم ذریة النبی صلی اللّه علیه و آله و سلم و مخالفتهم لقوله تعالی«قل‏ لا اسألکم علیه أجرا الا المودة فی القربی»و قد تقرر ذلک بالاجماع و صادف هوی فی نفس‏ المأمون فعندها هبّ کأنما نشط من عقال و أمرهم بالذهاب إلی الامام لیخبروه بما عزم علیه‏ و یلزموه بالقبول فذهبوا و استأذنوا بالدخول فأذن لهم و تکلم الفضل بن سهل فقال یا ابن‏ رسول اللّه إن أمیر المؤمنین المأمون بحر علم زاخر و حکیم مجرب عرف من حقکم ما جهله‏ اسلافه و یعلم بأنکم سید الهاشمیین علما و عملا و نبلا و زهدا و ورعا و قد عزم علی البیعة لکم‏ بولایة العهد من بعده فقبولکم لهذا

 الامر رحمة للأمة فی هذد الدیاجی المدلهمة فاعتذر الامام‏ و اثنی علی المأمون و امتنع عن القبول و زجع الوفد أدراجه ینقل الحدیث للمأمون فاکفهرّ وجهه و هو یعلم أن الامام لایأبه لأبهة الملک و لالمقام الخلافة فقال لهم اعبدوا علیه الکرة فعادوا بین الیأس و الرجاء و تکلم الفضل ثانیا قائلا للامام‏ یا مولای إن قبولکم لولایة العهد وسیلة لتأیید الدین و لزوال سوء التفاهم و الشحناء بین الهاشمیین‏ و هذه الغیوم المتلبدة فی سماء الامبراطوریة العربیة تتبدل غیثا و رحمة علی البلاد فقبولکم یعید المیاه إلی مجاریها و البشر و الایناس للناس و بجدکم الاعظم علیه الصلاة و السلام اهتدینا و بکم‏ اقتدینا و الامة قلوبها معک و الخلیفة اطوع لک من بنانک فتبسم الامام و قربه الیه و همس فی‏

أذنه کلمة کشف له بها عن فظائع المستقبل فتغیر وجهه و لم یحر جوابا ثم اجتمع الإمام و المأمون بالمسجد فقال له یا ابن رسول اللّه ان مرکزکم العلمی تتصاغر عنده‏ جهابذة العلماء و مقامکم الدینی المؤید بصالح الأعمال یغبطکم علیه خیرة الأولیاء و انی أراک‏ أحق منی بالخلافة و أرید أن أعزل نفسی عنها و أبایعک بالخلافة فقال له الامام لا طاقة لی علی حمل‏ هذا العب‏ء الثقیل و إن کانت الخلافة لک فلا یجوز ان تخلع نفسک منها و تجعلها لغیرک و إن‏ کانت

 لیست لک فلا یجوز أن تعطینی ما لیس لک فقال المأمون یا ابن العم لابد لک من القبول‏ فقال له الامام لا یکون ذلک عن طواعیة و اختیار و ما یزال المأمون یجهد نفسه معه تارة و وزیره‏ الفضل تارة أخری و هو مصر علی عدم القبول فعندها نهض المأمون مخاطبا الامام فلتکن ولی‏ عهدی و إذا بقیت علی إصرارک اجبرتک فقال الامام الحکم للّه و هو

حسبی و نعم الوکیل و قد نزلت علی حکمت بقبول ولایة العهد علی اننی لا أعزل و لا أولی و لا أبدل شیئا من شؤون الدولة فأذن المأمون و خرج الریاستین قائلا و اعجباه أمیر المؤمنین یفوض أمر الخلافة للامام‏ الرضا و بأبی قبولها فیا لها من خلافة ما أضیعها و ما أحقرها فی عین رجال اللّه لقد أظهر الإمام من الجرأة و الصراحة و متانة الاخلاق و الاباء و التعفف ما هو جدیر به‏ تجاه الوفد و الخلیفة معا و ما هی إلا روحانیة من الاحساس الملهم و الثورة

العمیقة المکبوتة و الهدوء الرزین و الاخلاص لعقیدة ثابتة باللّه تعالی و ضرب المأمون موعدا فی یوم مخصوص للاحتفال بعقد البیعة بولایة العهد دعا إلیها خواصه‏ و وزراءه و ارکان دولته و قواده و حجابه و وجوه الناس و أعیانهم و خلع الشعار الأسود شعار العباسیین و ارتدی الشعار الأخضر شعار العلویین و أوعز إلی عماله الاقتداء به فلما انتظم

 عقد الجمع أشار إلی الفضل بن سهل أن یعلن للجماهیر بأن ولی عهد أمیر المؤمنین من بعده الإمام‏ الهمام علی بن موسی الرضا و بعد هنیهة جاء الإمام لابسا الخضرة و علی رأسه عمامة و متقلد بسیف‏ فکبرت الجماهیر استبشارا بمرآه و هللت إکبارا لهیبته و سبحت للّه شکرا علی نعمته فتقدم علیه‏ السلام و جلس بین و سادتین عظیمتین وضعتا له و أمر المأمون اینه العباس بمبایعته بولایة العهد أول الناس فرفع الإمام یده و وضعتا فوق ید العباس فقال له المأمون لماذا لا تبسط یدک‏ فقال له الرضا ان رسول اللّه(ص)کان یبایع و یده فوق أیدیهم فقال إفعل ما تری ثم تقدم‏ الهاشمیون و الوزراء فالقواد فالحجاب فالوجوه فالأعیان فبایعوه و السرور شامل و الوجوه‏ ناضرة و الأفراح عامة للخاصة

و العامة ثم و زعت الدراهم و الدنانیر و الثیاب علی الناس بقدر مراتبهم و أول ما بدأ بالعلویین ثم العباسیین و اتطلقت ألسنة الشعراء و الخطباء تعدد مآثر الإمام حیث وجدوا مجالا للقول وسعة للمدح و بعدها قال المأمون تلکم یا أبا الحسن فحمد اللّه‏ و أثنی علیه و ذکر النبی فصلی علیه و قال أیها الناس ان لنا علیکم حقا برسول اللّه و لکم‏ علینا حق به فإذا أدیتم لنا ذلک وجب لکم علینا الحکم و السلام و لم یسمع منه فی هذا الحفل غیر هذه الکلمة و خطب للامام بولایة العهد فی کل بلد من‏ یلاد الامبراطوریة العربیة و خطب عبد الجبار بن سعید علی منبر رسول اللّه(ص)فی المدینة فقال فی دعائه للامام الرضا ولی عهد المسلمین علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی

بن‏ الحسین بن علی و أنشد ستة اباء هم ما هم‏ افضل من یشرب صوب الغمام و ضربت الدراهم باسمه و هی المعروفة بالرضویة سنة 201 هـ و ذکر المدائنی قال جلس الامام‏ فی ذلک المجلس و الشعراء ینشدون و الخطباء یتکلمون و الألویة تخفق فوق رأسه و التفت إلی‏ بعض موالیه و قد داخله من السرور ما لا مزید علیه فأشار إلیه فدنا منه فقال له لا تشغل قلبک بهذه الأخیلة البراقة فإن هذا الامر لا یتم و بعد إعلان البیعة فی جمیع الأقطار حصل

الاستقرار التام و مشت الشعوب علی خطوات مرآتها الصافیة النقیة و انقطع دابر الأشقیاء بین الناس‏ لشدة ما قاسوا من عواقبه الوخیمة فی الادوار السابقة فإذا کل شی‏ء یسیر سیرا اطبیعیا و التشاؤم‏ ینقلب تقاؤلا و استبشارا و الضغن یصبح عطفا ورقة و قد سکنت الدهماء و خمدت الثائرة و اتصلت السبل.

ان اهل النضوج الفکری ینظرون إلی مقدمات الحوادث فتنکشف لم نتائجها فالفضل بن‏ سهل و طاهر بن الحسین و أضرابهما من رجال السیاسة مهدوا الامور للمأمون من أقرب الطرق‏ بتحویل الرأی العام لجهته بمبایعة الإمام الرضا بولایة العهد فکان لهم ما ارادوا و قد وضعوا الهناء فی موضع النقب و جاءت الوفود تتری علی الخلیفة و ولی عهده من الاقطار النائیة و من‏ بغداد نفسها مستبشرة بالعهد الجدید و العیش الرغید مجددة الطاعة و البیعة منددة بالامین و

 وزرائه‏ و خصیانه و بلغ من إخلاص المأمون للامام تزویجه من ابنته ام حبیب و تولیة احد اخوته إمارة الحج و هذه المصاهرة أتت بما یوافق الحکمة و السداد و وثقت عری المحبة بین البیتین العلوی‏ و العباسی و وطدت دعائم الالفة

بعد القطیعة و عن محمد بن یحیی الفارسی قال نظر أبو نواس إلی الإمام الرضا و هو خارج من قصر المأمون علی بغلة فارهة فدنا منه و سلم و قال یا ابن رسول اللّه قلت فیک أبیاتا أحب أن تسعها منی فقال له قل فأنشا مطهرون نقیات ئیابهم‏ تجری الصلاة علیهم کلما ذکروا من لم یکن علویا حسین تنسبه‏ فما له من قدیم الدهر مفتخر أولئک القوم اهل البیت عندهم‏ علم الکتاب و ما جاءت به السور فقال له لقد جئتنا بأبیات أبیّات یا غلام ما معک من فاضل نفقتنا قال ثلاثمایة دینار فقال‏ ادفعها إلیه و بعد أن ذهب إلی البیت قال یا غلام لعله یستقلها سق إلیه البغلة فساقها إلیه و أخذت الشعراء تتباری فی هذا المضمار و کان منهم المجلی و السابق دعبل بن علی الخزاعی‏ التی اربت

قصیدته علی مایة و عشرین بیتا من عیون الشعر و منها ذکرت محل الربع من عرفات‏ فأجریت دمع العین فی العبرات‏ مدارس آیات خلت من تلاوة و منزل وحی مقفر العرصات فلما بلغ إلی قوله

أری فیئهم فی غیرهم متقسما و أیدیهم من فیئهم صفرات

قال له الامام صدقت یا خزاعی و تابع انشاده

إذا وتروا مدوا إلی و اتریهم‏ اکفا عن الأوتار منقبضات

جعل الرضا یقلب کفیه و یقول اجل و اللّه منقبضات حتی انتهی إلی قوله

لقد خفت فی الدنیا و أیام سعیها       و إنی لأرجو الأمن بعد وفاتی

قال له الامام امنک اللّه یوم الفزع الأکبر حتی وصل إلی قوله

و قبر ببغداد لنفس زکیة         ألحت علی الأحشاء بالزفرات

قال له یا خزاعی افلا ألحق لک بهذا الموضع بیتین تضمهما لقصیدتک قال بلی یا سیدی فقال(ع)

و قبر بطوس یا لها من مصیبة        توقّد بالأحشاء فی الحرقات‏

 إلی الحشر حتی یبعث اللّه قائما    یفرّج عنا الهم و الکربات

فقال دعبل یا ابن رسول اللّه قبر من هذا بطوس قال له قبری و لا تنقضی الأیام و اللیالی‏ حتی تصیر طوس مختلف شیعتی و أخذ دعبل بالانشاد إلی قوله

خروج إمام لا محالة خارج‏         یقوم علی اسم اللّه و البرکات‏

یمیز فینا بین حق و باطل‏        و یجزی علی النعماء و النقمات

قال له الرضا نطق روح القدس علی لسانک بهذین البیتین و حباه بمائة دینار فردها و طلب‏ ثوبا من ثیاب الامام فانفذ إلیه بجبة خز مع المایة دینار و قال للخادم قل له یأخذهما و لا یراجعنی‏ فیها فإنه سیحتاج الیهما لا سیما المایة دینار فأخذهما و تجهز مع قافلة للعراق فخرجت علیهم‏ اللصوص فی الطریق و نهبوا القافلة و کتفوا أهلها و منهم دعبل و أخذوا یقتسمون الاموال‏ و مقدم اللصوص یتمثل بقولهم

أری فیئهم فی غیرهم متقسما       و أیدیهم من فیئهم صفرات

فقال له دعبل أتعرف قائل هذا البیت فقال له کیف لا أعرفه هو لشاعر من خزاعة یقال‏ له دعبل شاعر الامام الرضا من قصیدته التی مدحه بها فقال له أنا دعبل صاحب القصیدة فحلوا کتافه و تلی علیهم القصیدة فقالوا له قد وجب حقک علینا و قد اطلقنا القافلة ورددنا جمیع ما أخذناه منها إکراما لک ثم سار دعبل إلی مدینة قم و قرأ علیهم القصیدة فوصلوه بمال کثیر و سألوه بیع الجبة بألف دینار و قال لهم أخذتها للتبرک و ارتحل عنهم فخرج علیه بعض أحداثهم‏ و أخذوا منه الجبة فرجع إلی قم و أخبر کبارهم فردوها علیه و قالوا نخشی أن یأخذ منک هذه‏ الجبة غیرنا فباللّه إلا ما أخذت الالف دینار و ترکتها لنا فقال ان تعطونی شیئا منها لیکون‏ فی کفنی عند موتی فاعطوه فردکم منها و لما وصل

إلی وطنه لم یجد فی منزله شیئا لأن اللصوص‏ نهبوا جمیع ما فیه اثناء غیابه فباع المایة دینار التی وصله بها الامام الرضا کل دینار بمایة درهم‏ و قد تضاعفت قیمتها لانها مضروبة باسمه و ذکر قوله إنک ستحتاجها و توجه إلی الحجاز لحضور موسم الحج بعد ان کتب قصیدته المذکورة علی ثوب و احرم فیه و اوصی ان یکون هذا الثوب فی اکفانه عند موته.

کل من تصفح التاریخ بعلم ان قبیلة خزاعة المعروفة بنجدتها کانت موالیة للهاشمیین فی‏ الجاهلیة و الاسلام و شاعرنا احد افراد هذه القبیلة موالیا للنبی و أهل بیته کآبائه و قصیدته التی‏ أنشدها للامام الرضا قطعة من قلبه صاغها دررا و نظمها فی أسلاک من الذهب فجاءت فریدة تنطق عن شعور قوی استهلها بالذکری و التوجع و التلهف و التفجع لما نالهم من الاذی و الارهاق‏ و یکفیه فخرا و شرفا استحسان الامام لها و دعائه له

المعجزة عجزت العقول عن تکییفها و أقرت صدورها عن أهلها کالانبیاء و الرسل لهدایة خلقه و کذلک اولیاء اللّه المقربین الذین نهجوا نهجهم و سلکوا طریقهم فی خدمة عباده و من‏ اقرب إلی اللّه من خاتم النبیین و اهل بیته(ص)کالامام الرضا ثامن أئمة اهل البیت فقد اجمع المؤرخون و رواة الحدیث علی علمه و فضله و ورعه و زهده و سخائه و عبادته و اعراضه عن‏ الدنیا یؤید ذلک قول المأمون له انی اراک أحق منی بالخلافة و هو الضنین بها لقتله أخیه لاجلها و قد عزف الامام عنها و لم یأبه لها و لولا موالاته له و اعتقاده به اعتقادا ملک علیه سمعه و بصره‏ لبقی

مثابرا علی السیاسة التقلیدیة التی سلکها الرشید مع الإمام الکاظم فیما غیر من الایام و فی آخر 201 هـ استتب له الأمر و کثر جمعه و وقدت جمرته و رحل من خراسان إلی دار الخلافة بغداد و معه من أولیاء اللّه و حزب اللّه ولی عهده و من سیوف العز و أرکان الخلافة و دعائمها وزراءه و حاشیته متئدا فی سیره یمشی الهوینا و البرید یوافیه بأخبار الولایات فی کل منزل‏ حل فیه و فی هذه الأثناء خلع الطاعة عمه ابراهیم بن المهدی و ادعی الخلافة لنفسه

 یؤیده‏ العباسیون فی بغداد و حصل الاصطلام بین جیش الخلیفة الجدید و بین الحسن بن سهل قائد جیش المأمون و لم بتجرأ أحد من وزرائه و حاشیته التصریح له بذلک فتقدم الإمام الرضا و کشف له وجه الحقیقة و نصحه بأن خیر علاج التعجیل بالعودة إلی بغداد قبل ان یتفاقم الأمر فعزم علی ما أشار به الإمام و کان وزیره الفضل بن سهل لا یفارقه و لا

 یعمل إلا برأیه و ما کادوا یحلون بسرخس و إذا هم بالفضل بن سهل مقتولا بالحمام فأوعز لرجاله بالتحری علی الفاعلین و لما قبضوا علیهم جاؤا بهم إلی الخلیفة فقالوا له أنت أمرتنا بقتله و أمر بضرب أعناقهم و بعث‏ برؤوسهم إلی أخیه الحسن بن سهل القائد فی بغداد معزیاله و یعده بالوزارة خلفا لأخیه ثم عززه‏ بکتاب آخر یخطب منه ابنته بوران و یحدثنا ابن طباطبا ان الفضل بن سهل کان سخیا کریما یجاری‏البرا مکة فی جوده شدید العقوبة سریع الانعطاف حلیما بلیغا عالما بآداب الملوک بصیرا جید الحدس و کان یقال له الوزیر الأمیر و مذهبه موالات أهل البیت

لیس فی السیاسة من اعتبارات ادبیة او اجتماعیة و لیس فیها مقاییس ثابتة لوقوع حادث‏ آخر لم تهجش به الضمائر و لم یسنح فی فکر ارتجت لوقعه الدولة و استولی علی الناس الذهول‏ لهوله و لم یکون متوقعا حدوثه و هو انه عندما نزل الخلیفة فی مدینة طوس توفی الإمام الرضا فجأة و تناقلت الناس اسباب الکارثة و سری الذعر فی النفوس سریان الوباء المعدی حتی لم یبق‏ ثمة من یقف علی قدمیه هادئا مطمئنا فی طول البلاد و عرضها و قد أظهر المأمون

الجزع و الحزن‏ علیه و دفنه بجوار قبر أبیه الرشید فی سنابا و انتشرت الإشاعات و الأراجیف فی سبب موته‏ و قیل انه دس له السم فی العنب و مع اعتقادنا بأن المأمون کان فیلسوف العباسیین الذی أثار کوامن الرغبة و العمل للبحث و التعمیق فی الدرس لا ستخراج الأشیاء من مظانها حتی ملأ عصره بأنواع المعارف و لم یقلد أسلافه بالغض من کرامة

أهل بیت الوحی و بعد أن اغترف من‏ بحر علمهم حکمة و نبلا و هدی أطل علی الأمة العربیة بالبیعة لاحدهم الإمام الرضا معترفا بإمامته عن علم و درایة و تقدیر لفضله و إقرار بحقه ثم تنکر له کما یقولون حتی انتهی الأمر إلی‏ مأساة مفجعة و لعله علم انه عقبة کأداء فی سبیل إرضاء أهله و ذویه و لما کانت المصادر التی بین‏ أیدینا لم تکشف القناع بصورة تبعث علی الاقناع فالمسألة بقیت فی صدر الأیام سرا مکتوما و الحکم للّه الذی یعلم خائنة الأعین و ما تخفی الصدور.

انتهی/125