وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الجمعة

٦ يناير ٢٠١٢

٨:٣٠:٠٠ م
289302

ثورة الامام الحسین(ع) و موقعها فی مسار الامة الاسلامیة

تعتبر ثورة الامام الحسین بن علی(ع)من أهم الاحداث التاریخیة التی ساهمت‏ فی صیاغة الثورات التاریخیة التی تفجرت علی الساحة،بعد حادثة کربلاء،و فی‏ تکوین الخط السیاسی العام لمدرسة اهل البیت(ع).

و من هنا لا یمکن لباحث فی التاریخ أن یتوفّر علی دراسة تاریخ الحقبة الامویة، و ما عجّت به من ثورات و تناقضات و احداث عظیمة،مالم یتناول آثار ثورة الحسین‏ )ع) فی المجتمع الاسلامی بشکل عام،و فی مجتمع مدرسة اهل البیت(ع)الذی ترکز وجوده فی الکوفة و البصرة،و بعض المدن العراقیة الاخری،و بعض مدن فارس.

هذه العلاقة الاساسیة،بین ثورة الحسین(ع)و التاریخ الثوری لمدرسة اهل‏ البیت(ع)،تستدعی اعطاء مزید من الاهتمام بآثار ثورة الحسین)ع) و انعکاساتها فی‏ المجتمع الاسلامی،و یمکن دراسة تلک الآثار ضمن المحاور التالیة: هذه العلاقة الاساسیة،بین ثورة الحسین‏ (ع)و التاریخ الثوری لمدرسة اهل البیت‏ (ع)،تستدعی اعطاء مزید من الاهتمام بآثار ثورة الحسین)ع) و انعکاساتها فی المجتمع‏ الاسلامی،و یمکن دراسة تلک الآثار ضمن‏ المحاور التالیة:

تأثیرات ثورة الامام الحسین(ع)فی البعد الوجدانی

لکل ثورة ناجحة،أو فاشلة،نصیب فی الفعل و التأثیر فی حیاة الأمة،و حجم هذا التأثیر و أبعاده و میادینه ینبع من هویة الثورة و أهدافها، و مدی ارتباطها بالأمة و قیمها،و نوعیة القیادة التی اشرفت علیها.و حیث إنّ ثورة الحسین(ع) استهدفت الاطاحة بالحکم الاموی الذی یمثل‏ بؤرة ظلام و ظلم و طغیان فی حیاة الأمة،و حیث‏ إن الامام الحسین(ع)من أهل بیت النبوة، و معدن الرسالة،و مهبط الملائکة،و حیث إن‏ شهادته زخرت بالمآسی و المحن...أثرت تأثیرا مباشرا و حیویا،و ممتدا فی واقع الأمة،و فی‏ تشکیل خطها السیاسی.

من هنا فإن آثار ثورة الامام الحسین)ع)هزّت ضمیر الانسان المسلم،و المجتمع‏ الاسلامی،و ساهمت فی بناء المستقبل،و شارکت‏ فی صیاغة الأحداث المصیریة للأمة،و من هذه‏ المیادین،البناء العاطفی للانسان المسلم،من‏ خلال معالجة الجوانب المرضیة فی اشواقه‏ و عواطفه.

و الذی یهمنا من هذا الجانب،هو دور شهادة الامام الحسین(ع)فی معالجة الواقع العاطفی‏ لأهل الکوفة،و إنقاذهم من مرض الازدواجیة، و کیف استطاعت تلک الشهادة إعادة التوازن‏ للمجتمع الشیعی،و توحید الجانب العاطفی مع‏ خیاراته السیاسیة،و الذی تجسد بکل وضوح‏ و جلاء فی اندفاع«التوابین»و ثورتهم ضد الحکم‏ الاموی،و صحیح أنّ الامام کان ضحیة لهذا التناقض فی المجتمع الکوفی،الا ان شهادته(ع) المآساویة دفعت مجتمع الکوفة الی مراجعة الذات،و الندم،و التوبة،و الاصرار علی الخروج‏ من هذه الحالة التی ادت الی نتائج مروعة،فثمة تناقض عاشه اکثر الکوفیین،بین قناعاتهم‏ الفکریة و السیاسیة التی آمنوا بها،و بین مواقفهم‏ السیاسیة العملیة،ففی کثیر من المواقف مارس‏ هؤلاء موقفا عملیا متضادا مع قناعاتهم و فی‏ احیان أخری اتخذت هذه الحالة أسلوب‏ التقاعس و الضعف عن التطابق العملی مع تلک‏ القناعات،دون ان تبلغ درجة التضاد.

و یبدو أن هذه الحالة کانت ملحوظة فی‏ الکوفة فی عصر الامام علی(ع)و ما بعده،فمثلا نلحظ کلمات للامام علی(ع)و هی تشیر الی هذه‏ الحالة فقد قال(ع):«انهم اناس مجتمعة ابدانهم، مختلفة اهواؤهم،و ان من فاز بهم فاز بالسهم‏ الأخیب و انه اصبح لا یطمع فی نصرتهم‏ و لا یصدق قولهم»1.

و نجد کذلک بعض الکلمات لبعض الهاشمیین‏ و غیرهم فی وصف تلک الحالة،فابن عباس یقول‏ للامام الحسین(ع)حین عزم علی الذهاب الی‏ الکوفة:«ان اهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم»2.

و قال الفرزدق و هو یصف اهل الکوفة للامام‏ الحسین(ع)حین لاقاه فی الطریق:«قلوب‏ الناس معک و سیوفهم مع بنی امیة»3.

و حین شاهد الامام زین العابدین بکاء اهل‏ الکوفة علی الحسین قال متعجبا:«ان هؤلاء یبکون و ینوحون من اجلنا فمن قتلنا؟!»!!4.

و هذه الکلمات و المواقف العملیة تکشف عن تناقض ینطوی علیه اهل الکوفة بین قناعاتهم، و مواقفهم العملیة،حیث یتغایر موقفهم العملی‏ من موقفهم العقیدی فی بعض الاحیان.

و بالطبع،فهذه الحالة الشاذة التی میّزت‏ الکوفة،لم تلغ عنها طابعها التاریخی الثابت، بوصفها قاعدة اهل البیت(ع)،و مرکز الموالین‏ لهم،فقد قال الامام امیر المؤمنین علی(ع)و هو یمدح اهل الکوفة:«یا اهل الکوفة انتم اخوانی‏ و انصاری و اعوانی علی الحق بکم اضرب‏ المدبر،و ارجو اتمام طاعة المقبل».

فأجابوا:«سر بنا یا امیر المؤمنین حیث‏ احببت فنحن حزبک و انصارک نعادی من‏ عاداک،و نشایع من اثاب الیک والی طاعتک، فسر بنا الی عدوک کائنا من کان،فانک لن تؤتی‏ من قلة و لا ضعف فان قلوب شیعتک کقلب رجل‏ واحد فی الاجتماع علی نصرتک و الجد فی جهاد عدوک،فابشر یا امیر المؤمنین بالنصر، و أشخص الی ای الفریقین احببت(ای فریق‏ معاویة و الخوارج)،فانا شیعتک التی ترجو فی‏ طاعتک و جهاد من خالفک صالح الثواب من‏ الله،و تخاف من الله فی خذلانک و المتخلف عنک‏ شدید الوبال»5.

و بهذا یزول ما یبدو من تناقض فی النصوص. کما یصفهم الامام الحسین بن علی(ع)فی‏ جوابه لسلیمان بن صرد:«اما بعد فانکم شیعتنا و اهل مودتنا و من نعرفه بالنصیحة و الاستقامة لنا»6.

بل لعلّ اصرار الامام الحسین(ع)علی‏ التوجه الی الکوفة،رغم نصح الناصحین، یکشف عن أنّ الامام کان یعلم ان هوی الکوفة معه،إضافة الی انّ مسیره الیها کان بناء علی‏ طلب اهلها الملحّ للقدوم.

ان حالات التخاذل المریرة،التی أبداها اهل‏ الکوفة لأهل البیت فی المواقف الحرجة نابعة من‏ حالات الضعف،و لا تعبّر عن موقف تاریخی‏ ثابت لاهل الکوفة،بل ان طابع الکوفة التاریخی‏ الممیز أنها مرکز لشیعة اهل البیت(ع)،و من‏ الضروری،تحلیل هذه الظاهرة و معرفة منشئها و منابعها،و بالتالی موقع شهادة الامام الحسین‏ (ع)فی علاج هذه الظاهرة الخطیرة،و یمکن‏ تشخیص منابعها بمایلی:

1-تبرز حالة عدم التطابق هذه فی الظروف‏ و المواقف التی تتطلب موقفا مبدئیا مصحوبا بثبات ذلک الموقف مع تحمل الشدائد و الصعوبات التی تنشأ من ذلک الالتزام