عندما بدأ في إلقاء خطبته لصلاة الجمعة.. قفز ابني «أحمد» ـ مبتعداً عن إسناد ظهره إلى الجدار ـ وجلس أمامي على هيئة جلوس الصلاة.. راح يتفاعل صعوداً ونزولاً مع كل حركة ونبرة لصوت الشيخ نمر في خطبتي الجمعة، حيث امتدتا لأكثر من الساعة وثلث الساعة في جامع الإمام الحسين(ع) في منطقة الزارة.
يكره ابني سماع المحاضرات كرهه لكل حاكم طاغية، وكم حاولت أن أحبّبه لسماع المحاضرات والمواعظ؛ بيد أن محاولاتي باءت بالفشل الذريع.. طبعاً لم أسدل الستار على القصة بعد؛ حيث أن أحمد طلب مني ـ يوم الأربعاء ـ أن أذهب معه مرة ثانية للاستماع لخطبة الشيخ النمر يوم الجمعة من هذا الأسبوع.
إن الشارع، بل العالم كله يتشوق ويتشوّف إلى سماع من يعبّر عن نبضه، ويتحسّس آلامه، ويتناغم مع طموحاته وتطلعاته، ويلج قلبه بسلاسة وتلقائية، وللأسف المميت أن أكثر المتحدثين ـ وإن برعوا في فن الخطابة والحديث ـ يفتقدون تلك الصفات ـ آنفة الذكر ـ، بل الأدهى والأمر تجدهم يعيشون في كواكب أخرى غير كوب الأرض؟!.. فلا غرابة أن نرى نفور الكثير ـ الطبيعي ـ من الاستماع لحديثهم فضلاً عن الانسجام معه.
إن ظاهرة الشيخ نمر فريدة من نوعها بدرجة امتياز في هذا العالم الغريب؛ الذي انقلبت فيه الموازين.. فأصبح الأمر ـ الطبيعي ـ الذي يتناغم مع فطرة وتطلعات الإنسان هو الشاذ لندرته، وفقدان الساحة له عشرات السنين؛ والمصيبة الأعظم أن الأمر الشاذ عن فطرة الإنسان الذي اعتاد عليه المجتمع -بكل مكوناته- صار هو المألوف الذي ينسجم مع الواقع؟، وقد ذكرني هذا الواقع المرير بما أشار إليه أبو العلاء المعري في قصيدته ذائعة الصيت، حينما انقلبت مفاهيم البشر، منها:
إذا وصف «الطائيَّ» بالبخل«مادرٌ»
وعيّرَ «قسّاً» بالفهاهة «باقلُ»
وقال السهى للشمس أنتِ ضئيلةٌ
وقال الدجى للصبح لونُك حائلُ
بكل تأكيد.. أن فضيلة المجاهد الشيخ نمر هو الذي يمثّل ـ الآن ـ الشارع وتطلع المجتمعات الحرة بلا منازع.. ومن لديه شك فيما أقول: فليحضر للاستماع لخطبتيه يوم الجمعة.. إن وجد له شبراً في شبر للجلوس فيه.. وإذا حالفه الحظ وجاد عليه بمكان سيلاحظ العجب العجاب من رؤية الوجوه الكريمة التي تفد ـ زرافاتٍ ـ للاستماع والصلاة من مختلف المناطق؟، طبعاً إن من يعرفني جيداً يعرف تماماً أنني لا أروّج لشخص بذاته، ولا أقصي أو أنكر دور أحد بذاته؛ وإنما أصف الحالة ـ الموجودة في الوقت الراهن ـ بما ألمسه ويلمسه الكثير.. كما أنني أهمس في أذن كل صاحب منبر وحضور اجتماعي بالقول: إذا لم يواكب المرحلة في أطروحاته ومواقفه.. سوف يتخطاه الشارع؛ إذا لم يكن تخطاه، فضلاً عن من يحمل هموم وآلام وتطلعات المجتمع.
وختاماً.. أعتقد أن الكثير قرأ الرسالة التي بعث بها (غيثان) أحد سكنة جبال عسير تحت عنوان «تحية للشيخ نمر من جبال عسير»؟
................
انتهی/ 101