ابنا : إن هجرة الناس المتبادلة بين القارات بأي سبب كان ساهم في انتقال الثقافات، هكذا انتشر الاسلام وهكذا انتشرت مراسم عاشوراء الى العالم، وبجانب ذلك فان الحرية الدينية والثقافية في الدول الديمقراطية على الخصوص مكّنت المهاجرين من التعبير عن انتمائهم والحفاظ على هويتهم من الذوبان وشبح الاندثار.
البنية الثقافية لدى الانسان الغربي ذات طابع فضولي في اكتشاف ما هو مختلف ثقافيا، القانون والعدالة والاحترام وكثرة المهاجرين جعلت منه متقبلا لفكرة وجود الإنسان الآخر في بيئته دون ان يعكر ذلك صفو مزاجه الثقافي إن نحن استثنينا الأشخاص ذوي التوجهات اليمينية المتطرفة وهم قلة. وعلى هذا لا تشكل الموروثات الثقافية المتنوعة استهجانا لدى الغربي خاصة في المدن الكبرى المتعددة ثقافيا، حيث يمكن أن ترى المسلم والبوذي والاسيوي والافريقي كل بزيه وعاداته.
ينظر الغربي الى احياء عاشوراء تماما كغيرها من الموروثات البشرية، على أنها جزء من طقوس الشعوب الاسلامية المتوارثة وبناء على ذلك يبني موقفه وتصوره تجاهها. ليس المهم لدى الغربي ان كانت تلك الشعائر سوف تصطدم مع أيدولوجيته وقيمه الفكرية كما يحدث في البلدان الاسلامية، المهم أن لا تصطدم تلك الشعائر مع القانون والذوق العام ضمن النظم المنصوصة عليها دستوريا، فالقانون هو المهيمن على مفاصل الحياة في البلدان المتقدمة وليس العادات أو التفسيرات الدينية، ومن النادر ان تواجه الشعائر مشاكل عنصرية لكن من الكثرة ومن الممكن ان تواجه مشاكل وشكاوى تتعلق بمدى قدرة القائمون على تلك الشعائر بالحفاظ على النظام والقانون العام.
يكفل القانون العام حق اقامة الشعائر في الدول الغربية شريطة أن لا تصطدم مع حريات الناس أو تسبب الازعاج للآخرين، ولأن غالبية المسلمين يأتون من دول العالم الثالث فانهم يجدون صعوبة في ضبط سلوكياتهم في ظل نظام صارم لا يعترف بالمحسوبيات ولا المذاهب ولا الأعراق. فمن المخجل مثلا ان يركن الانسان سيارته في الموقف الخطأ وبجوار المنازل المحاذية للمآتم ومن ثم يبرر ذلك بحضور المجلس الحسيني باعتباره أنه أولوية وليس باعتبار أن حفظ القانون واحترام الناس هو الأولوية!!، ومن المخجل أن تملئ الأوساخ والمخلفات كل الطرقات المؤدية للمجلس الحسيني ليتم تركها الى اليوم التالي حيث يستيقظ أهالي الحي على مأساة أخلاقية وقانونية!!. عند هنا يقف القائمون على المجالس الحسينية - كما يذكر أحدهم - في مأزق وحرج دائم ومتكرر يدفع البعض منهم للبقاء الى منتصف الليل فقط من أجل تنظيف الشارع مما خلفه المستمعون الحسينيون للأسف!!.
بناء على تلك السلوكيات الذوقية الخاطئة يبدأ العقل الغربي بربط أحياء عاشوراء مع ما يصاحبها من فوضى في التنظيم أو قلة في الذوق العام وأرتفاع لنبرة الأصوات الى الخارج ومن ثم يصدر حكمه الايجابي أو السلبي عليها، وعادة ما يكون هذا الحكم نتيجة أخطاء هؤلاء الناس الذين يصرون على أنها مواقف عنصرية وليست أخطائهم السلوكية!!. ومن هنا يجب الوعي أن هناك أولوية لحفظ النظام فليس المطلوب من الاخرين ان يعذروك بحجة الأجر والثواب والحفاظ على شعائرك الخاصة ما دمت غير مستعد لاحترام القانون وغير متهيء لاستيعاب معنى أن تكون حسيني الخلق والسلوك.
المسيرات العاشورائية هي الأخرى أصبحت طقسا سنويا شائعا في الدول الغربية وبالطبع هي تقع ضمن منظومة القانون الذي يجيز تلك المسيرات، حيث يتقبل الانسان الغربي فكرة تخليد العظماء ويعتبرها عملا عظيما، وهناك بعض الدول ممن تخصص لها يوما سنويا تستذكر فيها جنودها القتلى. لكن حتى تكون الرسالة الحسينية واضحة المعالم للأخرين من المهم أن يكون هناك وعيا رساليا عن ما الذي نريد أن نقوله للعالم بإسم الامام الحسين (ع)؟ أننا مسالمون مثلا أو أننا ضد الظلم والعنف، هذا كله غير واضح للآخر الذي لا يرى غير طقوس وصور سوداء مليئة بالاسى والحزن تطغى على كامل المشهد دون أن تفسح مجالا للرسائل الحسينية بالعبور.
وعلى نفس هذا المنوال تسير الفضائيات التلفزيونية التي تعمل على ترسيخ مشاهد الحزن لدى المشاهد والتغييب الكلي للرسائل الحسينية تحت غطاء هذا الصراخ والعويل!!.
عندما نريد أن يشاركنا الآخرون قضية كربلاء فليس من الصحيح أن نقول للناس تعالوا انظرونا وشاركونا البكاء على الحسين (ع) ، فلغة البكاء الحسيني هي لغتك الخاصة ووفق معتقدك الخاص الذي لا يمكن ان تجبر الناس على تبنيه حتى نصب كافة الجهود على هذا الاتجاه، وانما نحن بحاجة الى لغة عالمية مشتركة تجمعنا مع الانسان الآخر المختلف باسم الامام الحسين (ع ) فنقول لهم تعالوا وشاركونا رسائل كربلاء حيث السلام والمحبة والتضحية ورفض كافة اشكال الظلم والتسلط وذلك عبر الأساليب والأدوات العالمية المشتركة .
إن الشعائر الحسينية ليست طقوسا عمياء صماء، تؤدى دون وعي ودون إدراك. فمن من يعتقد بهذه النظرية - حتى ولو كان شيعيا - يغالط نفسه، ولم يصل إلى لب الهدف منها. وذلك لان هذه الشعائر مارسها من هو أكثر منا حنكة ودراية بالدين، مارسها صاحب الرسالة عند ولادة صاحب المصيبة.
لذا ينبغي علينا كمستمعين الاتصال بالخطباء، لطرح أفكارنا ورؤانا، وما نراه نقصا في وعي الناس الديني. وعلى الخطباء حسن الاستماع لما يطرحه الجمهور بصدر رحب، ومن ثم تقييمه إذا كان مناسبا ويعود بالنفع على المجتمع. كما وعلى الخطباء استغلال هذه التوجه عند الناس وهذا الزخم الديني عندهم لتوعيتهم بأمور دينهم، وبما يعود عليهم بالنفع.
فمائدة الحسين (ع)عظيمة، وجامعة علمية كبيرة، لها باع طويل في جميع التخصصات. فلا نبخل على أنفسنا ولا على من حولنا، من أن نغترف من فيض كرم الإمام (ع).
...........
انتهى /214