وکالة أهل البیت(ع) للأباء ـ ابنا / القسم الثقافي/ فرع مقالات القراء:
إن الحديث عن كربلاء هو حديث عن الحق والباطل، حديث عن النور والظلام ، حديث عن الشر والخير، حديث عن السمو في أمثلته العليا، وعن الإنحطاط..
إنه حديث عن ما يمكن أن تعتبره خيراً, وما يمكن أن تعتبره شراً، ؛ ولذا يقول البعض: إن حادثة كربلاء, إن ثورة الحسين (عليه السلام) حدث تستطيع أن تربطه بأي حدث في هذه الدنيا، تستطيع أن تستلهم منه العبر والدروس أمام أيٍّ من المتغيرات والأحداث في هذه الدنيا؛ لذا كان مدرسة .. كان مدرسةً مليئة بالعبر, مليئةً بالدروس، لمن يعتبرونو، لمن يفقهون، لمن يعلمون..
لا تنظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها، من الذي حرك الجيوش لتواجه الحسين في كربلاء؟ من الذي أرسل ابن زياد إلى الكوفة ليغري زعماء العشائر بالأموال, ويرغّب ويُرهب حتى يجيشهم، حتى يحولهم إلى جيش يتوجه لضرب الحسين بعد أن كانوا قد بايعوا الحسين، من هو؟ إنه « يزيد ».
من الذي جعل يزيداً خليفة على رقاب المسلمين؟ إنه « معاوية » .. من الذي جعل الأمة ـ تلك الأمة ـ تقبل مثل يزيد؟ من الذي جعل ليزيد سنداً قوياً وقاعدة قوية ؟ إنه معاوية .. , من الذي ولى معاوية على الشام؟ إنه الخلیفة الثاني «عمر» .. من الذي ولى عمر؟ هو الخلفة الأول «أبو بكر»..
أبو بكر وعمر كانا يتحركان كما قال الإمام علي (عليه السلام) لعمر: "إحلب حلباً لك شطره, شدّها لـه اليوم يردها عليك غداً". حركة واحدة كانت على هذا النحو ممن يعشقون السلطة, ممن يعشقون المنصب، ممن يعشقون الوجاهة.
ما أسوء الإنسان أن يسمع كلمة الحق ثم يرى نفسه في يوم من الأيام يقف في وجه الحق يضربه بسيفه، إنه أسوء من ذلك الذي تربى على الضلال من يومه الأول، إنه أسوء من أولئك؛ ولذلك تجد مثالاً واضحاً على ذلك.. أليس تاريخ العراق أسوء من تاريخ سوريا؟ .. أليس العراقيون في كل عصر لا تجد شعباً من الشعوب في البلاد العربية أكثر نكبات, وأكثر مآسي من شعب العراق نفسه ؟ لأن شعب العراق هو الذي سمع علياً أكثر من أي شعب آخر.
علي ـ عليه السلام ـ خرج أياماً معدودة إلى اليمن ، وبقي أياماً معدودة في المدينة بعد خلافته ، وكان في المدينة لا يتفوّه بكلمة في ظل الخلفاء الثلاثة, لا يريدونه أن يتفوه بكلمة ، لكن معارفه وتوجيهاته وحكمه انْصَبّت في الكوفة على آذان ومسامع أهل العراق، ففرطوا.. ففرطوا ، فكانت عواقبهم أسوء من عواقب أهل الشام أنفسهم.
وعندما يكون الإنسان من هذه النوعية فقد يصحوا في يوم من الأيام لكن في الوقت الذي لا ينفع. أهل العراق ندموا بعد ، وتاب الكثير من تفريطهم في الإمام الحسين، إذ لم ينصروه وخرجوا ثائرين، وقتلوا مَنْ قتلوا الحسين، وثاروا وثأروا لقتله لكن بعد فوات الأوان، بعد فوات شخصية عظيمة الحسين .
لو كانت تلك التضحية، لو كان ذلك الصمود، لو كان ذلك التفاني، لو كان ذلك الإهتمام، لو كان ذلك الوعي في وقته ،يوم كان الحسين متوجهاً إلى الكوفة لاستطاعوا أن يغيروا وجه التاريخ بأكمله ، وليس فقط وجه العراق ، لاستطاعوا أن يعيدوا الأمة إلى ما كان يريد لها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون عليه.
قتلوا الأآلاوف, وقُتل منهم الآألواف لكن بعد فوات الأوان ، بعد فوات شخصية كالإمام الحسين. وأعظم ما تتعرض له الأمة أو من أعظم نكبات الأمة أن تفقد عظماء كالحسين وعلي وزيد والحسن عليهم السلام وأمثالهم من أعلام الهدى ، خسارة عظيمة.
فنحن - أيها الإخوة - عندما نتحدث عن كربلاء لا نتحدث عنها فقط من الجانب العاطفي ، الجانب العاطفي مثير لكن قد يجعل القضية تتجمد في عصرها، ويجعلنا نحن لا نستطيع أن نستلهم منها الدروس والعبر ، ولذا إلا إذا حاولنا أن يكون إحياؤنا لهذه الذكرى هو فعلاً حديث عن ما حدث فيها من مآسي كشفت عن وحشية أولئك الظالمين، وخشونة طباعهم, وخبث أنفسهم.
ونعرف أيضاً الأسباب التي أدت لمثل تلك؛ لأنها أسبابٌ الناس يعيشونها في كل عصر ، نحن نعيش ـ فيما أعتقد ـ الأمة المسلمة هي تعيش الحالة, الحالة نفسها، الأسباب نفسها التي هيأت الظروف لأن يسقط بين أيديها مثل علي والحسن والحسين وزيد ومحمد بن عبد الله النفس الزكية وغيرهم من عظماء أهل البيت ، الحالة نفسها واحدة.
سنظل دائماً نَئِنُّ ونتوجع من الأحداث ولا نهتدي لحل ولا نعرف من الذي وراء ذلك، إذا لم نعد إلى أسباب الأشياء من أولها, إلى دراسة الأسباب الأولى للأحداث حتى نعرف ما إذا كان هناك في واقعنا شيء من هذه الأسباب ، متوفر، شيء من هذه الحالة التي أدت إلى تلك النتائج السيئة ، التي تعيش عليها الأمة، فإذا ما وجدنا أنفسنا نعيش نفس الشعور ، نعيش نفس الحالة فاعرف بأنك إنما ستكون مثل أهل العراق، مثل أهل الشام الذين ظلوا دائماً يتوجعون ، مثل هذه الأمة من أولها إلى حاضرها, تتوجع من الأحداث ، تتوجع من الكوارث ، وتَئِنُّ وتصرخ ولا ترى مخرجاً, ولا تعرف حلاً.
وحتى نعرف وحتى يعرف كل واحد منا أنه يعيش نفسية الشخص الذي أغمض عينيه يوم صعد أبو بكر على كرسي الخلافة ، وأنك تعيش نفسية ذلك العراقي الذي كان يسمع عليا اًيتحدث بمسجد الكوفة ، وتحمل نفسية ذلك العراقي يوم خرج الحسين متجهاً إلى الكوفة ، ويوم دخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، حتى تعرف أنك لا تختلف عن أولئك، إذا ما وجدت نفسك أمام أي قضية, أمام أي حدث، تجد هناك من يذكرك بمسئوليتك ، ويذكرك بخطورة عواقب تلك الأحداث، يذكرك بعقوبة تفريطك ثم لا تهتم، فإنك من قد تجد نفسك في يوم من الأيام ليس فقط ضحية لتفريطك، بل تجد نفسك في موقف أسوء من ذلك الموقف, تجد نفسك في صف الباطل تقف في وجه الحق، تساق إلى مواقف الباطل.
وهذا لم يكن فقط ما حصل للعراقيين وحدهم في التاريخ، لقد حصل للكثير من البشر على امتداد التاريخ .. تاريخ هذه الأمة، كم من الأشخاص ممن هم يُحسبون على جانب الحق، ممن سمعوا توجيهات الحق, ممن وسمعوا صوت الحق، ودعوا إلى الحق ففرطوا فرأوا أنفسهم يساقون إلى ميادين نصر الباطل!
نحن ـ أعتقد ـ إذا لم ننطلق في مواجهة الباطل، في هذا الزمن فإننا من سنرى أنفسنا نُساق جنوداً لأمريكا في ميادين الباطل في مواجهة الحق.
لا يجوز بحال إذا كنا نحن من نلوم أولئك، أي واحد منا يلوم أهل الكوفة أليس كذلك ؟ يلوم أهل العراق؟ ، يلوم ذلك المجتمع الذي لم يصغِ لتوجيهات الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بعد أن ولّى علياً, اًيلوم أهل المدينة ، يلوم أهل البصرة ، يلوم أهل الشام ، يلوم ..
إذا كنا فقط إنما نلوم الآخرين، ولا نعرف على ماذا نلومهم ، أنت تلومهم لأنهم قتلوا الحسين, أليس كذلك؟ فعلاً يلامون على أنهم قتلوا الحسين, لكن ما الذي جرّهم إلى أن يقتلوا الحسين؟.
أنت تعيش النفسية، تعيش النفسية ، تعيش الحالة التي جرتهم إلى أن يخرجوا ليواجهوا الحسين، فَلُمْ أنت نفسك, ولمُهم أنت على تفريطهم يوم كانوا يسمعون علياً، واحذر أنت أن تكون ممن يفرط وهو يتكرر عليك هدي علي، وهدي القرآن الكريم الذي هو فوق كل هدي.
أوليس القرآن حياً بين أظهرنا؟ أولسنا نقرؤه؟. أولسنا نحاول أن نعرض الأحداث على القرآن الكريم ؟ لنستلهم من خلال القرآن ما هو الموقف المطلوب منا؟، بل لنحصل من خلال