في رحاب الأخلاق والتربیة الروحیة
1 ـ سُئل عن خير الدنيا والآخرة فكتب (عليه السلام): «بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فإنه من طلب رضي اللّه بسخط الناس كفاه اللّه اُمور الناس، ومن طلب رضي الناس بسخط اللّه وكله اللّه إلي الناس . والسلام»30.
2 ـ بيّن (عليه السلام) أقسام العبادة ودرجات العُبّاد قائلاً: «إنّ قوما عبدوا اللّه رغبةً فتلك عبادة التجّار ، وإنّ قوما عبدوا اللّه رهبةً فتلك عبادةُ العبيد، وإنّ قوما عبدوا اللّهَ شُكرا فتلك عبادةُ الأحرار، وهي أفضل العبادة»31.
3 ـ قال (عليه السلام) عن آثار العبادة الحقيقية: «من عَبَدَ اللّه حقَّ عبادته آتاه اللّه فوق أمانيه وكفايتهِ»32.
4 ـ سُئل عن معني الأدب فقال: «هو أن تخرج من بيتك فلا تَلقي أحدا إلاّ رأيت له الفضلَ عليك»33.
5 ـ قال الإمام الحسين (عليه السلام) : «مالُكَ إن يكن لك كنتَ له فلا تُبقِ عليه؛ فإنّه لا يُبقي عليك، وكلْهُ قبل أن يأكلك»34.
في رحاب مواعضه الجلیلة
1 ـ كتب إليه رجل : عِظني بحرفين فكتب إليه: «مَن حاوَل أمرا بمعصية اللّه تعالي كانَ أفْوَتَ لما يَرجو وأسْرَعَ لمجئما يحذَرُ»35.
2 ـ وجاءه رجل فقال له: أنا رجلٌ عاصٍ ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال (عليه السلام) : «إفعل خمسةَ أشياءَ واذنب ما شئتَ، فأوّل ذلك: لا تأكل رزقَ اللّهِ واذنب ما شئِتَ، والثاني : اخرج من ولاية اللّه واذنِب ما شئت. والثالث: اطلُبْ موضِعا لا يراكَ اللّهُ واذنب ما شِئتَ. والرابع: إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبِضَ روحَكَ فادفَعْهُ عن نفسِكَ واذنب ما شئتَ، والخامِسُ: اذا أدخَلَكَ مالكُ النارِ فلا تدخُلْ في النارِ واذنِب ما شئتَ»36.
3 ـ ومما جاء عنه (عليه السلام) في الموعظة : «ياابن آدمَ! تفكَّرْ وقل: أينَ ملوكُ الدنيا وأربابُها؟ الذين عَمّروا واحتفَروا أنهارها وغَرَسوا أشجارها ومدّنوا مدائِنَها، فارقوها وهم كارهون وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عمّا قليلٍ لاحقونَ. ياابن آدم! اُذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعَك وموقفَك بين يَدَي اللّهِ تشهَدُ جوارحُكَ عليكَ يوم تَزِلُّ فيه الأقدامُ وتبلغُ القلوبُ الحناجِرَ وتبيضّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوهٌ وتبدو السرائرُ، ويوضَعُ الميزانُ القِسط. ياابن آدمَ! اذكُر مصارعَ آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيثُ حَلّوا وكأنّك عن قليلٍ قد حَلَلْتَ مَحَلَّهُم وصِرتَ عِبرَةً للمعتَبِر»37.
في رحاب الفقه والأحکام الشرعیة
لقد أثبت أهل البيت المعصومون جدارتهم للمرجعية الدينية بعد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) في المجالَين العلمي والسياسيّ معاً.
وقد عمل خطّ الخلافة بشكل مدروس علي حذف هذا الخطّ النبوي وعزله عن الساحة السياسية والاجتماعية، وخطّط أهل البيت (عليهم السلام) لمواجهة هذه المؤامرة، كما عرفت.
غير أنّ البُعْد العلمي قد برز وطغي علي البعد السياسي حتي اتُّهِمَ أهل البيت (عليهم السلام) باعتزالهم الساحة السياسية بعد الحسين (عليه السلام) ولكن العجز العلمي للخطّ الحاكم بالرغم من كل ما اُوتي من إمكانات ماديّة وبشرية هو الذي قد بانَ علی مدي التاريخ، وتميّزت مرجعيّة الأئمة الأطهار علی من سواها من المرجعيات السائدة آنذاك. وكانت حاجة الاُمة الإسلامية إلي تفاصيل الأحكام الشرعية نظراً للمستجدات المستمرّة هي السبب الآخر في ظهور علم أهل البيت (عليهم السلام) وفضلهم وكمالهم.
وما سجّلته كتب التاريخ من حقائق لا تخفي علي اللبيب مثل حقيقة عدم عجزهم أمام الأسئلة المثارة، وعدم اكتسابهم العلم من أحد من أهل الفضل سوي الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) لدليل واضح علي تميّزهم عمّن سواهم.
وهنا نختار نماذج مما يرتبط بالفقه بمعناه المصطلح بمقدار ما يسمح به المجال.
1 ـ ممّا يرتبط بباب الصلاة، ذكر الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) جواز الصلاة بثوبٍ واحدٍ مستشهدا بأنه قد حدّثه من رأي الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وهو يصلّي في ثوبٍ واحدٍ وحدّثه أنه رأي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) يُصلّي في ثوبٍ واحدٍ38.
2 ـ وجاء أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يجهرون «ببسم اللّه الرحمن الرحيم» فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أوّل فاتحة الكتاب وأوّل السورة في كل ركعة. وجاء عن الحسين (عليه السلام) قوله: «اجتمعنا ولد فاطمة (عليها السلام) علي ذلك»39.
3 ـ وكان الحسين بن عليّ (عليهما السلام) يصلي فمرّ بين يديه رجل، فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له : «لِمَ نَهَيْتَ الرَجُلَ؟ فقال: ياابن رسول اللّه! خطر فيما بينك وبين المحراب، فقال (عليه السلام): ويحك إنّ اللّه عزّوجلّ أقربُ إليَّ من أن يخطرَ فيما بيني وبين [وبينَهُ] أحد»40.
وقد أحصي مؤلّف موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام) ما يقارب من مائتين وخمسين رواية في الأحكام الشرعية وردت عن الإمام الحسين (عليه السلام) في مختلف أبواب الفقه الإسلامي.
علی أنّ سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) مثل سيرة سائر الأئمّة الأطهار تعتبر مصدرا من مصادر استلهام الأحكام الشرعية لتنظيم السلوك الفردي والاجتماعي للإنسان المسلم وللمجتمع الإسلامي.
في رحاب أدعیة الامام الحسین (ع)
لقد تميّز تراث أهل البيت (عليهم السلام) بظاهرة الدعاء تميّزا فريدا في جانبي الكمّ والكيف معا.
فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الإنسان في الحياة كما قال تعالي : ( قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ )41 هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عمّن سواهم، وعلي ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.
والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحجّ وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.
وتفرّدت أدعية أهل البيت (عليهم السلام) في المحتوي والمقاصد والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم؛ فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم فأين الثري وأين الثريّا؟
وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين (عليه السلام) علي سر هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.
1 ـ قال (عليه السلام) : «أعجز الناس مَن عجز عن الدعاء، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام»42.
2 ـ وجاء عنه أنه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وهو : «اللهم إنك تَري ولا تُري وأنت بالمنظر الأعلي وانّ إليك الرجعي وإنّ لك الآخرة والاُولي ، اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزي»43.
3 ـ من الأدعية القصيرة المأث