في رحاب العقل و العلم والمعرفة
ـ سُئل الإمام الحسين (عليه السلام) عن أشرف الناس، فقال: «من اتّعظ قبل أن يوعَظ واستيقظ قبل أن يوقظ»1.
2 ـ وقال (عليه السلام): «لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحق»2.
3 ـ «العاقل لا يحدِّث مَن يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل مَن يخاف منعَه ولا يثِقُ بِمَن يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَن لا يوثقُ برجائه»3 .
4 ـ «العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشرف التقوي، والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومن أحبَّكَ نهاكَ ومن أبغضك أغراك»4.
5 ـ «من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ وعلمه بحقائق فنونِ النظر»5.
6 ـ «لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لَأوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَن يكثرُ صَوابُه»6.
7 ـ وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسين (عليه السلام) مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها وقيمة كل سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة الي المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا:
قال (عليه السلام) :
أ ـ «إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟ ...» .
ب ـ «إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كل شيء حتي لا أجهلك في شيء ...» .
ج ـ «إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فَاجمعني عليك بحذمةٍ توصلني إليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكونَ هو المظهِرَ لك ؟! متي غبتَ حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك ؟!. ومتي بَعُدْتَ حتّي تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً».
في رحاب القرآن الکریم
لقد اعتني أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناءاً وافرا فعكفوا علي تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد اُثرت عن الإمام أبيعبداللّه الحسين (عليه السلام) كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها:
أ ـ قال (عليه السلام) : «كتاب اللّه عزّوجل علي أربعة أشياء: علي العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء»7.
ب ـ «من قرأ آيةً من كتاب اللّه في صلاته قائما يُكتَب له بكل حرفٍ مِئةُ حَسَنَةٍ، فإن قَرَأها في غير صلاةٍ كتب اللّهُ له بكل حرفٍ عَشْرا، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرفٍ حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتي يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهارا صلّت عليه الحفَظَةُ حتي يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيرا له ممّا بين السماءِ والأرضِ»8.
ج ـ وعنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالي : (تُبَدُّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) يعني بها «أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة»9.
د ـ وسأله رجل عن معني (كهيعص) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيت علي الماء10.
ه ـ وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبداللّه حَدِّثني عن قول اللّه عزَّوجَلَّ (هذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ )، قال: «نحن وبنو اُمية اختصمنا في اللّه عزّوجلّ، قلنا صدق اللّه، وقالوا: كذب اللّهُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة»11.
و ـ وفي قوله تعالي: (الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ) قال (عليه السلام): «هذه فينا أهل البيت»12.
في رحاب السنة النبویة الشریفة
لقد عاصر الحسين جدّه رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وعاش في كنف الوحي والرسالة وارتضع من ثدي الإيمان، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كاُمّه وأبيه وأخيه، وعلم أنّ سنة الرسول وسيرته هي المصدر الثاني للإشعاع الرسالي، وأيقن بضرورة الاهتمام بهما وضرورة الوقوف أمام مؤامرات التحريف والتضييع، ومنع التدوين التي تزعّمها جملة من كبار الصحابة وكيف واجهوا جدّه بكل صلف، حذرا من انكشاف الحقائق التي تحول دون وصولهم للسلطة أو تعكّر عليهم صفوها.
ومن هنا نجد الحسين (عليه السلام) يقف بكل شجاعة أمام هذا التآمر علی الدين، ويضحّي بأغلی ما لديه من أجل إحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، محقّقا شهادة جدّه الخالدة في حقّه : «حسين منّي وأنا من حسين»، «ألا وإن الحسين مصباح الهدی وسفينة النجاة».
وهكذا نجد في تراثه الرائع اعتناءه البليغ بنقل السيرة النبوية الشريفة، والتحديث بسنّته والعمل بها وإحيائها، ولو بلغ مستوي الثورة علي من يتسلّح بها لمسخها وتشويهها.
قال صلوات اللّه عليه :
1 ـ «كان رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أحسن ما خلق اللّهُ خلْقا»13.
2 ـ وروي الحسين (عليه السلام) ـ كأخيه الحسن ـ وصفا دقيقا للرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) وهديه في سيرته مع نفسه وأهل بيته وأصحابه ومجلسه وجلسائه، أخذاه من أبيهما علي (عليه السلام) وهو الذي ربّاه الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) منذ نعومة أظفاره حتي التحاقه بالرفيق الأعلي. ونشير إلي مقطع من هذه السيرة. قال الحسين (عليه السلام) فسألته عن سكوت رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، فقال:
«كان سكوته علي أربع : علي الحلم والحذر والتقدير والتفكّر. فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقي أو يفني. وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجُمع له الحذر في أربع: أخذه بالحَسَن ليُقتدي به، وتركه القبيح ليُنتهي عنه، واجتهاده الرأي في صلاح اُمّته، والقيام في ما جُمع له من خير الدنيا والآخرة»14.
3 ـ وروي أيضا أنّ رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) أصبح وهو مهموم، فقيل له: ما لَكَ يا رسول اللّه؟ فقال: «إني رأيت في المنام كأنّ بني اُميّة يتعاورون منبري هذا». فقيل: يا رسول اللّه! لا تهتم فإنها دُنياً تنالهُمُ، فأنزل اللّه: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ...)15.
4 ـ وروي أيضا أنّ النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم) كان إذا أكل طعاما يقول: «اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيرا منه»، وإذا أكل لَبَنا أو شَرِبَه يقول: «اللهم بارك لنا فيه وارزقنا منه»16.
وكان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا يفصل بينهما كما يَستَطْعِمُ المسكينُ17.