قصّة المباهلة
یوم المباهلة هو یوم الرّابع و العشرین من شهر ذي الحجة الحرام، (ومعناها: الملاعنة)، حیث باهل فیه رسول الله (ص) نصاری نجران؛ لکي یتبیّن الحقّ من الباطل في قصّة معروفةٍ کما رواها الطبرسي (ره) في تفسیره مجمع البیان بالشّکل التالي:
إنّ وفد نصاری نجران، وهما: السیّد والعاقب ومن معها، قالوا لرسول الله (ص): هل رأیت ولداً من غیر ذکر؟
فنزل قوله تعالی: « إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿۵۹﴾
الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ ﴿۶۰﴾
فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴿۶۱﴾
فلمّا دعاهم رسول الله (ص) إلی المباهلة استنظروه إلی صبیحة غد من یومهم ذلک، فلمّا رجعوا إلی رحالهم قال لهم الأسقف: انظروا محمداً في غدٍ، فإنّ غدا بولده وأهله فاحذروه مباهلته، وإن غدا بأصحابه فباهلوه، فإنّه علی غیر شيء، فلمّا کان من الغد جاء النبي (ص) آخذا بید علي بن أبي طالب سلام الله علیه، والحسن والحسین سلام الله علیهما بین یدیه یمشیان، وفاطمة سلام الله علیها تمشي خلفه، وخرج النصاری یقدمهم أسقفهم، فلما رأی النبيّ قد أقبل بمن معه سأله عنهم، فقیل له: هذا ابن عمّه وزوج ابنته و أحبّ الخلق إلیه، وهذان ابنا بنته من عليّ، وهذه الجاریة بنته فاطمة أعز الناس علیه وأقربهم إلیه، و تقدّم رسول الله فجثا علی رکبتیه، فقال أبو حارثة الأسقف: جثا والله کما جثا الأنبیاء للمباهلة، فرجع ولم یقدم علی المباهلة، فقال له السید: ادنُ یا حارثة للمباهلة، قال: لا إنّي لأری رجلاً جریئاً علی المباهلة، و أنا أخاف أن یکون صادقاً، ولئن کان صادقاً لم یحل علینا الحول والله وفي الدنیا نصراني یطعم الماء، فقال الأسقف: یا أبا القاسم، إنّا لا نباهلک، ولکن نصالحک، فصالحنا علی ما ننهض به، فصالحهم رسول الله (ص) علی ألفي حلّة من حلل الأواقي قیمة کلّ حلة أربعون درهماً، فلما زاد أو نقص فعلی حساب ذلک، و علی عاریة ثلاثین درعاً و ثلاثین رمحاً، وثلاثین فرساً إن کان بالیمین کید، ورسول الله (ص) ضامن حتّی یؤدّیها، وکتب لهم بذلک کتابا. وروي أنّ الأسقف قال لهم: إنّي لأری وجوهاً لا سألوا الله أن یزیل جبلاً من مکانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلکوا ولایبقی علی وجه الأرض نصرانيّ إلی یوم القیامة، و قال النبي ُ (ص): والذي نفسي بیده لو لاعنوني لمسخوا قردة و خنازیر، و لاضطرم الوادي علیهم ناراً، ولما حال الحول علی النصاری حتّی هلکوا کلهم، قالوا: فلمّا رجع وفد نجران لم یلبث السیّد والعاقب إلّا یسیراً حتّی رجعا إلی النبي (ص) وأهدی العاقب له حلّة وعصا وقدحاً ونعلین و أسلما.
في معنی أبناءنا و أبناءکم
فردّ الله سبحانه علی النصاری قولهم في المسیح: إنه ابن الله فقال: (إنّ مثل عیسی عند الله)، أي: في خلق الله إیّاه من غیر أب (کمثل ءادم) في خلق الله إیاه من غیر أبٍ و لا أمّ، فلیس هو بأبدع و لا أعجب من ذلک، فکیف أنکروا ذا، وأقرّوا بذلک؟! (خلقه من تراب ثم قال له)، أي: لآدم کما قیل لعیسی: (کُن فیکون) أي: فکان في الحال کما أراد. (الحقّ)، أي: هذا هو الحق(من ربّک): أضافه إلی نفسه تأکیدا و تعلیلاً، (فلا تکن) أیها السّامع (من الممترین) الشاکّین. (فمن حاجّک)، أي: جادلک وخاصمک(فیه) أي: في عیسی (من بعد ما جاءک من العلم) أي: من البرهان الواضح علی أنّه عبدي ورسولي، وقیل: معناه فمن حاجّک في الحقّ (فقل) یا محمد لهؤلاء النّصاری: (تعالوا) أي: هلمّوا إلی حجّة أخری فاصلة بین الصادق و الکاذب: (ندع أبناءنا و أبناءکم). أجمع المفسرون علی أنّ المراد بـ (أبناءنا) الحسن والحسین سلام الله علیها، قال أبو بکر الرازيّ هذا یدلّ علی أنّ الحسن والحسین ابنا رسول الله (ص)...، وقال ابن أبي علان وهو أحد أئمة المعتزلة: هذا یدلّ علی أنهما سلام الله علیهما کانا مکلّفین في تلک الحال؛ لأنّ المباهلة لا یجوز إلّا مع البالغین، وقال: إنّ صغر السنّ ونقصانها عن حدّ بلوغ الحلم لا ینافي کمال العقل، وإنّما جعل بلوغ الحلم حدّاً لتعلّق الأحکام الشرعیة، وکان سنّهما سلام الله علیهما في تلک الحال سنّاً لا یمتنع معها أن یکونا کاملي العقل، علی أنّ عندنا یجوز أن یخرق الله العادات للأئمة ویخصّهم بما لا یشرکهم فیه غیرهم، فلو صحّ أنّ کمال العقل غیر معتاد في تلک السنّ لجاز ذلک فیهم إبانة لهم عمّن سواهم، ودلالة علی مکانهم من الله و اختصاصهم به. ومما یؤیّده من الأخبار قوله النبي صلّی الله علیه و آله: «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا».
نساءنا و نساءکم
(ونساءنا) اتّفقوا علی أنّ المراد به فاطمة سلام الله علیها؛ لأنّه لم یحضر المباهلة غیرها من النساء، وهذا یدلّ علی تفضیل الزهراء سلام الله علیها علی جمیع النساء، ویعضده ما جاء في الخبر أنّ النبي (ص) قال :« فاطمة بضعة منّي یریبني مارابها» وقال:« إن الله یغضب لغضب فاطمة، ویرضی لرضاها».
وقد صحّ عن حذیفة أنه قال:« سمعت النبيَّ (ص) یقول: أتاني ملکٌ فبشّرني أن فاطمة سیّدة نساء أهل الجنة ونساء أمّتي».
وعن الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة قالت: «أسرّ النبيُّّ(ص) إلی فاطمة شیئاً فضحکت، فسألتها قالت: قال لي: ألا ترضین أن تکوني سیّدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنین، فضحکت لذلک».
و(نسآءکم) أي: من شئتم من نسائکم.
أنفسنا و أنفسکم
(وأنفسنا) یعني: علیّاً سلام الله علیه خاصّة، ولا یجوز أن یکون المعني ّ به النبيّ (ص)؛ لأنه هو الدّاعي، ولا یجوز أن یدعو الإنسان نفسه، و إنّما یصحّ أن یدعو غیره، وإذا کان قوله ( و أنفسنا) لابدّ أن یکون الإشارة إلی غیر الرسول وجب أن یکون إشارة إلی عليّ سلام الله علیه؛ لأنّه لا أحد یدّعي دخول غیر أمیر المؤمنین وزوجته وولدیه سلام الله علیهم في المباهلة، وهذا یدل علی غایة الفضل و علوّ الدرجة، والبلوغ منه إلی حیث لا یبلغه أحد؛ إذ جعله الله سبحانه نفس الرّسول، وهذا ما لا یدانیه فیه أحدٌ ولایقاربه. وممّا یعضده في الرّوایات ما صحّ عن النبيّ (ص) أنّه سئل عن بعض أصحابه، فقال له قائلٌ: فعليٌّ؟ فقال: « إنّما سألتني عن النّاس، ولم تسألني عن نفسي.
وقوله لبریدة: « لا تبغض علیّاً فإنه منّي و أنا منه، وإنّ النّاس خلقوا من شجر شتّی وخلقت أنا و عليّ من شجرة واحدة».
وقوله (ص) بأحد وقد ظهر من نکایته في المشرکین ووقایته إیّاه بنفسه حتّی قال جبرئیل:« یا محمد إنّ هذه لهي المواساة، فقال: یا جبرئیل إنّه لمنّي وأنا منه، فقال جبرئیل: وأنا منکما».
(وأنفسکم): یعني: من شئتم من رجالکم.
(ثمّ نبتهل) أي: نتضرّع في الدعاء، عن ابن عباس، وقیل: نلتعن، فنقول: لعن الله الکاذب. (فنجعل لّعنت الله علی الکاذبین) منّا.
وفي هذه الآیة دلالة علی أنّهم علموا أنّ الحقّ مع النّبي(ص)، لأنّهم امتنعوا من المباهلة، وأقرّوا بالذّل والخزي، وانقادوا لقبول الجزیة، فلو لم یعلموا ذلک لباهلوه، وکان یظهر ما زعموا من بطلان قوله في الحال، لولم یکن النبيّ (ص) متیقّناً بنزول العقوبة بعدوّه دونه لو باهلوه لمّا أدخل أولاده وخواصّ أهله في ذلک مع شدّة إشفاقه علیهم.
وفي هذا الیوم تصدّق الإمام أمیر المؤمنین سلام الله علیه بخاتمه حال الرکوع في الصلاة علی المسکین فنزل في حقّه قوله تعالی: « إنّما ولیّکم الله ورسوله والذین ءامنوا الذین یقیمون الصلوة ویؤتون الزکوة وهم راکعون» [المائدة:55].
أعمال و مستحبات یوم المباهلة
وقد وردت لهذا الیوم العظیم