ابنا : لسنا هنا في إستعراض مذهبي لأحقية "علي "بالخلافة وإنما نحاول في مقالتنا هذه أن نستعرض "الأحقية"من خلال منظور إنساني تاريخي وفكري يستوجب التأني والموضوعية قبل أن يستوجب إبراز سمة الصراع "العقائدي"و"المذهبي بين "السنة"و"الشيعة".نحن نعلم وبدون أدنى شك أنه لايمكن لاي مجتمع متحضر أو بدوي أن يكون متوازنا ومنظما في حياته السياسية والإقتصادية دون أن يرتكز او يستند إلى زعيم او قائد او رئيس يحرك عجلة المجتمع ويحكم بارادته جميع الأفراد على أداء وظائفهم السياسية والإدارية مع الأخذ بنظر الإعتبار إمكانية عدم إقصائهم وتهميشهم عن إستلام وممارسة جميع حقوقهم الدينية والدنيوية كما يفعل بعض الرؤساء والزعماء في وقتنا الحاضر.كما إننا نعرف جيدا أن الدين الإسلامي يهتم كثيرا بالحياة الإجتماعية بقدر كافي بإعتبار إن الكتاب المقدس والنبي قد أوليا إهتماما خاصا ودقيقا بتلك الحياة بهدف تنظيم الفرد والمجتمع وكل حسب وآجباته وإستحقاقاته المعيشية والفكرية ,وهذا ما لمسناه من قراءة تاريخية لحياة النبي العربي الذي حاول جاهدا أن يجعل في كل مصر او مدينة حاكما -خليفة- يتحمل أعباء المسلمين وينظم أمورهم المعيشية والعقائدية.كما أهتم النبي غالبا بتعيين زعماء وقادة الحرب بأسمائهم وأسماء عشائرهم حتى على مستوى السرايا الصغيرة التي كان يبعثها بين حين وآخر في مهام عديدة ومختلفة ,حتى أنه كان يعين أكثر من قائد في بعض تجهيزاته الحربية كما حصل في معركة مؤتة إذ وصل الأمر بالنبي إلى تسميته لأربعة قواد كرؤساء للمسلمين وبشكل تراتبي دقيق بحيث إذا ما سقط القائد الأول شهيدا إستلم دفة القيادة القائد الثاني وإذا ماسقط الثاني إستلم الدفة القائد الثالث...وقد أهتم النبي كثيرا بمسألة الخلافة ولم يترك موضعا او مناسبة إلا وقد تطرق إلى موضوعية تلك المسألة ومنهجيتها لما لها من أثر كبير ومهم في حياة المسلمين,حتى إنه عين "علي"خليفة له في المدينة أثناء رحيله من مكة إلى المدينة قائلا "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي",كما إنه أوصى "علي"بتصريف أموره الشخصية ورد ديونه إلى الناس بعد موته.ومن البديهي والمنطق إن النبي الذي تنبأ بفتن وإضطرابات وصراعات قبلية وعصبية ستفتك بالجسد الإسلاميبعد رحيله إلى الرفيق الأعلى من قبل الطامعين في الداخل والخارج كان يحاول تكرارا ومرارا أن يشيد أيدلوجية مناسبة ودقيقة تحتم وجود خليفة او قائد يتولى إدارة الشئون الإسلامية.حتى لو فرضنا إن النبي قد أوكل مهمة تعيين الخليفة إلى جمهور المسلمين وهي فرضية عابثة فإننا لاننكر ضرورة أن يبدي النبي رأيه في مسألة التعيين تلك بإعتبارها مسألة مهمة وخطيرة تؤثر كثيرا في مستقبل الأمة وتحدد إتجاهاتها ومناهجها الفكرية والتأريخية خاصة وإنه تعمد الإهتمام وبشكل واضح بأصغر الأمور والقضايا المتعلقة بمسائل الشرب والأكل والنوم والعلاقات الأسرية .كما إن التاريخ يؤكد على أمر واقعي مهم إنتهجه الخليفة الأول عندما أمر بتعيين "عمر"خليفة له قبل موته مع التشديد على وجوب طاعته وخدمته ,وقد عمد"عمر"من جانبه إلى تعيين "ستة أشخاص"يقرون إختيار الخليفة من بعده بعد أن الزم الجميع بالميل إلى رأي أحدهم"عبد الرحمن بن عوف",كما إننا نجد أن "معاوية"وقد الزم الجميع باختيار ولده"يزيد"لخلافته بعد موته,مما يدل على إن الجميع "الخلفاء"لم يتركوا الدنيا قبل أن يحددوا إسم الشخص الذي يليهم في إستلام الدفة التي تتحكم بقيادة الأمة الإسلامية ,دون أن يفعل النبي ذلك ،وهذا بحد ذاته مخالف للعقل والمنطق ألبتة.أضف إلى ذلك إن النبي قد ترك لنا جميعا"سنة وشيعة"نصوص وأحاديث وشواهد جمة تؤكد على أنه إهتم كثيرا بتعيين شخص كفوء أبرزها "غدير خم"و"السفينة"و"الثقلين"و"المنزلة"التي إعترف بها "السنة"قبل "الشيعة"وهذا وحده يكون كافيا لإقناع العقول والضمائر بأن النبي لم يترك الأمة بدون"راع"يحمل صفات إستثنائية لايحملها الأخرين.ولنسمع"عمر".."علي يستحق الخلافة ولكن قريشا لم تكن قادرة على تحمل خلافته لإنه لو أصبح خليفة لأكره الناس على قبول الحقيقة كلها وسلوك الطريق المستقيم وما كانوا قادرين في ظل خلافته على إنتهاك حدود العدل وكانوا سيخوضون الحرب ضده فيما بعد لامحالة"وإذا لم تثبت رواية "عمر"عند البعض من المسلمين فلاشك أن النبي أراد كتابة وصية نهائية بخصوص الشخص الذي ينبغي أن يخلفه ولكنه لم يستطع ذلك بسبب إمتناع الحاضرين عن مساعدته في ذلك خاصة"عمر"الذي وصف النبي بالهجر مع محاولاته المتكررة في نشر الخلط والفوضى ومنع النبي من إتخاذ قرار نهائي بشأن الخلافة ,وممن يدعي من المسلمين أن النبي خلال مرضه كان ممكن أن يخطأ في مرضه ويتخذ قرارا خاطئا فإنه مرفوض تماما لإن النبي لايمكن أن يسهو او يخطأ وبإجماع جميع الملل والفرق الإسلامية.ولا ننسى السرية ألتي جهزها النبي بقيادة "أسامة بن زيد"وأمر الجميع من الصحابة والمسلمين بإستثناء "علي"بالإنضمام إلى تلك السرية بحيث إضطر إلى لعن كل من يتخلف عنها,والتأريخ يذكر لنا أن أشخاصا عدة قد تخلفوا عنها مخافة أن تتم البيعة لشخص من دونهم .لكن ما بالنا لانستمع إلى"الكتاب المقدس"؟؟يقول "أبو ذر الغفاري""كنا نصلي مع النبي فدخل فقير يطلب الصدقة من الناس فلم يعطه أحد وعندئذ رفع يديه إلى السماء وقال(يارب إشهد إني في مسجد نبيك ولم يتصدق علي أحد) في ذلك الوقت كان علي بن أبي طالب راكعا فمد إصبعه نحو الرجل لكي يأخذ خاتمه فأخذه وخرج وقد رأى النبي ما جرى فرفع رأسه الى السماء وقال (يارب أخي موسى قال لك ,رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وأجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي,وأنا أقول بالمثل يارب أنا أيضا نبيك إشرح لي صدري ويسر لي أمري وأجعل عليا أخي ووزيري ) فما إن إنتهى النبي من كلامه حتى نزلت الآية الكريمة ( إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. " ) وهناك آية أخرى واضحة وصريحة تؤكد أحقية "علي"بالخلافة "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم وأخشوني اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"إذ كان الكفار قبل ذلك اليوم لايزالون يأملون بأن يجيء يوم ما ينتهي فيه الإسلام ,فأتبعها الله تعالى بآية أخرى "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل ما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لايهدي القوم الكافرين"وهي تدل بشكل مطلق على أن الله تعالى أوكل مهمة خطيرة وأساسية للنبي تؤثر بشكل كبير على مستقبل الأمة الإسلامية ,فكان النبي ينتظر مناسبة عظيمة يبلغ بها أوامر الرب تعالى فكان"غدير خم".يقول "أبو سعيد الخدري""دعا النبي في غدير خم الناس المجتمعين للتوجه بانظارهم صوب "علي"ورفع يده حتى بدت عذرة أبطه البيضاء عليه الصلاة والسلام فنزلت الآية الكريمة"ياأيها الرسول",فقال النبي "الله أكبر لقد إكتمل الدين وتمت نعمة الله ورضوانه وحقت ولاية علي فمن كنت مولاه فعلي مولاه ,اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله".لقد كان أعداء الإسلام يتصورون بأنهم يملكون القدرة على إضعاف الإسلام وتفكيكه بعد موت النبي لأنه لم يوص لأحد بخلافته ,فلما كان "غدير خم"نكصوا وتقهقروا ,ثم تآمروا في أماكن ومناسبات عدة ,حتى خانوا الأمانة والعهد وسرقوا الخلافة من "علي".في كل حال فاننا بحاجة إلى إعادة دراسة التاريخ بوعي وحيادية مع الأخذ بنظر الإعتبار تلك المسائل التي تحاشاها أغلب المؤرخين الرسميين للحكومات المتعاقبة بحيث طمسوا وشوهوا الكثير من الحقائق التي تثبت أحقية "علي"بالخلافة مثلما تثبت إن النبي لا يمكن أن يترك الأمة بدون "خليفة"ينظم أمورها ويرعى مصالحها السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
.........
انتهى / 214