وفقاً لما أفادته وکالة أهلالبیت(ع) للأنباء ـ ابنا ـ أقام رجل الدین البارز البحریني «سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم» صلاة الجمعة بالأمس بجامع الإمام الصادق(ع) وأدان فیها العلماء الذین یلعبون دور "عملاء الحکومات الجائرة" و قال: «وهذا من أسوء ما يواجه الدين من مسخ وتشويه وزيف، وعمل مسقط لقيمة الدين، ملوث لنزاهته، وهو من أحدِ آدوات الفتك به وأشدها فاعلية وأثراً قاتلاً له».
کما أشار هذا العضو البحریني للمجمع العالمي لأهل البیت(ع) إلى كلمة الإمام الحسين(ع) ـ هيهات منا الذلة ـ وقال: «هذه اللغة سلاحها الإيمان بقيمة الإنسان وكرامته، وأن الله عز وجل يأبى للمؤمن أن يذل نفسه، وأن يطأطئ لإرادة العبيد المخالفة لإرادة ربه، وأن يسلم للعبودية لغير خالقه، وسلاحها الصبر على مواجهة الموت، وبذل الروح في سبيل الله وما أذن الله عز وجل أن يبذل الدم من أجله».
و فیما یلي نص الخطبة الثانیة للشیخ قاسم، للیوم الجمعة 15 ذوالقعدة 1432هـ ـ 14 أكتوبر سبتمبر 2011م. في جامع الإمام الصادق(ع) بالدراز قرب العاصمة "منامة" بالبحرین:
أظلم الظالمين للدين:
من انتسب إلى دين أو مذهب أساء إليه بإساءته للناس، وشوهه بممارسته للظلم أو مساندته له، وإذا جاءت الإساءة أو الظلم أو المساندة له من عالم دين عظمة بذلك الإساءة إلى الدين، أما أن يحدث ذلك من عالم دين وباسم الدين أو المذهب فهو من اظلم الظلم للدين والمذهب.
وليس هناك ما هو أشد عداوة على دين أو مذهب من عالم يسيء لخلق الله أو يمارس ظلماً في حقهم، أو يعين على الظلم والجور والفساد بما يفهم منه أن هذا بإذنهما لما يلتمس لذلك من مبررات ينسبها للدين والمذهب النذين ينتسب لهما، أو يرى الناس فيه أنه يمثلهما في قوله وسلوكه[1].
وما أكثر العلماء اليوم ممن يصدرون فتاوى تحرم المظاهرات والمسيرات والإعتصامات ومختلف أنواع الإحتجاج السلمي ضد السياسات الظالمة والتي تطالب بالحقوق و الإصلاح في صالح الإسلام والمسلمين. ولا يخلوا بلد من بلاد المسلمين اليوم من علماء تعتمدهم الحكومات الجائرة لمحاربة الشعوب بفتاوى التحريم والتكفير لمن يعلنون الإنكار على السياسات الظالمة ويطالبون جهراً بالإصلاح بطرق الإحتجاج السلمي.
وهذا من أسوء ما يواجه الدين من مسخ وتشويه وزيف، وعمل مسقط لقيمة الدين، ملوث لنزاهته، وهو من أحدِ آدوات الفتك به وأشدها فاعلية وأثراً قاتلاً له.
لغتان تتصارعان:
لغة حكومات لشعوبها أن تموت هذه الشعوب أو تنحني، أن تموت جسداً أو تموت فكراً وإرادةً وانسانية وتتنازل عن حريتها، أن تقبل الهوان والذل والفقر والجهل والمرض وتخسر دينها . . وذراع هذه اللغة ما بنته ثروات الأوطان التي هي ملك الشعوب من قوة عساكر، ومؤسسات استخباراتية، وسجون، وقوى تسلحية، وصحافة موالية، وقنوات اعلامية تحت التصرف، وامكانات هائلة، ومرتزقة وكل ما يستعان به لقهر الآخر واذلاله.
أما اللغة الأخرى، فهي لغة شعوب افاقة من غفوة طالت، ونفضت عنها غبار المسكنة، وتخلصت من عقدة الخوف، وكسرت طوق رعبها، ولسان هذه اللغة يعلو مجلجلاً الموت لا الإنحناء، الحرية وإلا فالمنية، الموت أولى من الذل والعار.
وأخذت كلمة الامام الحسين (عليه السلام) التي انطلقت من روحه الأبية، وقطعت مسافة القرون المتوالية لتملئ الساحة الثورية العربية والإسلامية الواسعة الملتهبة كلها، وتنطلق مدوية على ألسن الملايين ـ نصا أو معنى ـ لتملئ مسمع الدنيا كلها بشعار هيهات منا الذلة[2]، كلمة قالها الإسلام من أول يوم، وبقية على لسان الرسول (صل الله عليه وآله وسلم) وفي سلوكه، وعلى لسان كل إمام بمعناها وبمؤداها، وهي باقية على لسان المسلم الحق إلى الأبد[3].
هذه اللغة سلاحها الإيمان بقيمة الإنسان وكرامته، وأن الله عز وجل يأبى للمؤمن أن يذل نفسه، وأن يطأطئ لإرادة العبيد المخالفة لإرادة ربه، وأن يسلم للعبودية لغير خالقه، وسلاحها الصبر على مواجهة الموت، وبذل الروح في سبيل الله وما أذن الله عز وجل أن يبذل الدم من اجله.
ولغة الشعوب هذه أخذت تتحول إلى لغة عامة ومفهومة ومستذوقة بل معشوقة في العالم العربي والإسلامي، وأخذت في التعمق والتجذر يوماً بعد يوم في ظل ظاهرة الإستشهاد المتتابع، وبحور شهداء هذه اللغة في الأرض العربية. هذه اللغة بدأت تفرض نفسها على الأجيال الجديدة بقوة بعيداً عن العدوانية، وإنما هو عشق الحرية والكرامة، ورفض العبودية إلا لله سبحانه الذي لا يستكثر عليه أي ثمنٍ في سبيل رضاه، وما قيمة الموت من ثمنٍ في سبيل الله؟[4].
وما تجلى عنه الصراع بين اللغتين لحد الان، هو انتصار لغة الدم على السيف، والحق على البطش، والحرية على رغبة الاستعباد، والشعوب المطالبة بالإصلاح على الحكومات المضطهدة للشعوب وذلك في أكثر من تجربة[5].
ولولا الروح الإستبدادية والطاغوتية عند الحكومات، ولولا عملها على قمع الشعوب وإذلالها، والاستئثار بثروات الاوطان ونهبها والتلاعب بها، ومعاداتها لوعي الأمة ونهضتها لإجتمعت القوة التي تضع هذه الحكومات يدها المتسلطة عليها ووعي الشعوب وصلابة إرادتها واعتزازها بحريتها لحماية الأمة واسترداد كرامتها، وموقفها الريادي بين الأمم، وفرض إرادة الخير في الأرض، والعمل على تعزيز مبدأ الأخوة الإنسانية في كل العالم، مكان كل التناقضات التي تهز الأمن العالمي هزا، وتسبب انتشار الرعب في كل المجتمعات[6].
الوضع المقلق للمجاهد مشيمع:
الوضع للأستاذ المجاهد مشيمع مقلق من الناحية الصحية كما آتت بذلك الأخبار، والأستاذ عزيزٌ على هذا الشعب الذي يشكر له جهاده ودفاعه عن حقوقه وعزته وكرامته[7}.
والأستاذ وكل السجناء الأعزاء الذين تحت يد الحكومة تتحمل الحكومة مسئوليتهم، وهي المتهم الوحيد لو اصيب أيٌ منهم بضررٍ أو مكروهٍ ـ لا سمح الله ـ قد يسببه ايقاع الآذى بهم أو الإهمال الغذائي أو المنع عن العلاج أو الدواء الذي تتوقف عليه الصحة أو الحياة، وهذه المسئولية ثابتة ما ثبت الآذى أو الإهمال والمنع، وثابتة كذلك في حين يكتنف الموضوع الغموض، ولا ترتفع هذه المسئولية إلا بقيام دليلٍ قطعي على انتفاء كل هذه الأسباب ما أتخذ منها صفة اجابية أو سلبية[8].
والوضع الصحي للأستاذ بالخصوص محتاجٌ إلى عناية صحية دائمة ومتابعة ومراقبة، ويضر به الإهمال ضرراً بالغا، فحرمانه من هذه المتابعة والرعاية يعني تسبباً واضحاً لأي مضاعفاتٍ في مرضه، ويحمل الحكومة المحتجزة له والمصادرة لحريته المسئولية المباشرة عما قد يتعرض له من مكروهٍ حماه الله وجميع سجنائنا المظلومين من كل سوء[9].
وفي ضوء التدهور الصحي للأستاذ المجاهد، يكفي بقاءه في السجن ولو ليوم واحد لتحمل الحكومة كامل المسئولية بشأن مصيره، والله الواقي وهو خير معين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] حين يرى الناس أن فلاناً يمثل الدين أو المذهب في قوله وسلوكه، فيأتي منه ما فيه ظلم للعباد أو اعانة على الظلم، ماذا يفهمون؟ يفهمون أن هذا بإذن الدين أو المذهب، وأن هذا الدين والمذهب يبرران له ما يرتكبه من ظلم.