ابنا : فجأة، سمعنا ضجة تصم الآذان. وفي غضون ثوان، انفلق باب الشقة واقتحم الغرفة رجال ضخام الجثة مقنعون. لا أستطيع وصف ما شعرت به تلك اللحظة، لأنه ليست هناك كلمة في القاموس، أو في أي لغة، يمكن أن تترجم ذلك. كان زوجي دائماً يقول: “عندما يأتون ليأخذوني، أرجوكم لا تتدخلوا، وسأذهب معهم وينتهي الأمر”. ولكنهم لم يسمحوا له بالمضي معهم بسلام. أمسك أحدهم بخناقه ومن ثم جروه أسفل الدرج من ساقيه. ضربوه بوحشية – لكماً وركلاً، أمامي وأمام بناته. وعندما تدخلت ابنتي الكبرى، ردوا عليها بالإهانات وحاولوا القبض عليها أيضاً. كنت أتمزق بين التوسل إليهم بأن لا يأخذوها، وبين النظر إلى زوجي وهم يجرونه على الدرج ويواصلون ركله، والصلاة بأن لا يحدث له مكروه. وكأن ذلك لم يكن كافياً، لاحظت فجأة أن ثلاثة رجال مقنعين كانوا يمسكون بخناق أصهاري الثلاثة ويشحطونهم أسفل الدرج. في تلك اللحظة شعرت بحنق شديد وبالحزن وبقلة الحيلة. ذهبوا بزوجي، ولكنني لم أستطع إظهار مدى حزني لأن بناتي كن يعانين مما شاهدنه عقب القبض على أزواجهن ووالدهن. ومنذ تلك الليلة، تغير أسلوب حياتنا. صرنا نظل يقطين طوال الليل، خشية أن يقرر المقنعون العودة ثانية، وصرنا ننام عقب شروق الشمس. وكنا ننام بكامل ملابسنا، احتياطاً. وكان كل صوت يجعلني أقفز من مكاني وأجول في الشقة لأتأكد أن كل شيء على ما يرام. مرت الأيام وكنا ننتظر الأخبار – أية أخبار. طلبنا من محام أن يحاول الحصول على أية معلومات حول أوضاعهم أو مكان وجودهم. أخبرنا أنه لن يكون من المجدي محاولة ذلك لأنهم لا يخبرون المحامين أي شيء عن المعتقلين. كنت أصلي لله، “يا رب احفظ حياتهم!” – لأنني وعقب ما رأيت من وحشية في ضرب عبد الهادي، لم أكن على يقين بأنه قد نجا. وقررت ابنتي أن تعلن إضراباً عن الطعام. وراحت تضعف وتذبل يوماً إثر يوم. عقب أسابيع من القبض على زوجي، اتصل بنا. كان لا يكاد يستطيع التحدث، ولم تدم المكالمة سوى ثوان. قال إن الاضطهاد كان شديداً، ولكن معنوياته ما زالت مرتفعة. كل ما استطعت أن أفكر فيه في تلك اللحظة: “إنه على الأقل ما زال على قيد الحياة!” ولم أعلم بمدى عمق إصابة زوجي وما أجري له لاحقاً من عملية جراحية سوى من الأخبار. وذاك اليوم، تمنيت لو أنني قد مت. كنت مرعوبة وفي غاية القلق من الهيئة التي سأراه فيها عندما التقيه من جديد. وبعد ذلك بدأت المحاكمة ورأيته. كان وجهه مختلفاً ولكن روحه وعزيمته كانتا راسختين. كانت رأسه مرفوعة، وعيناه متقدتين، ولم أشعر بأنه كان في يوم من الأيام بهذا الاعتزاز. سعدت كثيراً عندما رأيت روحه. نعم، ورغم ما يبدو هذا عليه من غرابة، أستطيع أن أرى روح زوجي. عشت مع عبد الهادي 30 سنة؛ 30 سنة عظيمة. إنه زوجي، أفضل أصدقائي، رفيق روحي، وكل شيء لي. لقد حكم عليه بالسجن المؤبد، وآمل أن تصل الضغوط على الحكومة إلى حد لا تطيق معه إلا أن تعيد إليه حريته. وإلى حين ذلك، أنا محظوظة بأن تكون لدي كل تلك الذكريات الجميلة مع مثل هذا الزوج الرقيق والحكيم والمحترم والصادق والحبيب الذي لدي. فبإمكاني أن أعيش إلى الأبد مع تلك الذكريات في انتظاره. تدهشني هذه الحقيقة كثيراً، فمع أن عمري الآن 52 سنة، لا يجد النوم إلى عيني سبيلاً في العادة ليلة موعد زيارته. أقضي الليلة كلها أفكر بما سأخبره في اليوم التالي. وأثناء هذه الزيارات، يأخذ بيدي كي أرى الجانب المضيء من الحياة. نتحدث عن جميع ذكرياتنا السعيدة معاً، وعادة ما ننتهي بالضحك على نكتة أو أخرى. أحب زوجي هذا وأنا فخورة به، كرجل، وليس أقل من ذلك، كمدافع عن حقوق الإنسان.
انتهی/137