وفقاً لما أفادته وکالة أهلالبیت(ع) للأنباء ـ ابنا ـ أقام رجل الدین البارز البحریني «سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم» صلاة الجمعة الیوم بجامع الإمام الصادق(ع) ورفض فیها الانتخابات التکمیلیة التي ستجری غداً في هذا البلد.
کما عبّر هذا العضو البحریني للمجمع العالمي لأهل البیت(ع) عن الإنتخابات التكميلية للمجلس النيابي ديمقراطية مزیفة ترسمها دوائر بإرادة سلوطية لا رأي للشعب فيها.
و فیما یلي نص الخطبة الثانیة للشیخ قاسم، لیوم الجمعة 24 شوال 1432هـ 23 سبتمبر 2011م. ، في جامع الإمام الصادق (ع) بالدراز قرب العاصمة "منامة" بالبحرین:
من يبيع الأوطان؟
ينطلق المسلم المؤمن بدينه حق الإيمان في حب وطنه وكل ما يقع عليه حبه من رؤية وشعور ديني لا يعدل به عن حب الخير وبغض الشر لمن خلق الله من نفس، ولا يبغض المؤمن في أحد إلا شرا، ولا ينكر منه إلا اضرارا، ولا يخرجه من حبه إلا سوءه وبمقدار سوءه.
وحب المؤمن لوطنه يدفع به إلى الأخذ به دائماً في اتجاه خيره ورقيه وصلاحه، والعمل على رفاهه وسلامة اوضاعه، وذلك لا يتم إلا بالأخذ بإرادة الله سبحانه في اقامة القسط، والرضا بالعدل، والتمسك بالحق، وخضوع كل طاعة لطاعته، وكل رضاً لرضاه، وكل تشريع لتشريعه، فلابد من الدعوة لكل ذلك بالتي هي احسن، وهذا دأب المؤمنين.
والمؤمن لا يبيع وطنه على المخلوقين، كما لا يبيع نفسه إلا لله، ولا يجد ثمناً أبداً عند أحد لبيع الأوطان، وأي ثمن ذاك الذي يبيع به المؤمن نفسه أو ولده واهله واخوانه ومواطنيه في ظل شعوره الديني النافذ الذي يحترم الإنسان ويخاف الله؟!
وإذا كان خارج وطنه نماذج انسانية طيبة ففي وطنه نماذج طيبة كذلك، وإذا كان من أبناء امته الواسعة مؤمنون أتقياء ففي وطنه منهم الكثير، وإذا كان لأمته كلها عليه حق، فإن حق أبناء أمته وأخوته في الإسلام والإيمان من أهل وطنه أكبر.
وراحة الأوطان وسعادتها في اصلاحها وسلامة اوضاعها، وليس في وضعها في مزاد علني أو سري لبيعها على أي كان.
المؤمن لا يمكن أن يبيع وطنه، أتدرون من يبيع الأوطان؟
إنما يبيع الأوطان والمقدسات أهل الدنيا، ومن لا يرون أن لهم وزناً إلا في المال والجاه، ولا يشبع احدهم أن تكون له الدنيا خالصة بلا مزاحم، لا يبيع الأوطان إلا من لا دين له ولا شرف ولا احترام عنده للإنسان.
وكثيراً ما يسوق الإعلام العربي الرسمي اليوم في حق الحركات التصحيحة والمطلبية والتغييرية وصمة التأمر وبيع الوطن للخارج، فهرب من الإستجابة لضرورة الإصلاح والتغيير، وللتشويش على سمعة وصدق المعارضة، واستغفال من يمكن استغفاله، واصطياد من يمكن اصطياده، وهذا مضحك.
فماذا ابقت الأنظمة العربية من مادة أو معناً مما تغنى به الأوطان لم تساوم عليه الأجنبي ـ القريب والبعيد ـ من أجل الإبقاء على تسلطها الظالم، واستنزافها لما يبقى من ثروات الأوطان بعد أن تعطي منه ما تعطي للأجنبي، ومن أجل استعباد انسانها؟[1].
يقول المثل العربي (رمتني بدائها وانسلت)، هذه هي ديمقراطيتنا، اسمها ديمقراطية أما واقعها فمنه الآتي:
• انتخابات ترسم دوائرها بإرادة سلوطية لا رآي للشعب فيها.
• مجلس نيابي محكوم لأغلبية مخطط لها حكومياً وعلى مستوى القانون، ومحكوم كذلك لمجلس الشورى المعين.
• مراكز انتخابية عامة مشبوهة لا مقتضي لها إلا حاجة في صدر الحكومة.
• لا حق لأحد أن يبدي رآياً في الإنتخابات بالمقاطعة، أو يعطي وجهة نظر موضوعية في نتائجها مما يمكن أن تخالف ما يدعى له رسميا أو تعارض الأهداف التي أريد لها حكومياً أن تحققها.
• ترصد من يصل من المعارضة إلى المجلس النيابي بالمواجهة الحادة، والتسقيط والتخوين والمحاربة، وافشال أي دور اجابي له يمكن أن يخدم الوطن خاصة في البعد السياسي، والوقوف في وجه أي محاولة اصلاح يتقدم بها.
وأجد ما في ديمقراطيتنا العريقة، وما يحق لها أن تباهي به كل ديمقراطيات العالم، أن تتجه الحكومة لفرض عقوبات مركزة وثقيلة على من يقاطع العملية الإنتخابية، وليس على من يبدي فيها رأياً سلبياً فحسب، هذا والإنتخاب حق سياسي لا واجب كما هو واضح، والحق قاعدته العقلية والقانونية الإختيار، وأن لصاحبه تشريعاً أن يعمله أو لا يعمله، وذلك على خلاف الواجب الذي لا خيار تشريعاً في التخلف عن أدائه.
أوجدوا انتخابات حقيقية ونزيهة، ودوائر انتخابية عادلة تساوي بين المواطن وأخيه الآخر في الصوت الإنتخابي، واعطوا المجلس النيابي صلاحيات تشريعية ورقابية كاملة، وحرروه من تدخل مجلس الشورى في صلاحياته وتعطيل عمله، واقصروا المهمة التشريعية عليه، وعندئذٍ سيتدفق المواطنون تدفقاً هائلاً على صناديق الإقتراع، وستحقق المشاركة فيها نسبة قياسية تفوق كل التصورات، ومن غير ذلك كله كل المحاولات على حمل الناس على ما لا يريدون يائسة فاشلة.
هذا الشعب شعب أحرار لا إماء وعبيد، ولا يمكن أن يساق بالعصا على خلاف قناعاته ومصالحه سوق الإماء والعبيد[2]، أنه شعبٌ حر يرفض العبودية أبدا، وأن يعطي يد الذلة لأحدٍ من الخلق، ولا يركع إلا لله وحده[3].
وفي هذا خير الوطن وخير الأمة، وفيه فخركم أيتها الحكومة لو شجعتم على مثل هذه الروح، وعملتم على التقدم بها لا على اسكاتها واخمادها وقتلها.
-----------------------------------------------
[1] هتاف جموع المصلين : لن نركع الا لله.
[2] هتاف جموع المصلين : هيهات منا الذلة.
[3] هتاف جموع المصلين : لن نركع الا لله.