ابنا : هذه وجوهنا، تغيرت، ملامحها صارت أكثر وضوحاً مما كانت عليه. كبرنا أكثر مما قد يأمل الطفل الصغير أن يكبر، هل سمعتم عن طفل يحلم بسن الموت!. لن نكابر، نحن نتألم، نبكي، نرفع أجساد شهداءنا للأعلى فيما تتساقط دموعنا الى الأرض، تختلط بالتراب حين نواريهم بدموعنا، نترك قلوبنا حيث يستريحون للذكرى. لكننا سعداء، ذلك أننا مؤمنون أكثر من أي وقت مضى: نحن الحقيقة، نحن جوهر الحكاية، نحن الأقوى، الأصدق، والأسمى. وسنبقى، ما بقت في أرواحنا ذرة الحياة، تلك التي تدفع هذا الشباب للبقاء على عهد الحرية والكرامة.
تقدم سترة شهيدها الثامن الطفل علي الشيخ، طفل في الرابعة عشرة من عمره. تقدمه فداء للبحرين بماضيها، وحاضرها، ومستقبلها. تقدمه ليلتحق بركب من سبقوه من الشهداء الأبرار الذين لم ترهبهم لغة الرصاص ولا نعيق الطائفية البغيضة. يغادر في يوم العيد بعد صلاته مسرعاً لا ليلقي تهنئة العيد على أمه الثكلى او أبيه المفجوع، بل يسارع خطاه إلى حيث الكرامة وأسمى مشاهد الشجاعة والفداء. أراد هذا الشهيد أن تبقى تهنئة العيد معلقة أبد الدهر أمانة في أعناقنا، لنزور ويزور البحرينيون بيته الصغير ذات يوم، لنفتح غرفته، ولنطلق أحلامه من نافذتها للسماء إيذاناً بالحرية والعزة للبحرين وأهلها. لن نخسر هذه المسيرة، فالموت في سبيل الحرية ليس أكثر من شرف وكرامة عهدناها، والحياة بحرية وكرامة ومساواة وكرامة هي أسمى هدية نستطيع تقديمها لأبنائنا. حتى إن تآمرت علينا الدنيا وخسرنا بلغة السلاح والتجويع والقتل والترهيب والصمت الدولي، سينصفنا القادمون للحياة في هذا الوطن، لأنهم سيدركون جيداً، أن ما قدمه هذا الجيل هو أسمى وأدق حركة ديمقراطية عرفتها منطقة الخليج العربي قاطبة، وأنها مَن ولدت من رحمها الإنسان الخليجي الجديد، إنسان الكرامة والحرية والديمقراطية وأسمى المبادئ التي عرفتها البشرية لا إنسان النفط والجهل. أيها العالم: الشرف لا تكتبه نتائج الصراعات، بل حقيقتها. شتان بين من يموت ويشقى ويتألم ليرفع شعارات "الإنسان" و"الحرية" و"الديمقراطية"، وبين من يرمي الرصاص، ويقتل الأطفال، ويعتدي على أعراض النساء ويسفك الدماء وينتهك الحرمات باسم "القبيلة".نم أيها الصغير، هادئاً، مطمئناً، قبرك في أعيننا، أنت كرامتنا، وذكراك في القلوب.
انتهی/137