1_ النعمة والراحة عند الموت وفي القبر
يعد الانفصال عن شيء قد أستأنس به الإنسان وألفه طوراً من الزمن أمراً عسيراً وثقيلاً جدّاً. والموت يمثل فترة انفصال الإنسان عن كل شيء وشخص كان قد آنسه، ومن هذا المنطلق سيكون تذكّره أمراً يهابه أغلب الناس. لكن من زيّن قلبه بمحبة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وحظي بمودتهم والارتباط بهم، سيكون محباً لحقيقتهم النورانية ومقامهم الرفيع إلى درجة يكون فراقه لكل شيء وشخص أمراً هيّناً. وقد يجعلهم يعدّون اللحظات شوقاً لوداع هذه الدنيا واللقاء بأوليائهم المعصومين (عليهم السلام).
إنّ محبي أهل البيت (عليهم السلام) الحقيقيون سيرحلون عن هذه الدنيا بيسر وراحة. فمحبّة هذا البيت سيسهّل الموت على الإنسان وسيجعله مشمولاً بالنعم الخاصّة حين الاحتضار.
إن الارتباط بأمير المؤمنين يزيل الغم عن الإنسان في لحظات الاحتضار التي تمثل أصعب اللحظات، وستبعث في القلب السرور بدل ذلك الغم. وقد خاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً:
يا علي إخوانك يفرحون في ثلاث مواطن: عند خروج أنفسهم وأنا شاهدهم وأنت، وعند المسألة في قبورهم، وعند العرض، وعند الصراط إذا سئل الخلق عن إيمانهم فلم يجيبوا...(1)
إن هذا السرور لم يكن اعتباطياً لأنه يتأتى من الألطاف التي يهبها الله الكريم لمحبي أمير المؤمنين (عليه السلام) عند رحيلهم وبعده، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلام آخر قوله:
ألا ومن أحب عليا لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر ويأكل من شجرة طوبى ويرى مكانه من الجنة، ألا ومن أحب عليا يهون الله عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنة.(2)
وقد ورد في حب فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه خاطب سلمان الفارسي بقوله: يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن الموت والقبر.(3)
فالقبر بيت الوحدة، هو بيت ما أن يدخله الإنسان حتى يفقد أمله في العودة إلى الدنيا. فهذا اليأس وتلك الوحدة، تبعث في نفس الإنسان خشية لا يمكن وصفها؛ لكن هذه المحبة الحقيقية لآل بيت العصمة والطهر هي من تفرّج على الإنسان وتبعث فيه نشاطاً خاصاً في بيت الوحدة والوحشة. وهذا ما يبعد الخوف عنه ويزيد في أمله. وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسيره لآخر آيات سورة الواقعة والتي تتحدث عن الوعد للمقربين والوعيد للضالين أنه قال: نزلت هاتان الآيتان في أهل ولايتنا وأهل عداوتنا، وهي قوله عزّ وجل: "وأما إن كان من المقربين فروح وريحان(4)" يعني في قبره "وجنة نعيم(5)" يعني في الآخرة "وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم(6)" يعني في قبره "وتصلية جحيم(6)" يعني في الآخرة.(7)
فالبشارة بالجنة تمثل أفضل سلوى للمحب حينما يرحل عن الدنيا، فمع وجود هذه البشارة ستزول مصاعب الموت. فوجود هكذا بشارة في عالم القبر تبدّل الخشية من أهوال ذلك العالم إلى أمن وهناء، وهو ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير(8)
وروى جابر بن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ التفت إلى علي (عليه السلام) فقال: يا أبا الحسن، هذا جبرائيل (عليه السلام) يقول: إنّ الله تعالى أعطى شيعتك ومحبّيك سبع خصال: الرفق عند الموت، والإنس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والأمن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط، ودخول الجنة قبل الناس "يسعى نورهم بين أيديهم(9)".(10)
2ـ لقاء المعصوم بشكل محبب عند الموت والقيامة
إن المحب يشتاق أكبر اشتياق للقاء المحبوب. وحينما يراه يجد أن أمله متحققاً. فهو وللوصول إلى مبغاه يبقى منتظراً يعدّ اللحظات. اللحظات التي سيأتي المعصوم (عليه السلام) فيها للقائه حيث سيزوره في مقاطع معينة كالاحتضار والقبر والقيامة. يقول الحارث الهمداني: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ما جاء بك؟ فقلت: حبّي لك يا أمير المؤمنين، فقال: يا حارث أتحبني؟ فقلت: نعم والله يا أمير المؤمنين، قال: أما لو بلغت نفسك الحلقوم رأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحب، ولو رأيتني وأنا مارّ على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأيتني حيث تحب.(11)
وبملاحظة بعض الروايات فإن من الطبيعي أن يشاهد جميع الأشخاص أمير المؤمنين (عليه السلام) عند الموت؛ لكن المهم هو كيفية تلك المشاهدة. إن لقاء علي (عليه السلام) يكون محببا ومرغوبا حين يقترن اللقاء بملاطفته ورحمته (عليه السلام).
إنّ الرحيل عن الدنيا في حالة يرى الإنسان فيها ابتسامة أمير المؤمنين (عليه السلام) تمثل أملاً لكل محبّ وليس هذا لأحد إلّا لمن أحب علياً (عليه السلام). يقول: "حيث تحب"، وهذا يعني أن هذا اللقاء سوف لا يقتصر على القبر بل سيتحقق حتى في القيامة كما ورد في كلام آخر لأمير المؤمنين (عليه السلام) لحارث حيث يقول فيه:
من أحبني رآني يوم القيامة حيث يحب، ومن أبغضني رآني يوم القيامة حيث يكره(12)
وعن الحكم بن عتيبة قال: بينا أنا مع أبي جعفر (عليه السلام) والبيت غاص بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له، حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت فقال أبو جعفر (عليه السلام): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليه السلام، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (عليه السلام) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك، فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم، ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا، وإني لأبغض عدوكم وأبرأ منه، ووالله ما ابغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه، والله إني لأحل حلالكم واحرم حرامكم، وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام):
إليّ إليّ حتى أقعده إلى جنبه. ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين (عليه السلام) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي (عليه السلام): إن تمت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى علي والحسن والحسين، وعلى علي بن الحسين، ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسك ههنا- وأهوى بيده إلى حلقه- وإن تعش ترى ما يقرّ الله به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى. قال الشيخ: قلت: كيف يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين، وتقر عيني؟ ويثلج قلبي، ويبرد فؤادي، واستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسي ههنا، وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني، فأكون معكم في السنام الأعلى؟ ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج هاهاها حتى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون، لما يرون من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفصه