ابنا : حاصر التجمع الغاضب مرشحي الانتخابات الصفرية بتأكيد موقفهم الرافض للمشاركة في هذه الانتخابات، واعتبارها مشاركة للنظام في عدوانه وتنكيله بهم -كما أشار قاسم في الخطبة التي أثارت حفيظة وزير العدل(1)- موجهين لهم رسالة شديدة مفادها أن ترشحهم استفزاز مقيت لمشاعرهم واستغلال سافل لتضحياتهم ومعاناتهم المستمرة، وأنهم يرتكبون جرماً عظيماً لن يجنوا منه سوى الهزيمة.
ونجحت المعارضة في تحويل رسالة وزير العدل إلى ورقة لدعم موقفها السياسي، في استعراض حرج ومثير، وبرأي مراقبين فإن هذه التطورات جعلت من موضوع الانتخابات حساساً ومختلفاً جداً، وجزءاً مؤثراً من المواجهة السياسية.
ويبدو أن رسالة وزير العدل أحدثت مفعولات جانبية، تخص العملية الانتخابية، إذ انسحب بعد تجمع يوم أمس المرشح تقي الزيرة، ووردت أنباء عن انسحاب مرشحين آخرين، ويعاني بقية المرشحين من ضغوطات اجتماعية شديدة لدفعهم إلى الانسحاب، خوفاً من كونهم باتوا مكشوفين وتحت النار.
ولم ترجع الرسالة على وزير العدل إلا بالخسران والندم، إذ تأتي هذه التطورات بعد أن ناله الكثير من السخرية والاستهزاء بشكل مباشر وعلني، فقد وصفه أحد رجال الدين بغلام أساء الأدب، وهجاه أحد الشعراء، وعلق مجيد العلوي على رسالته بأن كل ما ورد فيها صحيح عدا المرسل إليه.
التجمع الأكبر في تاريخ صلوات الجمعة
من جهة أخرى، اعتبر مراقبون هذا التجمع هو الأكبر في تاريخ صلوات الجمعة، ورجع المئات أدراجهم لامتلاء أماكن الصلاة في المسجد والشوراع المحاذية، وفي موقف لافت، اختار الشيخ علي سلمان أمين عام الوفاق أن يحضر في الساحة الخارجية مع المصلين تحت لهيب الشمس.
وكانت قوات الأمن قد فرضت نقاط تفتيش في الشوارع المؤدية للجامع لعرقلة المصلين من الوصول إليه، إلا أنها تراجعت عن ذلك سريعاً، وتابع وزير العدل الخطبة بإرسال طائرة هيلكوبتر حامت على علو منخفض طوال وقت الصلاة.
وانتشرت على الجدران لافتات نددت بخطاب وزير العدل وأيدت دور قاسم في الحراك السياسي المتصاعد، معتبرة استهدافه انتحار سياسي من السلطة، وبعد انتهاء الصلاة انطلقت مسيرة حاشدة تقدمها الشيخ علي سلمان.
قاسم باكياً: ما أنا وماذا أساوي أمام هذه التضحيات؟
وفي غضون ساعتين من خطاب قاسم، نقلت وكالة أسوشيتد بريس تقريراً خبريا عنه(2)، قالت فيه إنه وجه رسالة تحذيرية للحكام تخيرهم بين الإصلاح أو ملاقاة مصير القذافي بسقوط أنظمتهم، وتبعتها صحيفة الواشنطن بوست التي كانت تنقل مقتطفات من الخطبة فور ورودها عبر حسابها في تويتر، ثم تناقلت التقرير مئات المواقع والصحف الأجنبية.
وكان قاسم قد دعا الحكام في خطبته لأخذ الدرس والاعتبار من سقوط الديكتاتوريات مشيراً إلى "مغرور ليبيا" المطارد من قبل الثوار، ومؤكدا على أن أكثر من طاغية يشعر بالتهديد الجدي من ملاقاة هذا المصير الأسود والمشهد المذل، وأن الأرض في نقمة تهتز من تحت قدميه، وقضية الرحيل الكئيب المخزي تلتف حول عنقه.
من جانب آخر تعهد الزعيم الديني بأنه لن يصمت عن قول الحق، وقال إن الإصلاح السياسي الذي يرضي الشعب حق ثابت لا مراء فيه، وأنه لم يعد بإمكان النظام التنكر له، إذا كان يبحث عن البقاء، معتبراً كل محاولة للهروب منه يائسة، وأن تأخيره مجازفة.
وعن منبره المستهدف، قال قاسم إن أساس وظيفته هو التمكين للعدل في الناس، ومطاردة الظلم، واستنهاض الأمة، ومواجهة المنكرات والمظالم، والعمل على إحقاق الحق وإبطال الباطل.
وأكد أن منبره سيبقى بعيدا كل البعد من أن يحقق رغبات السياسة، أو أن يكون شيطاناً أخرس، أو فتنة وفوضى، وأنه سيكون للدين والحق لا إلى أي جهة أخرى. مشددا على أن المنبر ليس لافتعال الأزمات.ورد قاسم على خطاب وزير العدل بالقول إن مرجعيته فيما يجوز وما لا يجوز في أمر الناس ليس وزارة العدل، وسخر من فرض الوزير تلقي أمر الدين وحكم الشريعة من وزارته، وأكد إن أمراً واحداً فحسب يلتزمه هذا المنبر، وهو أن يكون للدين وصالح المسلمين والوطن بحسب تعبيره.
وتعجب من أن يقال إن هذا المنبر هو للفتنة والتأزيم، وتفريق صفوف المسلمين، و تساءل قاسم عن الأسباب التي تقف خلف هذه الادعاءات الزائفة، ووصفها بالافتراء والمؤامرة، داعياً إلى مراجعة جميع خطبه السابقة بنزاهة وأمانة وبمقاييس موضوعية، ومؤكداً أنه يتقبل النتيجة بكل ترحاب.
وفي ختام كلمته قال قاسم "أنا خجلٌ أمام جميل هذا الشعب، ولهذا الشعب علي حقٌ ثابت اليوم وقبل اليوم، اعترف من نفسي أني أقل من أن أبلغ وفاءه" وأضاف "ثم ما أنا، وماذا أساوي، أمام أي شابٍ أو شابة، أو رجل أو امرأة ممن ضحوا من أجل هذا الشعب من أبنائه وبناته؟ وماذا يساوي دوري من دور كل أولئك المصلحين الأعزاء الأوفياء والمغيبين في السجون"
وطلب قاسم المعذرة، وبكى طويلاً أمام تعالي هتافات المصلين الغاضبة التي فدّته ونادت بتأييده والانتصار له ولما يمثل من خط سياسي.
انتهی/137