ابنا : من هنا اشتدت النوازع القطرية لهذا النظام، ولم تكن شعارات الوحدة الا محاولة للتغطية على مفاسد وانحلال النظام داخليا . وتبع ذلك تكريس الالحاق الاقتصادي والاستراتيجي بالعدو. واخيرا وباستمرار تكريس البعد الامني في العلاقة بين الدولة والمجتمع. ولان هذا يجعل الدولة او النظام ضعيفا وهشا داخليا كان لابد من البحث عن الحماية في الخارج والحماية امريكية. والتي اصبح شرطها الاساسي اليوم التفاهم والتعاون والتنسيق مع اسرائيل.
وهكذا اصبحت منظومة: دولة التجزئة القطرية/ الضعف الداخلي/ الالحاق الاستراتيجي/ الحماية الغربية الامريكية/ الصلح مع العدو الصهيوني . اصبحت هذه المنظومة نسيج واحد. يفسده ويعانده البعد الاسلامي. ومن هنا يحاول النظام العربي بغالبه محاربة هذا البعد المقدس الاسلامي الذي سيعيد القضية الى محورها الحقيقي ويجعلها مركز استقطاب الامة ضد التجزئة وضد الالحاق وضد الغرب وضد الكيان الصهيوني" بهذه العبارات الموجزة كشف الشهيد فتحي الشقاقي , مؤسس حركة الجهاد في فلسطين, عن اسباب خشية الانظمة العربية من تحول القضية الفلسطينية الى قضية اسلامية , وكذلك عن الموقف الشائن لهذه الانظمة , من يوم القدس العالمي ومناصبتها العداء لهذا اليوم والتعتيم عليه بكل ماتملك من امكانات , ومنع الشعوب المسلمة من التظاهر تاييدا للقضية الفلسطينية , وفي المقابل اشغال هذه الشعوب بالخلافات الجزئية والمصطنعة في مطابخ الاستكبار والانطمة العربية المتخلفة والدائرة في فلك الاستكبار , كالفتنة المذهبية والمناطقية لحرف بوصلة الشعوب عن عدوها الحقيقي المتمثل بالكيان الصهيوني الغاصب للقدس الشريف.
**الامام الخميني (رض) والقدس الرمز
بالرغم من انه لم يمر على انتصار الثورة الاسلامية سوى 5 اشهر , وبالتحديد في 7 اب اغسطس عام 1979 , اعلن الامام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) اخر جمعة من رمضان المبارك يوما عالميا للقدس , داعيا جميع مسلمي العالم الى التظاهر في هذا اليوم دفاعا عن الحقوق المشروعة للشعب الفسطيني المسلم , هذه الدعوة المبكرة من جانب الامام (رضوان الله تعالى عليه) , جاءت لتؤكد النظرة الاستشرافية الثاقبة لسماحته لاهمية القدس التي تجاوزت لدية كونها مدينة اسلامية مقدسة ترزح تحت نير الاحتلال الصهيوني , الى رمز يمكن من خلاله تحديد مستقبل الامة الاسلامية جمعاء , ايجابا ام سلبا , على ضوء الاولوية التي تتبواها لدى المسلمين.
الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه ومن خلال تاكيده على البعد الاسلامي للقضية الفلسطينية جعل مستقبل الامة رهنا بتعاطيها مع قضية القدس , فكلما اولى المسلمون هذه القضية الاهتمام الذي تستحق , كلما جعلوا الاعداء من مستكبرين وصهاينة يدفعون ثمنا اكبر مما كانوا يتوقعون ازاء احتلالهم لمقدسات المسلمين , وفي مقدمة هذه الاهداف تمزيق وشرذمة الامة.
الاهتمام بالقدس , من وجهة نظر الامام (رض) , يعني الاهتمام بالقضايا التي تؤكد على توحيد صف الامة , ونبذ القضايا الهامشية , التي تفتعلها بعض الانظمة المرتبطة بالاستكبار العالمي , كالقضايا المذهبية , بهدف الهاء الشعوب الاسلامية عن القدس وبالتالي عن مستقبل الامة.
** يوم القدس يوم الصحوة الاسلامية
الصحوة الاسلامية التي تشهدها اليوم العديد من الدول العربية , كانت حاضرة في خطاب الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه , ففي جانب من اعلان يوم القدس العالمي الذي صدره الامام (رض) قبل اكثر من ثلاثة عقود اكد سماحته :" ان يوم القدس العالمي هو يوم احياء الاسلام ويوم حياة الاسلام , حيث يجب ان يصحوا المسلمون , وان يدركوا مدى القدرة التي يمتلكونها سواء المادية منها ام المعنوية ".
وهو ماتحقق فعلا بعد كل هذه السنوات فلم تعد اسرائيل ذلك الكيان الاثير لدى الانطمة العميلة للغرب والصهيونية العالمية كما كان عند نظام مبارك في مصر وبن علي في تونس وغيرهما , فالشعوب العربية اليوم اخذت تردد ذات الشعار الذي ردده الشعب الايراني قبل اكثر من ثلاثة عقود ومازال , وهو شعار الموت لامريكا والموت لاسرائيل , فبوصلة الشعوب لايمكن ان تخطىء العدو مهما حاول الاستكبار وعملاءه.
** عندما يستشعر العدو الحقيقي الخطر
من المتوقع ان يكون يوم القدس العالمي هذا العام مختلفا عن باقي الاعوام الاخرى , فهذه المرة الاولى التي تحتفي بها الشعوب العربية , وفي مقدمتها الشعب المصري العظيم , بيوم القدس العالمي بدون وجود عراب الصهيونية في المنطقة , حسني مبارك المخلوع , ودون قيود او تضليل اعلامي , ولكن يبقى الاستكبار والصهيونية وبعض الانطمة العربية الدائرة في فلك هذا الثنائي , يسعى للانتقام من الثورات العربية وفي وقدمتها ثورة الشعب المصري العملاقة , لانها مرغت انف هذه الجوقة التي تلاعبت بمصير الامة على مدى عقود في الوحل , عبر التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية , فالجميع يشهد على التدخل السافر لهذا الثنائي غير المقدس بالتواطوء مع اذنابهم من التكفيرين من خلال توزيع الملايين من الدولارات بين عدد من التنظيمات والجهات والافراد في مصر بهدف الالتفاف على الثورة والتاثير على الانتخابات .
ولم يكتف هذه الثنائي واذنابه بهذا القدر من التدخل فقد تمادت هذه الجوقة الموتورة كثيرا , لاسيما مع اقتراب موعد يوم القدس العالمي , عندما شن العدو الصهيوني عدوانا سافرا على الاراضي المصرية بذرائع واهية اسفر عن استشهاد عدد من ابناء مصر وذلك بالتزامن مع عدوانه السافر الذي يشنه على قطاع غزة المحاصر واستشهاد العشرات من الاطفال والنساء , وسط ضجة اعلامية صهيونية وعربية رجعية , تحاول الترويج لفكرة مفادها ان الفوضى قادمة لامحالة بعد رحيل مبارك , او ان العدو الصهيوني يعد العدة لاعادة احتلال سيناء .
في المقابل رد الشعب المصري الصاع صاعين لكيان الاحتلال واذنابه , عندما اعلن رفضه للدولارات الامريكية ودولارات النفط التي تهرب خلسة الى داخل مصر للتاثير على الانتخابات وللترويج للافكار المتخلفة والعبثية والفاسدة للوهابية بين ابناء مصر , كما تظاهر المصريون ضد العدوان الصهيوني على اراضيهم مطالبين بالرد عليه بما يستحق ضاغطين على السلطات المصرية التي سحبت السفير المصري من فلسطين المحتلة .
ان الثورة المصرية والصحوة الاسلامية التي تعم المنطقة غيرت الواقع والمعطيات السياسية برمتها , فلم تعد ايران هي العدو وان هناك هلالا شيعيا يتربص بالعرب , كما كان يروج له عراب الصهيونية مبارك والرجعية العربية , فالعدو الحقيقي الذي يتربص لا بالعرب فحسب بل بجميع المسلمين وفي مقدمتهم الشعب الايراني , هو الكيان الصهيوني الغاصب للقدس , الذي سيسمع لامحالة صرخات المسلمين في يوم القدس العالمي , وهي تدوي بشعار واحد "الموت لاسرائيل " و "الموت لامريكا".انتهى/114