وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : فجر البحرین
الجمعة

١٢ أغسطس ٢٠١١

٧:٣٠:٠٠ م
259341

لأن الحكومة لا تخشى الانتخابات!

كان من نتيجة انتفاضة التسعينيات في القرن الماضي، ازدياد هامش حرية التعبير وغيرها من الحريات مقارنة مع غالب الدول العربية، ولكن لم تكن تلك الحريات نابعة من تركيبة الدولة وبنائها، وإنما– كما أرى - كانت إرادة من ملك البلاد وضمانته . ولهذا عندما ارتفعت هذه الضمانة في الفترة السابقة لأسباب معينة قد يكون دخول قوات درع الجزيرة أحدها، سُحقت هذه الحريات، بل سحق القانون سحقاً على أيدي الأجهزة العسكرية مع أن الجهاز العسكري يُفترض أن يكون دوره الوحيد هو تطبيق القانون، فالدولة هي الوحيدة التي تحتكر استخدام القوة من أجل تطبيق القانون.

لقد أصبحت الدولة منذ 15 مارس وحتى وقت قريب ليست دولة، فقد عاشت القرى آنذاك جوا مرعبا كذلك الذي تحكمه عصابات تقتحم البيوت فجرا ونهارا، وتقتل وتخطف وتتوقف دورياتها في القرى لتعتدي بالضرب على مراهقين جالسين على قارعة الطريق، ولا تتورع عن سرقة البيوت التي يتم اقتحامها، ولم تسلم حتى دور العبادة والحسينيات، وأما الشتم والسب والتحقير على أسس مذهبية، فحدث ولا حرج. 

كل ما جرى من سحق للقانون يرجع إلى تركيبة الدولة التي جعلت من عقيدة الجيش والقطاع العسكري عامة عقيدة بعيدة عن الدولة الحديثة  الديمقراطية، لأن عقيدتهم العسكرية قائمة على الولاء للأفراد والإئتمار بأوامرهم، بجانب التعبئة القائمة على الحقد المذهبي التي تم تعبئة العسكر بها كما ظهر ذلك جليا وقويا في نقاط التفتيش.

وقد وصلت تعديات جهاز الأمن لدرجات خطيرة جدا؛ قبل أيام فقط، ذكر لي أحد الأخوة ما جرى لقريبته في تلك الفترة المظلمة من هذا العهد، إذ كانت تستقل سيارتها مع طفلها في الطريق إلى مدينة حمد، فأوقفتها نقطة تفتيش، وبينما كان الشرطي البحريني منشغلا بالتحقيق معها، كان العسكري الأسيوي في الجانب الآخر يقوم بمهمة التفتيش، ففتح شنطتها وهي تراقبه، وأخذ مبلغا قدره 65 دينارا، ثم فتح الجرّار واستخرج نقودا (خردة)، ولكنه أحجم وأرجعها ربما لعبئ وضعها في جيب بزته. فقالت له: لماذا لا تكمل وتأخذها؟ فما كان من هذا العسكري إلى أن اتجه للجانب الآخر حيث تجلس في مقعد القيادة، ومسكها من خناقها بقوة دافعا بها إلى مسند الكرسي. هذه إحدى النماذج الأقل سوءا لما كان يحصل في تلك الفترة المؤلمة التي لن ننساها، وسنبقى نتذكر حوادث تلك الفترة حتى تكون الذاكرة سبباً لمواصلة الحراك من أجل غدٍ لا تعود فيه تلك الأحداث.

حرية التعبير والمسيرات المرخصة:بالعودة إلى مسألة حرية التعبير وبالأخص المسيرات السلمية، ففي الدول الديمقراطية، تشكل حرية التعبير منطلقا لتصحيح وتقويم مسار الحكومة، وترغمها على الاستقامة، وهذا يعود إلى أن أي فضيحة، قد تصنع رأيا عاماً ضد الحكومة، ومن ثم يتم اسقاطها. ولهذا عندما تخرج مسيرة ضخمة ضد قرار حكومي، يمكن التراجع عنه، والإصرار على القرار قد يقود إلى إقالة الحكومة وانتخاب غيرها. أما في بلدٍ كبلدنا، ومع عدم التقليل من أثر المسيرات المرخصة، ولكن مهما عظمت هذه المسيرات، فإن تأثيرها أخف بكثير جدا مقارنة مع تأثيرها في حال كانت الحكومة منتخبة، لأن الحكومة هنا معينة ولا تخشى الإقالة أو عدم إعادة انتخابها. في بلدنا حتى لو كان الرأي العام في اتجاه، فإن الحكومة قد لا تعبأ به، وربما يجدر تذكير القاريء أن الحكومة كانت على وشك زيادة أسعار المحروقات ورفع الدعم عن السلع الثلاث (اللحم والدجاج والطحين)، ولم تهزها كل الأصوات التي علت وصمت الآذان في الصحف ومختلف وسائل الإعلام بما فيهم النواب، ولولا تفجّر حركة 14 فبراير التي يحاول القوم إخمادها، لما تراجعت عن تلك القرارات.

هذا فيما يتعلق بحرية التعبير ومنها المسيرات المرخصة حيث تكون مطالبها تتعلق بقرارات حكومية كزيادة الرواتب أو التراجع عن قرار معيّن كقانون الأحوال الشخصية مثلا، وأما المسيرات التي تطالب بالإصلاحات السياسية والدستورية، فإنها تتعامل مع رأس النظام مباشرة، وليس مع الحكومة. والظرف هو الذي يدفع ملك البلاد للقناعة بضرورة إجراء إصلاح جذري دستوري وسياسي. ولهذا عندما لم تكن هذه القناعة لسبب أو لآخر موجودة، كان تأثير المسيرات يقترب من الصفر كما شهدنا ذلك منذ عشر سنوات تجاه ملفات التجنيس والتمييز والدوائر الانتخابية، فضلا عن المطالبات بتعديلات جذرية على الدستور. كذلك، فإن مقارنة المسيرات التي تخرج ضد قرار أو توجّه حكومي كمسألة الأحوال الشخصية مع مطالب سياسية ودستورية، يعد قياسا مع الفارق الكبير، فاالمتنفذون في الدولة لا يخسرون شيئا لو تراجعت السلطة عن قانون الأحوال الشخصية، أما التعديلات الدستورية الجذرية التي تدعو لتقليل مسئوليات الملك الدستورية وتوسيع صلاحيات الشعب فمختلفة تماما، ولهذا فإن الممانعة تكون قوية هنا من بعض المؤثرين في الحكم والإقليم حتى وإن كان ملك البلاد وولي عهده يرغبان في ذلك.

ما سبق ذكره، عبارة عن مقارنة بين تأثير المسيرات وممارسة حرية التعبير في ظل الظروف الطبيعية، ولكن في هذا الظرف الحساس الذي نعيشه والذي استطاعت فيها المعارضة بصمودها التاريخي وما أسهمت به من تثبيت الناس أن تسترجع جزء من حرية التعبير وتنظيم التجمعات والمسيرات المرخصة، فإن أهمية المشاركة فيها كبيرة وعظيمة جداً، فدماء الناس ما زالت تُراق، وحركة الشباب قائمة، ولهذا فإن المسيرات المرخصة في هذا الظرف هي إحدى فوائد وجود الحركة الشبابية، وكلما كبر زخمها، شكّلت رأيا عاما عالميا ومحليا ضاغطا على النظام من أجل إصلاح سياسي ودستوري وليس مطالب معيشية فقط، هذا بجانب دورها في التحشيد والتعبئة الشعبية وما تشكله من عمق استراتيجي للحركة.

.................

انتهی / 101