إن للارتباط بالأئمة المعصومين (عليهم السلام) والذي يمثل مرتبة هي أعلى بكثير من حقّ الأب والأمّ والأقرباء، نتائج مهمّة جداً وقيمّة في الدنيا والآخرة للإنسان. فهذه النتائج تتعدد بتعدد نوع ومقدار الارتباطات فبعض الارتباطات لها نتائج أكثر قيمة من القسم الآخر والذي ستتم الإشارة إليها.
نتائج المحبّة والتشيّع
إنّ محبة المعصومين (عليهم السلام) لها نتائج قيمة جداً إذا ما قورنت بالمراتب المختلفة للمحبين وميزان حبهم. فكلّما اشتد هذا الحبّ وأوصل المحبّ إلى حقيقة التشيّع (التشيّع الحقيقي).
فإنّ النتائج المنبثقة عنه ستمتاز بقيمة أكبر، إلى درجة بحيث يمكن أن يقال بأنّ أكثر نتائج الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) قيمة إنّما تتعلق بالخلّص من شيعة المعصومين (عليهم السلام). كما أنّ المحبين الآخرين سينالون نتائج ملحوظة كلّ حسب مستوى معرفته ومحبته. وكما أنّ لهذه المحبّة نتائج قيّمة للفرد المحبّ فإن لها أيضا نتائج قيّمة للمجتمع البشري. كما أنّ الفرد المحبّ سيلاقي بعضا من هذه النتائج في الدنيا فإنّه سيلاقي في الآخرة نتائج أخرى ويتم التعبير عن النتائج التي يمكن ملاحظتها في الدنيا بالنتائج الدنيوية والتي يمكن ملاحظتها في الآخرة بالنتائج الأخروية.
ومن تلك النتائج:
أ_ النتائج الدنيوية
1_ النتائج الفرديّة
واحد- الوعي والمعرفة بحقائق الدين
يرتقي الأئمة المعصومون أعلى قمم المعارف الإلهية كما أنّهم يمتازون بمقام ورتبة الإنسان الكامل وأنّ الوصول إلى مقام القرب الإلهي والكمال الإنساني لا يمكن أن يتحقق إلّا بمعرفة مسير الكمال المتسم بالصعود والانحدار؛ ومن هذا المنطلق فإنّ المعصومين (عليهم السلام) يمثلون المعلمين الحقيقيين للبشرية ولا سبيل لتحقق المعرفة إلّا بالارتباط بهم (عليهم السلام). كما أن الإيمان الواقعي لا يمكن أن يتجسّد إلّا بمعرفتهم. فقد وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته (عليهم السلام) بالتالي:
معادن العلم وينابيع الحكم(1) و"مصابيح الظلام"(2)
وقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) المعصومين (عليهم السلام) بعبارات مختلفة منها:
"هم عيش العلم وموت الجهل"( 3) "موضع سرّه"( 4) عيبه علمه( 5) "موئل حكمه"( 6).
وقد وصف الإمام الهادي (عليهم السلام) المعصومين (عليهم السلام) في زيارة الجامعة بما يلي:
"خزان العلم" و"أبواب الإيمان" و"أئمة الهدى" و"مصابيح الدجى" و"محالّ معرفة الله" و"معادن حكمة الله" و"حفظة سرّ الله" و"حملة كتاب الله" و"عيبة علمه" و"الأئمة الراشدون"( 7)
ويمكن أن يتضح لنا من العناوين أعلاه أنّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) واسطة معرفة الله ومعرفة دينه، ولا يمكن للإنسان أن يتخلص من جهله وحيرته إلّا بالارتباط بهم (عليهم السلام)، وأن تشبيههم بمصابيح الدجى يدلّ على أن سبيل الوصول إلى الله لا يتأتى إلّا بالارتباط بهم (عليهم السلام). فظلام الليل يضلّ السائر في مسيره، لكن شعاعهم هو الذي ينير الدرب ويدلّ السالكين سبيل الهداية. فالأئمة المعصومون (عليهم السلام) مصابيح صراط الله تعالى، ولا يمكن للضال أن يجد الطريق إلّا بسراجهم (عليهم السلام).
كما أنّ نور هذا المصباح المضيء هو ذاك العلم وتلك المعرفة التي جعلتهم الخزنة والمحالّ، فهم عيبة علم الله وحفظة سره. إذاً فالتوجه إليهم يبعث بالقلب بالتوجه إلى الله. ولعل هذا هو السبب الذي جعلهم (عليهم السلام) يعرفون بـ "وجه الله".
فقد روي عن أبي الصلت وهو من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال سئلت الإمام (عليه السلام) قائلاً:
يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلّا الله النظر إلى وجه الله؟ فقال (عليه السلام): يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم يتوجه إلي الله عزّ وجل، وإلى دينه ومعرفته، وقال الله عزّ وجل: "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك"( 8).( 9)
فالارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) يجعل الإنسان في معرض انبثاق الأنوار التي تبعث فيه الحياة وترفده من أرواحها المعطاة فمن لازم الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فقد وجد الدرب واستلهم الكثير من البركات المعنويّة، ومن لم يلحق بهم فقد أخلد إلى الغيّ والضلالة. وقد ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه كتب إلى إسحاق بن إسماعيل النيشابوري:
لولا محمد والأوصياء من ولده كنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون من الفرائض...( 10)
إنّ محلّ أهل البيت (عليهم السلام) في الأمة كمحل الرأس من البدن والعينين في الرأس. فلا يمكن لأحد أن يصل الدرب إلّا بهما ولا يمكن له أن ينطلق إلى ما يقصده إلّا من خلالهما. وهذا هو نفس التشبيه الذي شبهه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر (رحمه الله) فقد ورد أنّ ابا ذر صعد رضي الله عنه على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب، ثم أسند ظهره إليه ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تركها هلك، وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلّا بالرأس، ولا يهتدي الرأس إلّا بالعينين.(11 )
ثانيا: حفظ و