إنّ للصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ادآب تؤدي رعايتها إلى أداء كامل لهذا الحق. ومن هذه الآداب:
1- الكمال
إن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تتمّ إلّا إذا كانت شاملة لأهل بيته (عليهم السلام). فقد روی صحابي من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعى يسير أنّه سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً: يا رسول الله، قد علمتنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.(1 )
فالظاهر من هذه الرواية أنّ سؤال "يسير" لم يكن خارجا عن نطاق كيفية الصلاة المحضة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ سمع من النبي جواباً لم يكتف فيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر الصلاة على نفسه بل علّمه الصلاة عليه وعلى آله الكرام، وهذا ما يدلّ بوضوح على أثر آله (عليهم السلام) في كمال الصلوات عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أرشد إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنع من أن تتم الصلاة دون ذكر آل بيته حيث قال:
لا تصلّوا عليّ صلاة مبتورة بل صلوا إلى أهل بيتي ولا تقطعوهم فان كل نسب وسبب يوم القيامة منقطع إلّا نسبي( 2)
فالكلام يدل على أنّ عدم إمكانية حدوث الافتراق بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله (عليهم السلام) يعني أنّ الافتراق عن آله (عليهم السلام) هو افتراق عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهذا لا تحبّذ الصلاة عليه دون آله ولا تكون الصلاة عليه كاملة وتامة إلّا إذا شملت آله (عليهم السلام) وهذا هو شكل الصلاة التي أمر بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمّته حيث تمّ بيانها من قبل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عندما كانت جموع المسلمين تهبّ لوداع رسول الله قبل مواراته الثرى. فقد روي عنه (عليه السلام):
"لما فرغ أمير المؤمنين من تغسيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكفينه، وتحنيطه أذن للناس وقال: ليدخل منكم عشرة عشرة ليصلوا عليه، فدخلوا، وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) بينه وبينهم، وقال: "إنّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"(3 ) وكان الناس يقولون كما يقول". قال أبو جعفر (عليه السلام): "وهكذا كانت الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ".(4 )
فالرواية أعلاه والتي وردت كتصريح أو تلميح لما جاء في الآية تدلّ بوضوح على كيفيّة إطاعة الله تعالى في ما أمر به في الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ وذلك بمعنى أنّ هذا الأمر الإلهي لا يطاع إلّا من خلال السلام والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار (عليهم السلام) فترك الصلاة على آل بيت رسول الله (عليهم السلام) لا يمكن أن يكون سببا لطاعة الله تعالى، وهذا ما لم يدعو إليه حتى من خالف أهل البيت (عليهم السلام)؛ فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) فيما احتجّ به على علماء المخالفين بمحضر المأمون، في تفضيل العترة الطاهرة، قال (عليه السلام):
... وأمّا الآية السابعة، فقول الله تعالى: "إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" وقد علم المعاندون منهم، أنّه لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله، قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ فقال: تقولون: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، انك حميد مجيد، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ قالوا: لا، قال المأمون: هذا ما لا خلاف فيه أصلا، وعليه إجماع الأمة.( 5)
فقال الإمام (عليه السلام):
نعم أخبروني عن قول الله عزّ وجل: "يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين علی صراط مستقيم" فمن عنى بقوله: يس؟ قالت العلماء: يس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشك فيه أحد. قال أبو الحسن (عليه السلام): فإن الله عزّ وجل أعطى محمدا وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلّا من عقله، وذلك أن الله عزّ وجل لم يسلم على أحد إلّا على الأنبياء (عليهم السلام) فقال تبارك وتعالى: "سلام على نوح في العالمين" وقال: "سلام على إبراهيم" وقال: "سلام على موسى وهارون" ولم يقل: سلام علی آل نوح، ولم يقل: سلام على آل إبراهيم، ولا قال: سلام على آل موسى وهارون، وقال عزّ وجل: "سلام على آل يس" يعني آل محمد. فقال المأمون: قد علمت أنّ في معدن النبوة شرح هذا وبيانه.(6 )
فالصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون ذكر آله الأطهار (عليهم السلام) يعد تجاوزاً على حقّ آل البيت (عليهم السلام) وتجاوز على حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذات. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول: اللهم صل على محمد، فقال له أبي: يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل: اللهم صل على محمد وأهل بيته.( 7)
فهذا الظلم لا يحرم المرء من فوائد الصلاة وحسب بل يكون سببا لابتعاد الإنسان عن رحمة الله تعالى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
من صلّى علي ولم يصل على آلي لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسير خمسمائة عام.( 8)
فجزاء كهذا ليس بالأمر المستبعد؛ لأن آل البيت (عليهم السلام) أولياء الله وخلفاء رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن يجتنب الصلاة عليهم متعمداً سيكون أهلا للحرمان من رحمة الله. فلا يصعد دعائه ولا يجاب حتى يُشرك آل البيت (عليهم السلام) في دعائه وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد بيانه آثار الصلاة على النبي وآله:
(إنّ الرجل من أمتي)... إذا صلى علي ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينهما وبين السماوات سبعون حجابا، ويقول الله تبارك وتعالى: لا لبيك ولا سعديك، يا ملائكتي، لا تصعدوا دعاءه إلّا أن يلحق بالنبي عترته، فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي.(