اولا: رغم ممارسته لنفس الاساليب القمعية المتبعة في دول الجوار العربي الا ان تعسفه واعتقاله للابرياء يظل سرا لا تفشيه معظم وسائل الاعلام العالمية ما عدا قلة نجت من الطوق السعودي الذي يفرضه النظام على وسائل الاعلام عادة فتظل قضايا المعتقلين السياسيين مغيبة لا تلتقطها سوى مراكز حقوق الانسان العالمية والمحلية بالاضافة الى صفحات الانترنيت. ثانيا: بدأ النظام السعودي يتفنن في اساليب اعتقالات جماعية تطال ليس فقط شخصا واحدا بل اسرا كاملة حيث يقوم بتصفية الرجال وتجريد نساء الاسرة من رب بيت او محرم في مجتمع يحد من قدرة النساءعلى تدبير بعض شؤونهن اليومية.
ان حشد مجموعة من الرجال من اسرة واحدة يكفل للنظام السعودي حالة ذعر وتخبط اجتماعية حيث ان الرجل الذي ينشط في العمل السياسي الذي لا يعجب النظام سيفكر الف مرة قبل ان يقدم على عمل ما يقوده الى السجن خاصة وانه يعلم ان الافراد الآخرين من اسرته سيلحقون به الى السجن تاركين مجموعة كبيرة من الاطفال والنساء والشيوخ دون معين او ممثل يستطيع تدبير شؤونهم اليومية والحياتية. وان وصلت الامور الى هذا الحد نجد انه لم يبق للنساء سوى الحل الاخير وهو الخروج للاعتصام امام وزارة القمع والتنكيل مما يعرضهن بدورهن للاعتقال تماما كما حصل مؤخرا لمجموعة من النساء المتظاهرات طلبا لمحاكمة رجالهن القابعين في السجون منذ اكثر من عقد كامل دون البت بقضاياهم والتي على اساسها تم احتجازهم.
ربما ان تجاهل الاعلام العالمي وبداية الاعتقال الجماعي الاسري هما فقط ما يجعل الحالة السعودية الملكية تختلف عما تعودنا سماعه في حالة الجمهوريات العربية وكلما برزت قضية المعتقلين السعوديين على السطح نجد ان النظام يلجأ الى اسلوبه القديم الذي يهول بالخلايا السرية واتصالاتها بالدول الخارجية من اجل مخططات لقلب نظام الحكم والقيام باعمال ارهابية كان اخرها الاعلان عن خلية سرية من الاكاديميين الذين يجمعون المال والعتاد ويتصلون بجهات خارجية لتحقيق اكبر عملية تخريبية في مملكة الانسانية. مثل هذا الهراء السعودي يمر دون تعليق او تشكيك في الداخل حيث تحولت الصحافة الى وسائل نقل تتلذذ في ايصال مثل هذه الاتهامات العقيمة الصادرة من وزارة الداخلية او العدل المرتبطة بها الى جمهور يقرأ ولا يصدق الا من كانت الغشاوة قد تمكنت من عينيه وعقله وهذا لا يحتاج ان يقرأ اذ انه تحول الى آلة تجتر الخطاب الرسمي وتتبرك بعبوديتها بل هي تحمد خالقها على نعمة النظام القمعي وترفض ان تطرح اي زلة من زلات النظام على طاولة البحث والنقاش بل هي تردد دعاية النظام القديمة المرتكزة على سلسلة من الجمل غير المفيدة وغير الصادقة كمقولات تطبيق الشريعة ومساعدة المسلمين والمساجد العامرة وسياسة الباب المفتوح وطاعة ولي الامر كاسر الظهور وسارق الاموال الى ما هنالك في جعبة هؤلاء من مصطلحات العبودية والخنوع التي يرددها طاقم النظام الاعلامي والديني.
وقد بدأ مؤخرا ظهور نوع جديد من الدعاية السعودية الهادفة الى تخدير الشعب وهي دعاية تعتمد على مقولات 'المظلومية السعودية' والتي عادة تنتهي بوصلة اشبه ما تكون بلطمية حية تقوم على مبدأ اننا مستهدفون بأعداء حقيقيين او وهميين والكل يحسدنا على نعمة الامن والاستقرار والرفاهية وهناك من يتربص بنا وبولاة امرنا ويهدد استقرارنا والكل يعبث بأمننا وسلامتنا يقبع بعض هؤلاء بالخارج حيث يسهل تجنيدهم من قبل قوى الشر العالمية المتربصة بنا فيصبحون عملاء مأجورين وبعضهم في الداخل حيث يقفز قفزات بهلوانية من اجل التواصل مع قوى الشر الخارجية ليهدد رغد العيش والسلام فيعرض حياته للخطر والاعتقال في سبيل تنفيذ مخطط خارجي يستهدفنا ويستهدف انجازات المحلية والاقليمية. وفي مثل حال الاستهداف تبدأ المظلومية السعودية بالانتقال الى مرحلة اخرى. وهي مرحلة اسكات الاصوات المنادية بالاصلاح او باطلاق السجناء فكيف نطالب بحقوق انسانية ونحن في حالة مظلومية ازلية تستهدفنا الدول الاخرى من خلال استقطاب ابناء جلدتنا فتؤجل المشاريع الاصلاحية بل تحارب تحت ذريعة واهية وحالة نفسية اشبه ما تكون بمظلومية اليهود التاريخية. وهي حالة نفسية متشنجة لم يستفيقوا منها حتى هذه اللحظة وتخاف على بلادنا من ان تتحول نفسيا الى حالة تشبه عقدة اليهود التاريخية حيث يتصور هؤلاء ان العالم بأسره يحيك لهم ابادة جماعية مرتقبة في اي لحظة.
لقد استطاع النظام السعودي ان يروج هذا الخطاب الاعلامي الزائف الذي يردده البعض دون ان يفهم قدرته على قتل الانسان وروحه في بلد يفتخر انه معقل العرب والعروبة والاسلام يتباهى رجاله بالغيرة والحمية والنخوة وعدم الخضوع الا لله سبحانه وتعالى ولكننا نجد ان الواقع يختلف تماما عن مفخرة العرب المستوحاة من العصور الغابرة وربما لا يصدق المتفرج العربي على المأساة السعودية ان نساء قبائل العرب هي مضطرة اليوم لان تخرج تطالب باطلاق سراح رجالهن بعد ان تخاذل الكثير الذين يمرون مرار الكرام على تجمهرهن امام مبنى وزارة الداخلية والذي يقف شامخا في قلب العاصمة ليرسل رسالة واضحة وصريحة انه الآمر الناهي في بلاد لم تعرف يوما ما مثل انواع القمع والتهميش الممارسة حاليا ومن هؤلاء النساء من اضطر الى الحديث الى الاعلام العالمي في الخارج فجاءت الام المريضة والابنة المنكوبة والزوجة المهجورة لتنقل تفاصيل معاناتها بعد غياب رجال الاسرة في زنزانات النظام بينما نجد ان الكثير من الرجال لا يزال ينادي ضمائر الاسرة الحاكمة وشخصياتها يتوسل اليها بالخطابات وجمع التواقيع ويناجيها بتعابير التبجيل والحمد والشكر ويداعب ذواتها المتضخمة بالقاب العزة والجلالة التي لا تصلح الا للخاق وتركع الحروف مطأطئة الرأس امام جبروت وعظمة تأبى الواقع وتقرأ المستقبل وما يخبئه من مفاجآت.
ودخل احد الدعاة مؤخرا الى السجن رغم انه استعمل نفس الاسلوب وخاطب رؤوس الحكم مطالبا اياهم بالافراج عن المعتقلين من الرجال والنساء ورغم ان شعبية هذا الداعية الالكترونية والواقعية كبيرة الا انه وجه الخطاب لولاة الامر ورغم انه يعلم ان حدة خطابه ستدخله الى السجن كان يجب عليه ان يدعو مريديه لان يخرجوا في مظاهرة حاشدة دفاعا عن المساجين السياسيين لا ان يستقر امام شاشة حاسوبه ويقرأ بيانه ويسجل على اليوتيوب ومن ثم ينتظر ازلام النظام تأتي لاعتقاله.
فخطيبنا هذا لا يزال اسير فكره القديم الذي يستجدي من ولاة الامر الحقوق ولا يزال يحلم بجدوى النصيحة وان كان قد تطور حينما تجاوز شكلها السري وقفز بها الى قفزات عالية عندما جعلها علنية وعلى اليوتيوب.
لا يزال الخطيب المسجون حبيس نصوصه القديمة وفكره البالي حيث يعتقد ان ولي الامر لا يزال مصدر ثقة يرتجى منه الكثير ولا يعلم ان فكره هذا وخطابات الاستجداء لا تنفع فعليه ان يضع ثقته في المجتمع وليس ولي امره وان كان هناك من امل في انقاذ المساجين فهو يعتمد على مخاطبة المجتمع وحشده خلف قضية ابرياء حتى تثبت محاكمتهم والتهم الموجهة اليهم فكان على الخطيب ان يخرج بمريديه ويتجمهر امام الوزارة المعنية بقضية المساجين وان اعتقل واقتنص من بين الجموع فله الشرف في انطلاق اول عمل جماعي يقوده رجل دين يأبى الظلم في زمن اصبح هؤلاء مؤيدين ومنظرين للحكم التسلطي وسيرى حينها ان من سيحميه ليس اعداد المؤيدين على تويتر وفيس بوك واليوتيوب بل جموع النساء والرجال والاطفال في شوارع تطوق وزارة القمع المعروفة عندها لن يستطيع النظام ان يقتنصه من بيت والده تماما كما حصل ليوسف الاحمد والذي اعتقل مؤخرا على خلفية خطاب مناصر للمساجين واسرهم انتشر على الانترنيت ولم يتهم فيه البطانة كالعادة وانما وجه المسؤولية للثلاثي المقدس في المملكة والذي يعتبر فوق النقد او الاتهام ودعاه للتدخل لحل قضية المساجين ونقول لهذا الداعية ان الحل يقبع في يد المجتمع وليس رموز النظام والخطاب يجب توجيهه لهذا المجتمع لحشده خلف قضايا تمس امنه وسلامة اسره وتركيبته الاجتماعية.
لقد تجاوز النظام السعودي نصوص النصيحة للحاكم عندما جرد اسرا كاملة من رجالها وزج بهم في السجون وكشف امن النساء واضطرهن للخروج مطالبة بفك الاسر المفروض على رجالهن بينما الدعاة لا زالوا يرددون خطابات النصح والناشطون يجمعون التواقيع وكلها اساليب اثبتت عجزها عن ان تقود البلاد الى نتيجة ملموسة بل نجزم ان القمع قد زاد واتسعت رقعته واساليبه منذ 1995 وخلافا لمقولات مملكة الانسانية نجد ان حكم الملك عبدالله تزامن مع حالتين الاولى طفرة اقتصادية واضحة وصريحة مرتبطة بالاقتصاد العالمي وارتفاع اسعار النفط وليس الحكمة الملكية السعودية والثانية حالة قمع وارهاب تمارسه الدولة لم تعرفه السعودية خلال تاريخها حيث اجمع كل مواطن متهما حتى تثبت براءته واكتظت السجون بسكانها والشوارع بمراقبيها وكاميراتها التي تراقب سجنا كبيرا على مدار الساعة. ربما يعيد دعاة المملكة وناشطوها التفكير بأساليبهم التي لم تعد تجدي في انتزاع الحقوق واعادة المسيرة لطريقها الصحيح ويقتنع هؤلاء ان مخاطبة ولاة الامر هو اسلوب بائد ونصيحتهم تصطدم بغطرستهم وتفردهم بالقرار السياسي وليس لهؤلاء الدعاة اسلوب آخر سوى مخاطبة المجتمع وحشده خلف قضاياه السياسية الملحة ليخرج مطالبا بحقوقه الشرعية.
انتهی/137