وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : العالم
الأحد

١٠ يوليو ٢٠١١

٧:٣٠:٠٠ م
252778

السعودية والثورة المضادة

لماذا تكون السعودية قطب الرحى المعادي لكلّ تغيير وثورة في المنطقة العربية وحتى الإسلامية؟ باختصار لسببين أساسيين هما:

1/ السعودية دولة محافظة، وهي أشدّ الدول قاطبة في عدائها للتغيي، سواء كان تغييراً سلمياً تدرجياً ناعماً، أو راديكالياً جذرياً. هكذا هي السعودية بالأمس في الستينيات كما اليوم في الألفية الجديدة. لم يتغيّر شيء ألبتة.

 الدولة المحافظة التي تنزع للإستبداد وعدم التغيير لنظامها السياسي، ودور شعبها في المشاركة الشعبية، حتى في الشكل ـ فضلاً عن الجوهر ـ لا يمكنها أن تعيش مسترخية في بيئة ثورية تعصف بها أنواء التغيير. بهذا المعنى فإن السعودية تدافع عن نظامها السياسي المتخلّف عبر محاربتها للثورات. هي لا تريد تأثيراً على شعبها يدفعه للمطالبة بالإصلاح فضلاً عن المطالبة بإزاحة العائلة المالكة، التي ينظر اليها كثيرون على أنها من أفسد العوائل التي حكمت في التاريخ وأكثرها طغياناً، نظراً لاستخدامها الدين، ونظراً لما تأتّى لها من إمكانيات مالية، وأيضاً نظراً للتحالف الوثيق بينها وبين الدول الغربية الحامية للنظام.

 في الستينيات الميلادية من القرن المنصرم، كانت السعودية تخاف من الإنقلابات العسكرية، وأن تصل عدواها الى الجيش السعودي الذي قام بعدّة محاولات انقلابية فاشلة، أكثرها أهمية انقلاب عام 1969م. وقد استطاعت العائلة المالكة ـ عبر العديد من السياسات، وبينها تجنيد الأمراء في سلاح الطيران، ومنح كثير منهم الرتب العليا في القيادة العسكرية وفي الإستخبارات العسكرية، وعبر التنقلات المستمرة للضباط من مواقعهم، وأيضاً عبر وجود قوى عسكرية توازن بعضها البعض: الحرس الوطني مقابل الجيش النظامي ـ استطاعت احتواء الخطر الإنقلابي العسكري.

 ولكن العائلة المالكة اليوم أمام نموذج جديد من التغيير، يعتمد دور الجمهور العام، وليس الذراع العسكرية، ومثل هذا النوع من التغيير (الثورة) يصعب احتواؤه نظراً لحضور الجماهير في صناعة الثورة، وحرصه الأكبر على نجاحها والدفاع عنها، ومراقبة حكامها، والإطاحة بهم إن تطلّب الأمر عبر الحراك الجماهيري في الشارع، أو عبر الإنتخابات.

 تشعر العائلة المالكة في السعودية بخطر على نظام حكمها، الذي يتقزّم أمام ناظري الشعب، الذي قد يتعلم وسائل نضالية من جيرانه العرب في مكافحة طغيان الأمراء. هي مدركة أن مقارنة نظامها مع أي نظام عربي آخر ليس في مصلحتها، ما يدفع الشعب الى المطالبة بالتغيير، تأكيداً على حقيقة ضعف شرعية النظام في التعبير عن مصالحه. كما تخشى أن يؤدي عدم التجاوب مع مطالب الشعب، الى المزيد من الإستهانة بها، والى ادراك حقيقة أن الجمهور سيتجه عاجلاً أم آجلاً الى النظر لنظامها بوصفه نظاماً متخلفاً غير جدير بالبقاء.

 2/ لأن السعودية كدولة اعتادت أن تتحرك وتؤسس لنفوذها السياسي في محيط بلدان إقليمية وإسلامية، اعتماداً على فساد تلك النظم، أو إمكانية إفسادها وشراء مواقفها السياسية، أو لتصمت وتمالئ العائلة المالكة، وتتخلّى عن قرارها المستقلّ ـ في غياب أي دور للشعوب ـ لصالح حكام الرياض. ببزوغ نظم سياسية منتخبة من الشارع، فإنها مضطرة الى أن تسمع لصوته، وتحافظ على كرامته الوطنية، واستقلال قراره النابع من إرادته ومصالحه، ومعنى هذا: أن النظم الناتجة من الثورات لا تستطيع التماشي مع المواقف السعودية، ولا القبول الفوري بالإغراءات والرشوات السعودية، وبالتالي فإن السعودية لا يمكنها في ظرف كهذا إلا أن تنكمش سياسياً.

 بمعنى آخر، فإن عداء السعودية للأنظمة الديمقراطية ـ أو المتدرجة نحو الديمقراطية ـ والمتوقع أن تأتي بها الثورات العربية، ينبع من حقيقة أن وجود هكذا نظم وانتشارها في المحيط الجغرافي للحدود السعودية، يعني سدّ الطرق والمنافذ على السياسة السعودية، ونفوذها، وبالتالي فأن الرياض ستواجه انكماشاً متزايداً لدورها لصالح النظم الديمقراطية التي بدأت بالبزوغ، والتي ستتخذ مواقف مختلفة عن الموقف السعودي، وستكون أقلّ ميلاً للتفريط بالقرار الوطني، أو بيعه على مذبح ريالات السعودية. وهذا كاف لأن تعمد الأخيرة على محاربتها وإفسادها من الداخل، كخطوة أولى لتسهيل الدور السعودية المنحدر باستمرار منذ اكثر من عقدين.

 كيف تكون الثورة السعودية المضادّة؟

سلاحان سبق وأن جرّبا واستخدما في محاربة كل الثورات العربية والإسلامية القديمة والحديثة. السلاحان هما أداة السعودية الدائمة والمستخدمة في كل شيء تقريباً: المال، والدين. كيف؟

 المال لرشوة النظم السياسية إن أمكن (هذا لا ينجح في الدول العربية الغنيّة)؛ أو لرشوة عناصر من تلك النظم الجديدة، كما هو واضح اليوم في مصر واليمن. أو لافتعال حروب ودفع تكاليفها، كما في التجربة الإيرانية (الحرب العراقية الإيرانية)، وفي التجربة الليبية الحديثة، كما في تجربة السودان، وحتى تجربة الثورة المصرية السابقة (حرب اليمن). ويمكن للمال أن يلعب دوراً في الإغتيالات، كما في لبنان (مجزرة بئر العبد التي قامت بها السي آي أيه، ومولها بندر، كما نُشر غربياً)، ومثله اغتيال الرئيسين اليمنيين الاسبقين: الحمدي، والغشمي، وقبل ذلك محاولة اغتيال عبدالناصر (قصة رشوة الملك سعود لعبدالحميد السراج). المال يستطيع أن يفعل أموراً كثيراً، تسهل العمل السياسي، ومحاصرة الخصم المخالف، خاصة إن كان نظاماً ديمقراطياً جاء على أكتاف ثورة شعبية. وقد تتيح مساحة الحرية في البلدان المتحررة حديثاً من نير الإستبداد للسعودية أن تقوم بدورها المشبوه. فضلاً عن هذا، فإن المال يدعم الإعلام المضاد، ومعروف دور الإعلام السعودي اليوم، والقنوات الممولة سعودياً. كما أنه (أي المال) يساعد في التحشيد والتحريض السياسي، وتكتيل الدول لصالح الموقف السعودي.

 أما الدين، فيوجّه باتجاه الخصم، لتجريده من الإسلام (الحكم بكفره) ثم لتبرير أي عمل يقوم ضدّه والمساعدة فيه. عبدالناصر وآية الله الخميني الراحل وصدام حسين والقذافي والآن بشار الأسد كلّهم كفار، وأيديولوجياتهم السياسية كافرة. سلاح الفتوى يستخدم في التحبيط (فتاوى مشايخ السعودية ومفتيها حول حرمة الثورة والتظاهر في تونس ومصر واليمن وغيرها) ويمكن أن تستخدم في التهييج إن كان يراد صناعة ثورة لم تكتمل فيها عوامل النجاح بعد، ولكن في بلد الخصم: (ليبيا وسوريا). هنا يصبح كل شيء حلالاً: التظاهر، والقتل، والتحريض الطائفي، وتهريب السلاح، وتمويل قنوات فضائية متخصصة ضد هذه الدولة أو تلك (صفا ووصال والمجد والدليل، فضلاً عن العربية وغيرها). فضلاً عن تمويل صحف ومواقع الكترونية للقيام بحرب اعلامية حديثة.

 الدين بنسخته الوهابية التكفيرية: مطيّة لآل سعود في اية حرب خاضوها ويخوضونها الآن أو في المستقبل. ومجاميع التكفيريين لا مانع لديهم من محاربة الخصم وقتله بالمتفجرات والمفخخات والقتل على الحوية بتهمة العمالة لأميركا (العراق). وهم في ذات الوقت مستعدون ـ كما في الوقت الحالي ـ أن يلتقوا مع الناتو ومع الأميركي (كما حدث في أفغانستان من قبل) والعمل سويّة ضد (الكافر العربي): (ليبيا وسوريا).

 أينما تجد دوراً سعودياً مناهضاً للثورة، تجد مجاميع التكفير الوهابي (شغّالة!) بأقصى طاقتها. الإنفجار السلفي في مصر، والعنف الذي أظهروه ضد الصوفية وضد الأقباط، وتدمير دور العبادة، واحد من الأمثلة، حول كيفية استخدام السعودية للدين وأدواتها الدينية، وعناصر التكفير في البلاد الأخرى، لتخريب ثورة ما، أو لصناعة احتجاج وثورة (مثل ذلك العنف في سوريا واختطاف الإحتجاجات السلمية والمعارضة الوطنية ضد الإستبداد هناك).

 أين الثورة المضادّة؟

إنها في البلدان التي تحكمها أنظمة حليفة قبل أن تقع فيها الثورات، حيث السعي لإفشالها، كما في تونس (تحتضن السعودية بن علي)، أو في مصر (عبر المال والتآمر والضغوط السياسية وعنف الجماعات السلفية الممولة سعوديا)، أو في اليمن (عبر رجالاتها الكثيرين، وربما العنف لاحقاً، والعزل السياسي). هنا الثورة حرام، ويجب القضاء عليها، وتضييع جهود الشعوب، ودماء الآلاف من الشهداء. أما الثورة الحلال، التي يجب دعمها، والتي يمثل سقوط النظام السياسي فيها انتصاراً للسعودية، باعتباره منافساً أو عدواً، فنموذجها ليبيا وسوريا. وفي الحقيقة، فإننا نخطو خطوات واسعة باتجاه أن تقع الثورات العربية في قبضة الأميركيين والغرب عامة. ليس أمامنا في ليبيا وسوريا سوى ثورات أقرب ما تكون في التوصيف الى أنها ثورات أميركية ـ سعودية، أو بالأصح: مشاريع حروب أهلية. ليس أمامنا سوى هذا، اضافة الى الثورة السعودية المضادّة في المقلع الآخر.

انتهی/137