إنّ للائمة المعصومين (عليهم السلام) هداة البشرية نحو الصلاح حقوقاً على الناس وتمثل هذه الحقوق السبيل الأنجع للارتباط بهم (عليهم السلام) وفيما يعد الإعراض عنها ابتعادا وانفصالاً عنهم (عليهم السلام). فحقوق الأئمة على الناس هي اكبر بكثير من حقوق الوالدين والمعلمين لا بل تتعداها بمراتب متضاعفة لأن في اتباع أوامرهم وإرشاداتهم السبيل إلى الصلاح والسعادة. كما أن المعصومين (عليهم السلام) اكبر معلمي البشرية ومصداقا تاما وكاملا لأهل الإيمان. وقد تبلورت حقيقة العلم فيهم فهم منهل الحكمة التي يزدحم إليها الطالبون.
فهؤلاء العظماء يمثلون حقيقة الإيمان لا بل يمثل حبهم تجسيداً للإيمان إذاً فحقوق الوالدين والمعلم والمؤمن ثابتة؛ لكن ورغم هذا فإنّ البحث في هذا الإطار ينصبّ على الحقوق الخاصة للائمة (عليهم السلام) والتي تنحصر بهم ولا تتعدى إلى غيرهم من سائر الناس. وإن تعدّت واشترك غيرهم معهم فيها فإنّ هذا الحق يثبت بوصف خاص للمعصومين (عليهم السلام).
إنّ حقوق المعصومين (عليهم السلام) على الناس تمثل أهم الحقوق التي جعلها الله تبارك وتعالى بين الناس؛ ولهذا ينبغي أن يطّلع الإنسان على هذه الحقوق لكي يكون بإمكانه أدائها. وقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه تحدث في خطبة له أيام حرب صفين قائلاً:
ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضا. ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض. وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي. فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل...( 1)
إنّ بعض هذه الحقوق تمتاز بأهمية اكبر من الحقوق الأخرى، وهذا ليس إلّا دليلاً على أن لمراعاة هذه الحقوق الدور الأكبر في سعادة البشر. فقد صرح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكلام السابق على حقّ الوالي على الرعية وهو وبمقتضى الظاهر يعدّ حقاً من حقوق المعصومين التي تقع على الناس، لا، بل هو من أعظم ما افترض سبحانه، ويشير في تتمة هذا الكلام إلى نتائج رعاية هذا الحق والذي يدل على مدى أهميّته وعظمته حيث يقول (عليه السلام):
فجعلها نظاماً لألفتهم وعزاً لدينهم.( 2)
وكما هو واضح فإنّ الإمام (عليه السلام) يرى أنّ السعادة الدينية والدنيوية للأمة لا يمكن أن تتم إلّا من خلال رعاية هذا الحق وعلى كل حال فإن هذه الحقوق تكون على النحو التالي:
الحق الأوّل
المحبّة والمودة
يمثل كل من الحب والبغض الأساس لجميع مناحي الإنسان أو اجتناباته. فالإنسان لا يتوجه لأمر إلا حيث يحب، ولا ينفر إلّا مما يكره. فهو يحب السعادة والفلاح وينفر من الشقاوة كما أنّ الحركة في مسير السعادة رهن بإرشادات وهدى الأئمة (عليهم السلام)، إذاً فعلى الإنسان أن يحب أئمة الفلاح والخلود وأن يرتبط معهم وهذا هو الحق الكبير الذي يقع على عاتقه. يقول تعالى في القرآن الكريم مخاطباً رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...( 3)
فمن البديهي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما يأمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يطلب من الأمة الإسلامية أن تحب قرابته، إذاً فستصبح هذه المحبة والمودة حقا على الأمة الإسلامية وذلك كما ورد في رواية عن الإمام علي (عليه السلام) حيث يقول فيها:
عليكم بحب آل نبيكم فإنه حقّ الله عليكم والموجب على الله حقكم ألا ترون إلى قول الله: " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "( 4)
فرغم أن الحديث أعلاه يدل على أن حق المحبة والمودة هو من الحقوق الإلهية لكن ولأن من ينبغي أن يحبوا ويودوا هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) إذاً فهذا الحق الإلهي سيكون لهم. روي عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره إذ هتف بنا أعرابي بصوت جهوري فقال: يا محمد! فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما تشاء؟ فقال: المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): المرء مع من أحب، فقال: يا محمد اعرض عليّ الإسلام، فقال: اشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت. فقال: يا محمد تأخذ على هذا أجرا؟ فقال: لا إلّا المودة في القربى، قال: قرباي أو قرباك؟ قال: بل قرباي، قال: هلم يدك حتى أبايعك، لا خير فيمن يودك ولا يود قرباك.( 5)
الحق الثاني
الولاية والإمامة
لقد خلق الله الإنسان وأنشأه وتولاه في جميع الأمور الفردية والاجتماعية. فهو لم يترك الإنسان لحاله، بل جعل رسوله ولياً على الناس وذلك بما يمثله من خلافة لله في الأرض. وتستمر هذه الولاية إلى نهاية الدهر في نسله. إذاً فالأئمة المعصومون يمثلون مقام الولي بالنسبة للبشرية، قال تعالى في القرآن الكريم:
" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا..."( 6)
وقد أورد الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسيره لكلمة "والذين آمنوا... يعني عليا وأولاده الأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة"( 7)
إذاً ينبغي على المسلمين أن يرتضوهم كزعماء وأئمة، وهو الحق الذي إن أداه المرء سمي شيعياً؛ هذا رغم أنّ الشيعي الأصيل هو من أدّى جميع حقوق المعصومين (عليهم السلام) ولم يقصّر عن حق من تلك الحقوق. قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
لنا على الناس حقّ الطاعة والولاية، ولهم من الله سبحانه حسن الجزاء.( 8)
وقد روي عنه (عليه السلام) في رواية أخرى وضمن ثنائه على مكانة أهل البيت (عليهم السلام) حيث يقول:
لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الأمة أحد ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. هم أساس الدين. وعماد اليقين. إليهم يفيء الغالي. وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حقّ الولاية. وفيهم الوصية والوراثة.( 9)
الحق الثالث
التبعية والطاعة
يمثل المعصومون (عليهم السلام) الأئمة للأمة ولا سبيل لأداء حق إمامتهم بشكل سليم إلّا بإطاعة أوامرهم واتباع ما يطلبونه من الأمة. فحينما ينصب الله إماماً على الناس ستكون طاعته طاعة لله تعالى كما أنّ التخلف والإعراض عن أوامره سيكون عصيانا لأمر الله تعالى فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
"من أطاع إمامه فقد أطاع ربه".( 10)
إن من يقبل بولاية المعصومين (عليهم السلام) وزعامتهم، ولكنه يعرض عن العمل بأوامرهم، لا