يمتاز حب العترة المعصومة والطاهرة- كما مرّ- بقيمة كبيرة وله نتائج جمّة للغاية؛ لكن هل كل محبة لهم تمتاز بكذا قيمة أو لا؟
وللإجابة يمكن القول بأنّ أي حبّ إن كان يمتاز بالصدق والواقعيّة والإخلاص فسيكون قيما لكن إن لم تمتاز المحبّة بمثل ما ذكر فإنّها ستكون فاقدة للقيمة؛ ذلك لأنّ هذه المحبة ليست محبة للمحبوب؛ بل هي صورة وشكل للمحبة الأصليّة للمعصومين (عليهم السلام) ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هي شرائط هذه المحبة؟ وللجواب على ذلك يمكن الإشارة إلى الأمور التالية:
1- الحب للّه
قد يحب شخص شخصاً آخر لأنّه يقوم بأداء أو قضاء حاجاته المادية وعندها سيكون متعلق المحبة لهذا الشخص هو الأغراض والاحتياجات الماديّة، وتكون هي محبوبه الحقيقي. وبعبارةٍ أوضح ؛ يمكن القول: بأن هذا الإنسان إنما تعلق بذلك الشخص ( الكبير) من أجل قضاء حاجاته ، في ما عدا ذلك فإنه لا يحمل له أي حباً في قلبه.
لكن قد لا تكون المودة والمحبة لشخص عظيم ناتجة عن أدائه لطلباته رغم انه قد يطلب منه حاجياته إلّا أنّ الحبّ كان نتيجة لعظمة وجوده، وخصاله الإنسانية والإلهية وأخلاقه الكريمة.
والحال أنّه قد اتضح أنّ المحبة الحقيقية إنّما هي من السنخ الثاني. فقد ورد عن بشر بن غالب فيما نقله عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال:
يا بشر بن غالب من أحبنا لا يحبنا إلّا لله جئنا نحن وهو كهاتين- وقدر بين سبابتيه- ومن أحبنا لا يحبنا إلّا للدنيا فإنه إذا قام قائم العدل وسع عدله البر والفاجر ( 1)
وقد ورد عن طريق آخر عن الإمام (عليه السلام) أنّه قال:
من أحبنا لله وردنا نحن وهو على نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) هكذا- وضم أصبعيه- ومن أحبنا للدنيا فإن الدنيا لتسع البر والفاجر. ( 2)
فمن الجليّ إذاً أن تكون الملازمة للمعصومين (عليهم السلام) للورود على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم القيامة للمحبة التي تكون لله تعالى؛ ذلك لأنّ مثل هذه المحبّة هي المحبّة الواقعية البعيدة عن حبّ الذات. فمحبة المعصوم (عليه السلام) إنّما تكون حقيقية فيما إذا كانت ناشئة من المعرفة وإن كانت ناقصة لمقامهم الرفيع وجلالة شأنهم. فهكذا محبة تكون قيّمة وينتج عنها معطيات رفيعة.
فمن يتخذ المعصومين سبباً لأداء احتياجاته المادية فسوف لا يكون منتفعاً من هذه النتائج.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
من أحبنا وأحب محبنا لا لغرض دنيا يصيبها منه وعادى عدونا لا لإحنة كانت بينه وبينه ثم جاء يوم القيامة وعليه من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر غفر الله تعالى له( 3)
وقد روي أن فتى لم يبلغ الحلم، سلّم على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد انفرجت أساوره وابتسم فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
أتحبّني يا فتى فقال إي والله يا رسول الله فقال له: مثل عينيك؟ فقال أكثر. فقال مثل أبيك؟ فقال أكثر. فقال: مثل أمك. فقال أكثر. فقال: مثل نفسك؟ فقال أكثر والله يا رسول الله. فقال: أمثل ربك؟ فقال: الله الله الله يا رسول الله ليس هذا لك ولا لإحد فإنما أحببتك لحبّ الله. فالتفت النبي إلى من كان معه وقال: هكذا كونوا أحبوا الله لإحسانه إليكم وأحبوني لحب الله ( 4)
2- البغض لأعدائهم
إنّ المحبّ للائمة المعصومين (عليهم السلام) لا يمكنه أن يكون محبّاًَ لأعدائهم، بل لا بدّ أن يكون نافرا لهم؛ لأن عدو المعصوم (عليه السلام) بالنسبة له يعني عدو من يحبه فهذا الحبّ والودّ إذا كان حقيقياً، سينتج عنه بغضاً لعدو حبيبه فقد ورد عن ميثم النجار الذي كان من حواريي أمير المؤمنين (عليه السلام) وممن قدم نفسه فداء لإمامه انه قال كنا ليلة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:
ولن يحبنا من يحب مبغضنا إن ذلك لا يجتمع في قلب واحد، "ما جعل الله لرجل من قلبين"( 5) يحب بهذا قوما ويحب بالآخر عدوهم، والذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب لا غش فيه. ( 6)
وقد ورد أن رجلا جاء أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين إني أحبك وأحبّ فلان (وكان من أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال أمير المؤمنين:
أمّا الآن فأنت أعور فإمّا أن تعمى وإمّا أن تبصر(7 )
ففي كلام الإمام (عليه السلام) كناية على أنّ حب المعصوم (عليه السلام) لا يمكنه أن يجتمع مع حبّ عدوه، ومن ظنّ أن هذا أمراً ممكناً فهو واهم.
ولذلك ولكي نعلم مدى قيميّة المحبة للمعصومين (عليهم السلام) واختبار مدى صدق هذا الأمر من عدمه، فبالإمكان أن تلاحظ محبة الآخرين إلى القلب. فإن كانت محبة عدو من أعدائهم حاصلة في القلب، فإنّ المحبة للمعصومين (عليهم السلام) ليست محبة أصيلة وصادقة ولذلك لا قيمة لمثل هذه المحبّة.
وقد صرّح الإمام الباقر (عليه السلام) لاختبار كهذا بقوله:
"مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ"( 8) فيحبّ بهذا ويبغض بهذا، فأما محبتنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه، من أراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه فان شاركه في حبنا حب عدونا فليس منا ولسنا منه، والله عدوهم وجبرائيل وميكائيل والله عدو للكافرين.( 9)
3- معاداة أعدائهم والبراءة منهم
إنّ المحبّة الحقيقية للمعصومين (عليهم السلام) لا تتجلى إلّا من خلال رفض الحبّ لأعدائهم لا بل أن تبغض أعدائهم وتتبرأ منهم. فالمحبّ الحقيقي هو من يبغض أعداء حبيبه، ويعلن عن بغضه له (وذلك مع عدم وجود مانع يمنع ذلك) فقد ورد أن بعضهم ذكر عند الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ فلان يحبكم ولكنّه ضعيف في البراءة من أعدائكم فقال الإمام (عليه السلام):
هيهات! كذب من ادّعى محبتنا ولم يتبرأ من عدوّنا.( 10)
فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرى أنّ الولاء لولاية المعصومين (عليهم السلام) لا يتأتّى إلّا من خلال البراءة من أعدائهم وذلك كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه لأمير المؤمنين (عليه السلام):
يا علي أنت أمير المؤمنين... وإن ولايتك لا تقبل إلّا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك بذلك أخبرني جبرائيل "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"( 11) ( 12)
فمن ظلم الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وسلب حقهم، لابد وأن يكون مبغوضاً من قبل محبيهم (عليهم السلام). فالتبرّي من أعداء المعصومين (عليهم السلام) من الأصول المهمة للأحكام ومن فروع الدين. قال الإمام الصادق (عليه السلام):