إن لكل خصلة علائم إن أُحرزت أمكن التعرُّف على تلك الخصلة لدى الفرد. وهذه العلائم قد تكون نتائج حادثة عن هذه الخصلة، وقد تكون أموراً لها دور في ظهور هذه الخصلة. ولا يختلف الأمر بالنسبة للارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) فهناك آثار إن شوهدت أمكن التعرف عليها ومن هنا فإن الارتباط وباعتبارات مختلفة يمتاز بأنواع وأشكال متعددة فكل نوع أو شكل تتأتى له نتيجة أو نتائج، وفي هذا القسم سنشير فقط إلى آثار بعض أقسامه.
لقد مرّ أنّ الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) له مرتبتان "المحبة" و"التشيّع" ومرتبة التشيع تفوق كثيرا مرتبة "المحبة"؛ لذلك فعلائم "المحبة" تكون موجودة في التشيّع"؛ فأي فضيلة وخصوصية إيجابية توجد في محبّة المعصومين (عليهم السلام)، فلابّد أن تكون موجودة لدى شيعتهم (عليهم السلام)؛ لكن الكثير من خصائص الشيعي لا تجدها عند "المحبّ".
علائم التشيّع
ينبغي الإشارة هنا إلى بعض علائم شيعة المعصومين (عليهم السلام). فمن الطبيعي إنّ بعض هذه الخصائص لا تكون منحصرة بالشيعة وقد تجدها عند غير الشيعة أيضا؛ وسنتناولها هنا لأنّ ذكرها ذا فائدةٍ لضرورة أن يتصف بها شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فالتطرق لهذا النوع من الارتباط يكون لمناسبة أن التشيّع هو أعلى ارتباط يمكن أن يقيمه الإنسان بالأئمة المعصومين (عليهم السلام)، هذا رغم أنّ الوصول إلى هذه المرتبة الرفيعة من الارتباط هي من أصعب الأمور، ولذا تجد أن الشيعة الصادقين لا يمثلون إلّا أقلية بحيث لا يمكنك أن تجدهم إلّا بعد أن تتحمل عناء البحث في البلدان.
فقد ورد أن بعض أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) قال للإمام (عليه السلام): يا سيدي ما أكثر شيعتكم؟ فقال له (عليه السلام): اذكرهم فقال: كثير، فقال: تحصيهم؟ فقال: هم أكثر من ذلك، عند ذلك بدا الإمام يذكر خصالهم فقال الرجل: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال: اطلبهم في أطراف الأرض أولئك الخشن عيشهم، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا"(1).
إن تشريد الشيعة وتواريهم عن الأنظار خوفا من حكّام الجور وأذى الجهّال إنّما يكمن في ما لهم من مقام ومرتبة؛ فلكي نجدهم لابدّ أن نبحث عن علائمهم ومنها:
1ـ معرفة الله والعلم بمعارف دينه
إنّ معرفة الله ووعي دينه من أهم علائم الشيعي الأصيل، لأنّه ومن دون هذين العنصرين لا يمكن إتباع أولياء الله. فالشيعي هو العارف بأحكام الله وشريعته، وحينما يجهل شيئاً تجده سائلاً ومستفسراً عمّا يجهله من أئمة دينه؛ كما أشار الله لذلك في محكم كتابه. قال تعالى:
" فَاسْأَلُوا أهل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(2)
إن اهتمام الشيعي بهذا الوصية تدفعه إلى البحث للوصول إلى العلم والمعرفة بالله تعالى وبمعالم دينه. فشيعة المعصومين (عليهم السلام) ظمأى للسؤال والبحث عن الأجوبة ولا يقصّروا في تعلّم معارف دينهم. فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) انّه قال:
لو وجدت شاباً من شبان الشيعة لا يتفقه لضربته ضربة بالسيف (عشرين سوطا)(3).
فالتهديد دليل على أهمية تعلّم الشيعي معالم دينه عند المعصوم (عليه السلام) وهذا الحثّ والتشجيع على تعلم معالم الدين هو من يجعل الشيعي إنسانا عارفاً بدينه؛ كما ورد عن نوف بن عبد الله البكالي قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) صف لي شيعتك، فبكى لذكر شيعته وقال:
"يا نوف شيعتي والله الحلماء، العلماء بالله ودينه..."(4)
فما أكثر المحبين الذين يمنعهم جهلهم بدين الله من أن يسلكوا سلوكا يتطابق وما يريده تعالى ويصمموا على العمل خلافاً لإرادته؛ هذا في حين يسعى الشيعيّ في البحث عمّا يريد الله من أحكام ثم يصمم بعد ذلك ويعمل. فالهمّة هذه هي التي تصنع منه عارفاً إلهيا وعالما بمعالم الدين.
2- إطاعة الله والمعصومين (عليهم السلام)
إنّ لله أوامر ونواهي كثيرة أبلغها رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم). فقد أراد الله لعباده أن يطيعوه وأن يكونوا متّبعين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وولاة الأمر المعصومين (عليهم السلام) حيث يقول:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..."(5)
فمصطلح الشيعي الأصيل لا يطلق إلّا على من أطاع الله تعالى، كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام):
إنّما شيعتنا من أطاع الله عزّ وجل(6)
فالشيعي الأصيل يرى أن إطاعة الله تكون من خلال إطاعة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وأنّ العبد الحقيقي لله هو من يكون متّبعاً للمعصومين (عليهم السلام).
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه واتّبع آثارنا وعمل بأعمالنا أولئك شيعتنا".(7)
ويتضح من هذا إنّ المحبة القلبية والإدعاء باللسان لا يكفي لأن يكون الإنسان شيعياً أصيلاً بل يلزم العمل والطاعة. فالشيعي هو من يصدّق بقلبه ويحبّ المعصومين (عليهم السلام) ويكون اللسان الناطق لولايتهم (عليهم السلام) وتابعاً ومطيعاً لهم في سلوكه، كما أن من الضروري أن تكون هذه الطاعة وهذا الانقياد دائمياً، ولا يحدّ بمكان كما وان هذا الدوام والاستمرارية في الطاعة هو ما يميّز شيعة المعصومين (عليهم السلام) ومحبيهم (عليهم السلام) ؛ الأمر الذي نجده متجليا في جواب الإمام الحسن العسكري قائد الحرس [الوالي] في سامراء حيث سأل عن الفرق بين المحبّ وبين الشيعي فأجاب (عليه السلام):
الفرق أن شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا، ويطيعونا في جميع أوامرنا ونواهينا، فأولئك شيعتنا، فأما من خالفنا في كثير مما فرضه الله عليه فليسوا من شيعتنا.(8)
إن الشيعي الأصيل هو الذي لا يخالف أئمته في ما أوصوه ولا يرتكب ما لا يرتضوه، كما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال لجمع كانوا يطلقون على أنفسهم شيعة علي (عليه السلام):
ويحكم إنّما شيعته الحسن والحسين وأبو ذر وسلمان والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره، ولم يركبوا شيئا من فنون زواجره، فأما أنتم إذا قلتم إنكم شيعته، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون مقصرون في كثير من الفرائض، متهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث لا يجب التقية، وتتركون التقية حيث لابد من التقية، فلو قلتم إنّكم موالوه ومحبوه، والموالون لأوليائه، والمعادون لأعدائه، لم أنكره من قولكم ولكن هذه مرتبة شريفة ادّعيتموها إن لم تصدقوا قولكم بفعلكم هلكتم إلّا أن تتدارككم رحم