كانت الزهراء (ع) رابعة بنات النبي (ص) ، و قد اختلفت الروایات في تاریخ ولادتها. ففي روایة « الكافي» ، عن الامام الباقر(ع) : أنها ولدت بعد مبعث النبي بخمس سنین، و توفیت و هي في الثامنة عشرة من عمرها. و أكثر روایات أهل السنّة متفقة علی أنها كانت قبل مبعثه بخمس سنوات، و في ذلك تقول بنت الشاطي في حدیثها عن بنات النبي(ص9 : « لقد شاء الله أن یقترن مولدها بالحادث الجلیل الذي ارتضت فیه قریش محمداً حكماً فیما شجر بینها من خلاف علی وضع الحجر الأسود عند تحدید بنائ الكعبة المكرمة، فاستبشر أبواها بمولدها ، و احتفلا به احتفالاً لم تألفه مكة في مولدِ انثی. سبقتها ثلاث اخوات لیس بینهنّ ولد ، و أمضت طفولتها سعیدة بحب أبویها ، و تدلیل أخواتها لها ، و بخاصة كبراهنّ زینب، التي كانت لها بمثابة ام صغیرة». و مهما كان الحال، فلقد نشأت بین أبوین ما عرف التأریخ أكرم منهما، و لا كان لأحدٍ في تاریخ الانسانیة ما لأبیها من الآثار التي غیّرت وجه التاریخ، و دفعت الانسان أشواطاً بعیدة. في ظل هذین الأبوین ، درجت الزهراء و استقبلت منذ طفولتها حدثاً جلیلاً تخطي مكة و المدینة و الجزیرة العربیة بكاملها ، والعالم كله عصراً وراء عصر. لقد نشأت في دار أبویها وحیدة یغمرها حنان أبیها الذي فقد بنیه و لم یبق له من عزاء بعدهم إلّا عبء النبوّة الذي تأهب له زمنا، و نهض به زمناً ، و تحمل في سبیله ما تنوء به الجبال ، فأنّي اتجه ، و أنّا ذهب ، یری قریشاً و غلمانها و عبدانها تقف له بالمرصاد. و فاطمة علی صغر سنها تری كلّ ذلك و تُساهم مع أمها في التخفیف من وقع ذلك في نفسه ، فكانت تتلوی من الالم لألمه. وكان أیسر أذاه أن مرّ علیه سفیهٌ ـ كما جاء في روایة الطبري ـ فاغترف بكلتا یدیه من التراب و الأوساخ و صبّها علی رأسه ، فدخل بیته و التراب علی رأسه ، فقامت إلیه بنته فاطمة و جعلت تغسل التراب عن رأسه و تبكي، وهي حدیثة عهدٍ بوفاة أمها الصدیقة الكبری « خدیجة» ، و بالرغم من أن بكاء ها كان موجعاً لقلبه ، إلّا أن ذلك و غیره من الصدمات القاسیة، لم یزده إلّا صبراً و ثباتاً و إیماناً، فالتفت الیها و عیناها تهمي بالدموع و قال : « لا تبكي یا بنیّة ، إن الله مانح أباك و ناصره علی أعداء دینه و رسالته.» و رأته مرة و هو ساجدٌ في الحرم و حوله ناس من مشركي قریش یسخرون منه . و یعدّون الخطط لإیذائه ، فسمعت منهم ما یخرج نفسها و یدمي فؤادها. و إذا بعتبة بن أبي معیط یحملُ سلاجزور و یقدفه علی ظهره و هو ساجد، فأقبلت إلیه مسرعة باكیة و أخذته عن ظهره و ألقته جانباً. ولما رفع رأسه من سجوده دعا علی جماعة من اولئك الذین كانوا حوله. قال الاستاذ توفیق أبوعلم في كتابه « أهل البیت » : ان للسیدة فاطمة الزهراء تسعة أسماء ، فاطمة ، والصدیقة و المباركة ، و الطاهرة ، و الزكیة ، و المحدثة ، و الزهراء و غیر ذلك ، و أنه كان یطلق علیها (أمّ النبي ) لأنها كانت وحدها في بیته بعد موت أمها ، تتولی رعایته ، والسهر علیه. و نقل عن علي سلام الله علیه ، أن الرسول قال : « إنّما سُمیت فاطمة لأن الله قد فطمها و ذریتها من النار یوم القیامة» كما جاء ذلك في « الصواعق» و غیرها. و جاء في « صحیح البخاري» أن النبي (ص) كان یقول : « فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني». و روی مسلم في « صحیحه » انه قال « فاطمة بضعة مني یریبني ما رابها و یؤذیني ما آذاها». و رواها بنصها تارة ، و بمضمونها اخری كلٌّ من ابن حجر في « الإصابة » و الترمذي في « صحیحه » و النسائي و غیرهما من المحدثین. و لكثرة من روي ذلك عن النبي ، أصبح هذا النوع من المرویات ، من المتواتر في معناه إن لم یكن متواتراً في لفظه. وجاء في « الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني : أن عبدالله بن الحسن المثنی بن الحسن السبط ـ دخل علی عمر بن عبدالعزیز فرفع مجلسه و أكرمه و قضی حوائجه و لما سئل عن سبب اكرامه و تعظیمه له أجاب ـ لقد حدّثني الثقة كأني أسمع ذلك من فم رسول الله (ص) ، انه قال : « فاطمة بضعةٌ مني یسرني ما یسرها و یغضبني ما یغضبها» و عبدالله هذا بضعة من فاطمة بضعة رسول الله. و جاء في « المستدرك» للحاكم بسند ینتهي إلی أبي ثعلبة الخشني أنه قال :« كان رسول الله (ص) إذا رجع من سفرٍ أو غزاةٍ أتی المسجد ، فصلی ركعتین ثم ثنی بفاطمة ، و یأتي أزواجه بعد ذلك. روي عن عبدالله بن عمر ، أنه قال: « كان رسول الله إذا سافر ، كانت آخر الناس عهداً به فاطمة ،و إذا رجع من سفره كانت علیها أفضل الصلاة و التحیات أول الناس عهداً به» . و قد ورد كثیراً و في أكثر من مرة ، قول النبيِ (ص) : « إن الله یرضی لرضاك و یغضب لغضبك». و هذه الاحادیث تكشف عن منزلة عالیة للزهراء سلام الله علیها، منزلة ما أعظمها من منزلة ، أن یرتبط رضا الله برضا فاطمة و غضب الله بغضب فاطمة ، و هل هناك درجة أعلی من ذلك؟ انها درجة العصمة. و لذا یعد الشیعة فاطمة من المعصومین الاربعة عشر. و لم تتل الزهراء (سلام الله علیها) هذه المرتبة ، إلّا لوجود خصال عالیة في نفسها، و إلّا لوجود عوامل أهلتها لهذه المرتبة السامیة الرفیعة، فما أعظم أن یرتبط رضا الله برضا إمرأة من عباده. لقد إتصفت الزهراء (سلام الله علیها) بصفتین عالیتین جداً: أولاهما : الوعي ، فقد كانت الزهراء سلام الله علیها واعیة تمام الوعي فكریاً ، واعیة تمام الوعي علمیاً ، واعیةً بالشریعة و بالقرآن و ما یرتبط بالقرآن ، ثم كان لها وعي إجتماعي هائل. و ثانیهما : الإخلاص ، فلقد كانت( سلام الله علیها) ذات مرتبة عالیة من الإخلاص. و یكفي أن یرتبط رضا الله برضاها لیكشف عن مرتبتها الإخلاصیة العمیقة. كانت مؤمنةً ، عابدة ، مُسَحَةً، یزهر نورها في محرابها و لذا سمیت ،( سلام الله علیها) بالزهراء. في « الأستیعاب لابن عبدالبر، بسنده ینتهي إلی عائشة أنها كانت تقول : « أحبُّ الناس من النساء إلی رسول الله إبنته فاطمة ، و من الرجال زوجها عليّ » و تضیف إلی ذلك : « إنه كان صوّاماً قوّاماً». و روي في « السمتدرك» بسند ینتهي الی جمیع بن عمیر ، أنه قال : « دخلت مع أمي علی عائشة ، فسمعها من وراء الحجاب ، و أمي تسألها عن علي (ع) ، تقول : « تسألیني عن رجل و ا لله ما أعلم رجلا كان أحبّ الی رسول الله من علي ، و لا في الارض إمرأة كانت أحبّ إلیه من فاطمة». و جاء في كتاب « أهل البیت » للأستاذ توفیق أبو علم و هو یتحدث عن فاطمة (ع)، روایته عن أبي سعید الخدري ـ أن علیاً سأل فاطمة ذات یوم إذا كان عندها شيء من الطعام لیأكله ، فقالت له : « لا والذي أكرم محمداً بالنبوة ما أصبح عندي شيء و لا أكلنا بعدُ شیئا » ، فقال لها : « ألا أعلمتني حتی أبغیكم شیئا، فقالت : إني أستحي من الله أن أكلفك ما لا تقدر علیه فخرج من البیت و استقرض دیناراً لیبتاع لعیاله ما یصلح لهم ، و بینما هو بهذا الصدد و إذا بالمقداد بن الأسود یعترضه في یوم شدید الحر قد لوحته الشمس ، فلما رآه عليٌّ (ع) أنكر حاله و قال ك « و ما الذي أزعجك یا مقداد و أخرجك من رحلك هذه الساعة ؟» فقال له : « خل سبیلي یا أبا الحسن، و لا تسألني عمّا ورائي» . فقال له : « یا ابن أخي ، لا یحلُّ لك أن تكتمني حالك.» فقال : « أما إذا أبیت فوالذي أكرم محمداً بالنبوة ، ما أزعجني إلّا الجُهد ، و لقد تركت أهلی یبكون من الجوع فخرجت من البیت لأبحث لهم عن شيء یسد و لو بعض ما یحتاجون إلیه.» و یدّعي الراوي أن علیاً لما سمع حدیثه و رأی ما به من الجهد و الجیرة آثره علی نفسه و دفع له الدینار، و رجع الی البیت من غیر أن یشتري شیئا لأهله، و صلّی مع النبي ذلك الیوم ، ولما إنتهی من صلاة المغرب ، قام النبي(ص) من محرابه ، و قال له هل عندك شيءٌ تعیشنا به . فأطرق عليٌّ (ع) برأسه حیاء من رسول الله و أصیب بحیرة من أمره ، و أخیراً ، و بعد صمت طویل رحب بالنبي(ص) و سار معاً حتی دخلا علی سیدة النساء فاطمة (ع) فواجداها تصلّي و خلفها جفنة تفورُ دخانا، و لما اتمّت الصلاة توجهت إلی النبي(ص) و سلّمت علیه ، فمسح بیده علی رأسها و قال : كیف أمسیت و طلب منها العشاء ، فأخذت الجفنة و وضعتها بین یدیه. فنظر إلیها عليٌّ (ع) كالمستغرب لأنه قد خرج من البیت لیشتري شیئا بعد أن قالت له ما أصبح عندنا شيء و لا أكلنا شیئا ، فأدركت سرّ نظرته إلیها و حلفت له أنها لا تعلم من أین جاءتها الجفنة ، فوضع رسول الله كفّه بین كتفي علي وقال: « هذا جزاء الدینار یا علي، هذا من عند الله ، إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب» ثم استعبر النبي(ص) و قال : « الحمد لله الذي لم یخرجكما من الدنیا حتی جزاك یا علي وجعل لك و لفاطمة ما جعله لزكریا و مریم حیث قال تعالی: كلّما دخل علیها زكریا المحراب وجد عندها رزقا قال یا مریم أنّي لك هذا قالت هو من عند الله إن الله یرزق من یشاء بغیر حساب». و حدّث عبدالله بن العباس، عن النبي (ص) أنه قال یوماً : « إن الله خلق الناس من أشجار شتی و خلقت أنا و علي من شجرة واحدة فما قولكم في شجرة أنا أصلها و فاطمة فرعها و عليٌ لقاحها و الحسن و الحسین ثمارها و شیعتنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقه الی الجنة ، و من تركها هوی الی النار». و جاء في روایة لابن عباس عن النبي (ص) أنه قال: « یا علي إن فاطمة بضعة مني، و نور عیني، و ثمرة فؤادي ، یسؤوني ما ساءها ، و هي أول من یلحقني من أهل البیت ، فأحسن إلیها من بعدي ، و الحسن و الحسین إبناي و ریحانتاي و سیدا شباب أهل الجنة ، فلیكونا علیك كسمعك و بصرك. و أضاف ابن عباس ، أن النبي (ص) رفع یدیه إلی السماء و قال : « اللهم إني أشهدك أني محبٌ لمن أحبّهم ، و مبغض لمن أبغضهم ،و سلمٌ لمن سالمهم، و حربٌ لمن حاربهم، و عدوٌ لمن عاداهم، و وليٌ لمن والاهم». و روی الرواة أیضاً ، أن النبي (ص) كان جالساً ذات یوم و عنده علي و فاطمة و الحسنان ، فقال : « اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بیتي و أكرم الناس علي، فأحبب من یحبهم ، و أبغض من یبغضهم ، و وال من والاهم و عادٍ من عاداهم ، و أهن من أهانهم ، و اجعلهم مطهرین من كل رجس ، معصومین من كلّ ذنب و أیدهم بروح القدس یا ربّ العالمین». و جاء في روایة ابن عبد البر في « الاستیعاب » أن النبي (ص) قال لها ك « یا بنیة، ألا ترضین أنك سیدة نساء العالمین؟ » فقالت : « یا أبتی أین مریم ابنه عمران؟» فقال : « هي سیدة نساء عالمها». و بهذا المضمون، روی الصدوق في « أمالیه» عن النبي (ص) أنه كان یقول : « فاطمة سیدة نساء العالمین» و لما قیل له أنها... قال « تلك إبنة عمران ، فأما إبنتي فانها سیدة نساء العالمین من الأولین و الاخرین». إلی كثیر من الأحادیث التي رواها محدثو الشیعة و السنّة في مجامیعهم و صحاحهم و التي تتفق في مضامینها. و قد اختارها الله سبحانه من بین بنات الرسول لتكون أما للذریة الطاهر ، تلك الذریة التي ستكون امتدادا لحیاة الرسول فتتحمل ثقل الكفاح، و عبء الجهاد. روی الرواة أكثر من مرة ، كما جاء في « مستدرك الصحیحین» و « تاریخ بغداد» ، ان النبي (ص) كان یقول : « كل بني آدم ینتمون الی عصبتهم ، إلّا ولد فاطمة فاني أنا أبوهم ، و أنا عصبتهم». و قد أنزل الله علیه قرآنا
المصدر : ابنا
الاثنين
٢٣ مايو ٢٠١١
٧:٣٠:٠٠ م
243250