وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وکالات
الثلاثاء

١٩ أبريل ٢٠١١

٧:٣٠:٠٠ م
237660

الاحتلال السعودي للبحرين: شر لا بد منه أم خطأ استراتيجي فادح؟

في الرابع عشر من آذار فرضت الحكومة في العاصمة البحرينية المنامة الأحكام العرفية في الدولة وبعد مرور فترة وجيزة انطلقت القوات الأمنية السعودية والإماراتية إلى البحرين تحت غطاء ما يسمى قوة درع الجزيرة ويؤسس هذا الاستعراض للقوة لتغيير مهم في السياسة الإقليمية.

ابنا : وهذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها قوات عربية الحدود الدولية للرد على اضطرابات سياسية هزت المنطقة منذ ديسمبر الماضي، كما أنها المرة الأولى التي تقوم فيها السعودية باستعراض علني للقوة وهي الدولة التي لطالما فضلت العمل في الظل، ويمكن القول أن المملكة تأثرت بشكل كبير بالأحداث الجارية في المنطقة وفقدت السعودية الثقة في جهود الولايات المتحدة بتعزيز الحوار في ظل غياب قوة غاشمة، وستبين الأيام القادمة ما إذا كان التدخل السعودي في البحرين وقرارها نشر أكثر من ألف من قواتها هناك شر لا بد منه أم انه خطأ استراتيجي فادح. إن الانتشار السعودي في البحرين لا يأتي من فراغ، فالبحرين لها أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة للرياض اقتصاديا بالإضافة إلى أهميتها من الناحيتين الطائفية – المذهبية والجيوبولتيكية خصوصاً وأنها لا تبعد سوى عشرين ميلاً قبالة الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وتحف البحرين القسم الشرقي للمملكة وهو منطقة غنية بالنفط ويوجد فيها ربع الإنتاج العالمي من النفط، ولذلك فان أي اضطرابات وعدم استقرار في البحرين يمكن أن يمتد إلى المملكة مما قد يؤدي إلى انقلاب أسواق النفط العالمية وانهيارها، وينبغي أن لا ننسى أن القسم الشرقي من المملكة العربية السعودية يعد موطناً رئيسياً للمجتمع الشيعي الذي يبلغ تعداده خمسة عشر في المائة من مجموع السكان في المملكة وثلاثين في المائة من مجموع السكان في القسم الشرقي من العربية السعودية، ولذلك فأن وجود بحرين راديكالية ومتطرفة ومليئة بالمشاحنات مع وجود نسبة من السكان الشيعة تصل إلى سبعين في المائة يمكن أن يعمل على تأجيج نيران المعارضة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ويوفر ملاذاً للسعوديين الساخطين والمستاءين. والى جانب العوامل والأسباب الاقتصادية والطائفية التي تعد من ابرز دوافع القلق السعودي، توجد هناك أيضا حقائق جيوسياسية على أرض الواقع تغذي ذلك القلق فوجود بحرين غير مستقرة يمكن أن يجذب الإيرانيين بسهولة، خصوصاً وأن إيران لديها مطالب إقليمية طويلة الأمد في البحرين، كما أن الشيعة البحرينيين ينظرون بعين الإعجاب إلى الثورة الإسلامية التي قامت في إيران عام 1979 ويستلهمون منها ما يعتبرونه دروساً وعِبر.ومن شأن تواجد إيراني أكثر وضوحاً في البحرين جلب طهران بشكل مباشر على الحدود السعودية، وأدركت المملكة العربية السعودية بحساباتها أن آل خليفة بدأوا يفقدون سيطرتهم على الأمور في البحرين وان نهج الحوار غير المتشدد الذي طرحه ولي عهد البحرين بدعم من واشنطن قد اثبت عدم فاعليته وأن الاحتجاجات ستتواصل في البحرين وعلى حساب المملكة ولصالح إيران ولذلك قررت السعودية القيام بمثل ما قام به القذافي وعملت على استعراض عضلاتها أملا في وضع حد لاضطراب داخلي في البحرين. ورغم أن الأحداث قد تثبت أن الرياض على حق ولكن هناك أربعة أسباب تدفع إلى الاعتقاد بأن التدخل السعودي في البحرين ربما يكون امرأ ايجابياً على المدى القصير ولكنه على المدى المتوسط والبعيد يعد خطأً استراتيجياً فنشر القوات السعودية في البحرين سيزيد من فرص وقوع مواجهة سعودية – إيرانية أولا، وثانياً قد يؤدي مثل هذا الأمر إلى تعكير صفو أسواق النفط العالمية وهو أمر يحاول السعوديون تجنبه بشكل كبير رغم مصاعبه، أما السبب الثالث فيتمثل في انه سيعمل على تعميق الانقسام بين السنة والشيعة في المنطقة وبطريقة يمكن أن تستفيد منها إيران، وأخيرا سيعمل ذلك التدخل على تزايد التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. زيادة فرصة المواجهة السعودية الإيرانية: لقد شعر القادة السعوديون بقلق عميق إزاء الصعود الإقليمي لإيران منذ عام 1979، وقد ازداد هذا القلق بشكل كبير خلال العقد الماضي، وأوضح احد المسؤولين السعوديين الكبار هذا الأمر بالقول: (إيران دولة تشعر بالإحباط لأنها ترى أنها بعيدة عن الدور القيادي الذي تشعر أنها تستحقه، ومثل تلك المشاعر في بلد مهم مثل إيران يعد أمرا خطيراً )، وهذا الرأي هو السائد بين أوساط النخبة الحاكمة في المملكة العربية السعودية. ويرى القادة السعوديون إيران باعتبارها دولة ثورية وانتقامية تتطور فرصها وتأخذ في التحسن مع مرور الوقت وهم يدركون هذا الأمر جيداً، واعتبر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بمثابة هدية لإيران، هدية جرى تقديمها إلى طهران على (طبق من فضة)، وشهد عام 2006 تحقيق فوز آخر لإيران عندما دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الانتخابات الديمقراطية في فلسطين والتي نجم عنها وصول حركة حماس إلى السلطة، وليس مستغرباً بالنسبة إلى السعوديين قيام إيران باستغلال العزلة الدولية لحماس واستثمارها لزيادة نفوذها في الأراضي الفلسطينية، أما لبنان فتعد جبهة ثالثة يزدهر فيها النفوذ الإيراني، ولذلك هناك سبب منطقي ووجيه وراء قلق السعوديين من الأنشطة الإيرانية، وهو ذاته الذي دفع ملك المملكة العربية السعودية الملك عبد الله إلى دعوة الولايات المتحدة لـ(قطع رأس الأفعى الإيرانية). وعلى مدى العقد الماضي تنافس السعوديون والإيرانيون فيما بينهم بشكل لفظي وتواجهوا مع بعضهم البعض ولكن عن طريق وكلاء، ووقعت اعنف حلقة من المواجهات في اليمن عام 2009 عندما دعمت المملكة العربية السعودية الحكومة اليمنية في قمعها لحركة التمرد الحوثية وزعمت السعودية أن المتمردين مدعومون من قبل إيران، واستجاب المتمردون لذلك عبر نقل القتال إلى الأراضي السعودية، وعلى الرغم من أن الهجمات على الأراضي السعودية كانت مهمة إلا أن الصراع كان يجري خوضه من وراء الكواليس وفي الخفاء حيث كان السعوديون مرتاحين بشكل كبير إلا أن المفاجأة تمثلت في رؤية القوات السعودية وهي تعبر الجسر الذي يربط بينها وبين البحرين بشكل علني. ومع الوجود السعودي المستمر في البحرين والذي جرى الإعلان عنه بشكل جيد، فقد جعلت المملكة العربية السعودية نفسها عرضة للاتهامات بالتدخل والتخريب من قبل الإيرانيين، ورغم انه من المستبعد أن تقوم إيران بنشر قوات عسكرية لمواجهة النشاط العربي إلا أنها ستعمل بالمقابل على دعم وتقوية حلفاءها الداخليين وجعلهم أكثر عدائية، وحتى الأحداث ذات المستوى المنخفض وغير المقصودة يمكن أن تقود إلى إثارة قضايا وأحداث اكبر، وبالفعل أدانت اكبر مجموعة شيعية إسلامية بحرينية معارضة (الوفاق) في الخامس عشر من آذار قرار الحكومة بفرض الأحكام العرفية ودعت إلى تدخل دولي، وهناك أسئلة مهمة تطرح هنا وهي: هل سيعرض الإيرانيون المساعدة أم الدعم العسكري؟ وهل ستقبل حركة الوفاق ذلك؟ وقدمت إيران التماساً إلى الأمم المتحدة للنظر في التدخل السعودي في البحرين، وتدور الشائعات حول استهداف الجنود السعوديين وتعرضهم لهجمات محلية، ومن شأن المعركة الجارية بين القوات السعودية والمقاتلين البحرينيين المدعومين من إيران أن تتحول بسهولة إلى صراع عنيف ومزعزع للاستقرار حتى وان لم ترسل إيران مساعدات عسكرية بشكل علني. تهديد أسواق النفط المتوترة: يمكن القول ثانياً أن الانتشار السعودي في البحرين لديه القدرة في التأثير على أسواق النفط العالمية المتوترة وتهديدها وبشكل يتجاوز التأثير الناجم عن القتال الدائر في ليبيا، ويفضل السعوديون وجود أسواق نفط هادئة ذات أسعار معقولة، وعلى الرغم من أن التقلبات الدراماتيكية التي تحصل في أسواق النفط يمكن أن تضيف الكثير إلى خزائن المملكة العربية السعودية إلا أن ذلك يمكن أن يدفع المشترين إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة، ومع وجود الكثير من الاحتياطيات النفطية العالمية تحت سيطرتها، تسعى السعودية إلى الحفاظ على أسعار النفط والحيلولة دون تجاوزها لعتبة الأرقام الكبيرة مما يسمح للمشترين بمزيد من التنويع.

وفي الوقت الحاضر تشهد أسواق النفط حالة من التوتر بسبب انصهار قلب المفاعل النووي في اليابان أولا ثم الجمود الحاصل في ليبيا ثانياً والحرب الدائرة هناك بين قوات القذافي وبين المعارضة، وتعد ليبيا من الدول المهمة المصدرة للنفط فهي تقوم بتصدير (1.2) مليون برميل يومياً ونفطها الخام الخفيف مفيد في مجال التكرير أفضل من معظم النفط الثقيل القادم من أماكن أخرى، ورغم ما يجري في ليبيا فقد عملت قدرة المملكة العربية السعودية على تعويض النقص الحاصل في أسواق النفط العالمية بسبب انقطاع صادرات النفط الليبية على تهدئة تلك الأسواق، ولكن الأحداث في ليبيا تتضاءل أمام حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البحرين وإمكانية انتقال تلك الحالة إلى المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية مما يؤدي إلى قيام مواجهة سعودية – إيرانية، وإذا ما استمرت الاحتجاجات في البحرين وشهدت المنشآت النفطية تخريباً أو انقطاعاً عن التصدير فأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار النفط لأن التجار يراهنون على استقرار الأوضاع وأي تهديد لأمن الممرات البحرية في الخليج (الفارسي) يجعلهم يشعرون بالقلق مع احتمالات التخريب الإيراني لحقول النفط السعودية التي لا تبعد سوى أميال قليلة، وهناك من يرى أن استمرار حالة عدم الاستقرار في البحرين يمكن أن تؤثر على أسواق النفط العالمية على الرغم من أن بعض المحللين المختصين بشؤون الطاقة يرون أن الأحداث في البحرين لم تخلق حالة من الذعر في الأسواق النفطية العالمية وان ما يجري في البحرين موضوع ثانوي حتى الوقت الحاضر. تعميق الانقسام بين السنة والشيعة: بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الإرهابية، والهجمات التي شنها تنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية عام 2003-2004، قام الملك عبد الله بإجراء مجموعة من الحوارات رفيعة المستوى مع الزعماء والقادة الشيعة، وكان الهدف من وراء تلك الحوارات تحويل الحوار الداخلي ليكون بعيدا عن التطرف المناهض والمضاد للشيعة، خصوصاً وان العلاقات بين السنة والشيعة لديها سجل ضعيف داخل المملكة، وترجع السياسات المناهضة للشيعة والهجمات ضدهم إلى بداية تأسيس المملكة وربما حتى قبل ذلك، وبالنسبة للسعوديين الشيعة دفع التهميش المنهجي والمنظم إلى جانب عدم تلبية مطالبهم إلى التشكيك في إمكانية تصحيح أوضاعهم وتحسينها، ويمكن القول أن احتجاجاتهم وتحشدهم عام 1979 خلال الثورة الإيرانية جعلت مسألة بناء الثقة مشروعاً صعباً، ولهذا السبب تم الترحيب بمبادرة الملك عبد الله وجرى زيادة الإنفاق العام في المناطق التي يقطنها الشيعة إلا أن جهود ومساعي الملك لم يجري متابعتها وتطويرها. وتعد جهود ومساع الملك وتصريحاته التي أدلى بها في مؤتمرات الأمم المتحدة دليلاً على النظر إلى التصدع السني – الشيعي المتزايد باعتباره أمراً لا يصب في مصلحة المملكة، ومع ذلك فأن هذا الانقسام السني – الشيعي هو بالضبط ما سوف تؤدي إليه الجهود العسكرية السعودية، واتفقت دول