وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : القدس العربي
الخميس

١٤ أبريل ٢٠١١

٧:٣٠:٠٠ م
236724

السعودية تقود الثورة المضادة

کتب «الدکتور سعيد الشهابي» كاتب ومفکر بحريني يقيم في لندن في مقال نشرته "صحیفة القدس العربي" أن حکام السعودیة یقودون الثورة المضادة في العالم العربي.

وفقاً لما افادته وکالة أهل‏البیت(ع) للأنباء ـ ابنا ـ ما یلی نص هذا المقال:

إنه لأمر معتاد ومفهوم أن تتدخل القوى الغربية لدعم الانظمة الاستبدادية في العالم العربي، فهذا ما اعتادت عليه منذ عقود، ولكن من غير المفهوم ان يتم الصمت على تدخلها لتوجيه مسيرة 'الثورات' الشعبية. ولقد كان من المفرح جدا ان يطلق على المرحلة الحالية 'ربيع الثورات العربية' ولكن ما المصطلح المناسب لوصف مرحلة 'الثورة المضادة'؟ والسؤال هنا:

هل ما يزال ربيع الثورات مستمرا؟ ام ان العالم العربي دخل مرحلة الثورة المضادة؟ فاذا كانت الثورات الشعبية تسعى للتغيير الجذري في الانظمة الاستبدادية التي جثمت على صدورها اكثر من نصف قرن، فما دور التحالف الغربي مع الدول النفطية في الثورة المضادة؟ وهل يمكن المواءمة بين رواد الثورة وزعماء الثورة المضادة؟ هل يمكن للولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية ان تكون داعمة للقوى الثورية؟ من المسؤول عن هذا التداعي في التصور والتفكير لدى الكثيرين الذين يعتقدون بذلك؟ أين هم المفكرون الذين يسخرون اقلامهم لمواجهة 'الثورة المضادة' بشجاعة ووضوح واصرار؟ فاذا كان 'المثقفون' و'المفكرون' و'العلماء' قد تخلفوا عن ارادة الشعوب التي ثارت لاصلاح انظمتها السياسية، فاضطر الشباب لاعلان ثوراتهم متمسكين بشعار 'الشعب يريد اسقاط النظام' فلماذا يواصلون صمتهم المريب وهم يرون القوى المضادة للثورة تجهز عليها في وضح النهار؟ لماذا يكون للشعارات التي طرحتها تلك القوى ذلك الاثر البليغ في نفوس الاطراف التي يفترض ان تكون رائدة للثورة؟ ما الجديد في تلك الشعارات؟ فبعد صمت تواصل عقودا، اصبحت واشنطن تتحدث عن ضرورة 'الاصلاح السياسي' و'الممارسة الديمقراطية'، ولكنها لم تنس مقولات 'الخطر الايراني' ومعه 'الخطر الطائفي' 'وضرورة الحفاظ على الامن والاستقرار' وهي مصطلحات، برغم قدمها، اصبحت تتجدد وتدخل ثقافة 'ربيع الثورات'، وتصبح الشعار الاول لقوى الاحتلال والاستبداد التي تفرض اليوم مشروع 'الثورة المضادة'. فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أعمق الشعور بالاحباط لدى جيل الثورة التي يتم اجهاضها على كافة الاصعدة.

وبرغم ما يقال عن التغير في مصر بعد سقوط حسني مبارك، فان المسيرات المليونية التي ما تزال تنظم بين الحين والآخر الا مؤشر على حالة الاحباط لدى شباب الثورة الذين لم يعودوا اللاعبين الوحيدين في الساحة السياسية، بعد ان تم 'ترويض' طموحات ميدان التحرير. بل ان شيخ الازهر نفسه أكد في لقاء اجرته معه قناة 'النيل' الاخبارية في الاول من هذا الشهر ' أن الثورة المضادة تسعى الى خلق حالة من الفوضى داخل المجتمع المصري، في محاولة لجعل الشارع المصري يترحم على النظام السابق والاستقرار الذي كان يوفره'. ولا بد من الاعتراف بان الحديث عن الثورة المضادة قد لا يكون متمحورا حول قضية جوهرية تتصل بحقيقة هذه الثورة، فقد يرفع هذا الشعار كل من لديه ازمة سياسية ام اقتصادية ام ايديولوجية، ولكن من المؤكد ان هناك من يسعى لمنع تبلور اهداف ثورة شباب 25 يناير المصرية التي من ابرزها قيام نظام جمهوري ديمقراطي يسيطر الشعب فيه على مقاليد الامور، ولا يخضع لتأثيرات قوى محلية او اجنبية تعمل في الخفاء وتسعى لمصادرة سلطة الشعب. ومن وسائل الثورة المضادة في مصر اثارة الفتنة الطائفية سواء بين المسلمين والمسيحيين ام بين طوائف المسلمين انفسهم. فالاعتداء على كنائس المسيحيين ظاهرة خطيرة خصوصا في بلد كبير مثل مصر الذي يفترض ان يقدم نموذجا للتعايش السلمي بين الاديان. كما ان استهداف دور العبادة التابعة للصوفيين والشيعة تطور خطير لا يمكن فصله عن اساليب الثورة المضادة. وفي مطلع الشهر قامت مجموعة من الجماعة السلفية الوهابية التكفيرية بهدم اربعة ' اضرحة ' لاولياء الله المعروفين بزهدهم وتقواهم فى منطقة 'قليوب' بدعوى أنها 'حرام شرعا'، وقال أعضاء فى الجماعة إن هدم الأضرحة لن يقتصر على الأقاليم وحدها، وإنما لا بد أن يطول الأضرحة الكبرى فى القاهرة، مثل مسجد الحسين والسيدة نفيسة وغيرهما، فـهذه 'بدعة'. ومن المتوقع تصاعد مثل هذه الاعمال التي تؤدي الى البلبلة في المجتمع لمنع الاستقرار اللازم لاقامة نظام ديمقراطي حديث في مصر. ومن هنا اصبح من الضروري استيعاب اهداف الثورة المضادة واساليبها التي من اهمها اثارة المسألة المذهبية لمنع تحقق الوحدة التي تدفع المجتمعات للبحث عن حريتها ومواجهة انظمتها الاستبدادية.

وتجدر الاشارة الى ان الطائفية سلاح فاعل استعمل بعد انتصار ثورة ايران لمنع انتقال عدوى تلك الثورة للعالم العربي. ولمواجهة ربيع الثورات العربية بهدف اجهاضها، تطرح المسألة الطائفية مجددا لاشغال الجيل الثورة الناهض وابعاده عن القضايا الحقيقية للشعوب العربية. وفي مقال نشر على موقع 'الاهرام' المصرية في 29 اذار/مارس، تحت عنوان 'الفتنة الطائفية أبرز أساليب الثورة المضادة' ناقش الكاتب، اشرف سيد، هذه الظاهرة ونسب الى الدكتور سيد صادق ـ استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية ـ قوله ان الفتنة الطائفية منتشرة في الدول الديكتاتورية ذات الانظمة السلطوية وليست في الدول الديمقراطية.

الدكتور/محمد غنيم'منسق الجمعية الوطنية للتغيير': تصرفات السلفيين قد تكون من مظاهر الثورة المضادة وكذلك الامر في تونس التي اصبح شبابها يشعرون بان ثورتهم لم تكتمل وان الثورة المضادة نجحت في احتوائها. وتأكد لهم ذلك عندما تصدت الشرطة لاعتصامهم في ميدان القصبة الذي كان في إطار احتجاجات سياسية لها علاقة بـ 'هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي' التي شكلتها الحكومة المؤقتة مؤخرا. وفي 11 اذار/مارس كتب منير السعيداني مقالا بعنوان: 'في الثورة المضادة' جاء فيه: الثورة المضادة حركة دائمة متلونة ومتعرجة هي أيضا بقدر تلون الأفعال الثورية وتعرجها. الثورة المضادة في تونس تدخل دورة أخرى من دوراتها بعد التطورات الأخيرة في ليبيا الثائرة هي أيضا. التآمر على الثورة الليبية بتعلة تقديم الدعم اللوجيستي الأوروبي والأمريكي لها وجه من وجوه الثورة المضادة'.

فما مؤشرات هذه 'الثورة المضادة'؟ فهل هي قائمة حقا ام ان ذلك اختلاق محض يروجه البعض ممن يحمل 'اجندات خاصة'؟ كانت الثورة في تونس مفاجئة للجميع ومنهم قوى الثورة المضادة، وكذلك ثورة مصر. وسعت تلك القوى لاجهاض مطالب الشعبين بدفع الثوار لـ 'الحوار' مع رئيسي البلدين المخلوعين. ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل لانها لم تستند لمشروع متين بل ردات فعل آنية. ولكن تحركت تلك القوى على وجه السرعة لوقف مسلسل الثورات. وجاءت زيارة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون للمنطقة بعد ايام من سقوط حسني مبارك، متزامنة مع زيارة وليام بيرنز وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية، للتعرف عن قرب على القوى الثورية لتحديد اسلوب التعامل معها. كاميرون زار ميدان التحرير بالقاهرة وتحدث الى قادة الثورة والى المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الاعلى الحاكم، ولكنه لم يلتق بجماعة الاخوان المسلمين. يومها كانت ثورات اخرى قد اندلعت في البحرين وليبيا، واصبح على قوى الثورة المضادة اتخاذ مواقف عاجلة، فلم يكن لديها مجال واسع للمناورة. ولكن سرعان ما استعادت الموقف وبادرت لاحتواء كافة الثورات العربية. وحتى المستمر من هذه الثورات يتعرض لمحاولات الاجهاض او الاحتواء او الحرف عن الهدف الاساس. وهنا اصبح للمال النفطي دور جوهري في تلك المحاولات. فهو يستعمل للتأثير على السياسات الغربية خصوصا الامريكية والبريطانية من جهة، والاستثمار في المجال الاعلامي المضاد للثورة من جهة ثانية، وتمويل الطرح الطائفي بشكل مكثف لتغيير اولويات الرأي العام من جهة ثالثة، وقد يعمد في المستقبل غير البعيد لتمويل اعمال الارهاب لتبرير المزيد من القمع السلطوي والتدخل الغربي.

قوى الثورة المضادة تتصدرها السعودية، وتدعمها الولايات المتحدة وبريطانيا، ولا يمكن فصل البعد الاسرائيلي عن التحالف المضاد للثورة. وقد اصبحت هذه القوى تعمل علنا، فهي تتدخل بأشكال شتى في شؤون الثورات. ففي البحرين، تتدخل بالقوة والسلاح والجيوش لقمع ثورة الشعب، وفي اليمن تسعى لفرض 'مصالحة' و'حلول وسط' بين الشعب والرئيس علي عبد الله صالح، او استبداله بشخص يخضع للتأثير السعودي والامريكي. وفي ليبيا، تصدرت السعودية، عبر مجلس التعاون، الضغط على الجامعة العربية لطلب التدخل العسكري، فجاء التدخل الغربي ليس من اجل حسم الامور بل لتعقيدها. فهو محصور حتى الآن بالقصف الجوي بدون تواجد للقوات الارضية. ومن شأن ذلك اعادة الوضع بين القذافي ومعارضيه الى حالة من الجمود التي اما ان تؤدي الى التقسيم او الى واقع جديد يطلب فيه من التحالف الغربي ارسال قوات ارضية وتكرار تجربة العراق. ولكل من هذه البدائل ثمن مادي وسياسي تدفعه الدول العربية. والخاسر الاكبر في هذه التحركات هم الثوار الذين يتم الالتفاف على مطالبهم واضعافهم بالقتل المباشر (كما في ليبيا) او تشتيت كلمتهم بسياسات الاحتواء وشراء المواقف بالاموال النفطية (كما في اليمن) او بالاحتلال المباشر من قبل القوات السعودية (كما في البحرين). وفي جميع هذه الحالات تتحول الثورات اما الى دعوات اصلاحية ضاغطة فحسب، او الى حرب اهلية تأكل الاخضر واليابس، او الى فرقعة غير ذات جدوى واشخاص مستعدين للاستسلام امام الضغوط الامنية والمالية والسياسية. كل هذا امر يمكن فهمه واستيعابه. ولكن ما ليس مستوعبا ذلك الصمت الذي يسود عالم 'المثقفين' و'العلماء' الذين ينقادون وراء السياسات السعودية والامريكية والبريطانية الهادفة لقمع ثورات الشعوب. كيف يمكن لمثقف ان ينساق وراء دعوات تمزيق الامة من داخلها؟

يقول بيب اسكوبار، مؤلف العديد من الكتب تعليقا على زيارة وزير الدفاع الامريكي، روبرت غيتس للسعودية الاسبوع الماضي: 'في الوقت الذي يلتقي فيه البنتاغون مع عائلة آل سعود في اللحظة الحالية فكل منهما يقول: انني احب رائحة الثورة المضادة في الصباح'. ويضيف الكاتب: 'نعم انها رائحة اقوى من النابالم، وهي تشبه رائحة النصر. فالثورة المضادة التي يقوم بها التحالف الامريكي السعودية تحقق نجاحا، والايدي نحو الاسفل، ضد الثورة العربية العظيمة للعام 2011'.

في هذه الثورة المضادة لم يوفر هذا التحالف وسيلة وهو يتصدى لدعاة الثورة والحرية والديمقراطية. فقد استعمل الاموال النفطية على اوسع نطاق، واسترخص أرواح البشر في العواصم الثائرة، وعبر عن دعمه المكشوف لانظمة القمع بوضوح، ولم يحتج اي منهم على البشاعات التي ترتكبها تلك الانظمة بحق مواطنيها. بل ذهبت واشنطن لأبعد من ذلك بتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للاجتياح السعودي للبحرين، برغم اعتراض الرأي العام الدولي ضد ذلك الاجتياح. وفيما يطرح وجود تنظيم القاعدة كمبرر للاستمرار في منع النظام اليمني من السقوط، ترفع الشماعة الايرانية لتبرير الثورة المضادة في البحرين. وتقدم الذرائع الاخرى لتبرير اعاقة حسم الثورة الليبية. وبموازاة ذلك تتبنى الثورة المضادة شعار الطائفية لمنع تلاحم ابناء الامة وهم يطرحون مطالبهم الاصلاحية والديمقراطية واجهاض محاولات التغيير بأي ثمن. وقد تضاعفت الضحايا في الاسابيع الاخيرة في هذه البلدان، في الوقت الذي اكدت المعلومات فيه ان السعودية قد خصصت اموال النفط الهائلة لدفع فواتير الحرب في ليبيا. وفيما اعلنت قطر والامارات مشاركتهما في فرض الحظر الجوي على ليبيا، ذكرت المعلومات ان السعودية تلعب دورا مباشرا لاختيار النظام الذي سيحل محل علي عبد الله صالح، وان المعارضة اشترطت رحيل الرئيس قبل اية مفاوضات. مع ذلك تسعى السعودية لفرض بديل موال لها في صنعاء، ولذلك تتواصل معاناة اليمنيين بانتظار حسم الثورة وانتهاء عهد علي عبد الله صالح. وقد تردد ان الغربيين وافقوا على السماح للسعودية بالتصرف مع البحرين بالطريقة التي تراها، في مقابل تمويل العمل العسكري الغربي ضد نظام معمر القذافي ليبيا. لقد اصبح واضحا وجود مشروع سعودي غربي لوأد ثورة الشعوب العربية، والسيطرة على نتائجها، وعدم السماح لها بتحويل بلدانها الى انظمة ديمقراطية تشجع الشعوب الاخرى على اقتفاء اثرها. ولذلك تعيش الشعوب العربية اوضاعا مضطربة بين الامل باصلاحات حقيقية (وهذا لم يحدث حتى الآن حتى في مصر وتونس) او التعرض للمزيد من القمع والتعذيب والتنكيل (كما يحدث في البحرين هذه الايام من قتل على الهوية، واعتقال لكل من شارك في الثورة من علماء ومفكرين واطباء ونقابيين وحقوقيين ونساء ورجال).

العالم اصبح اليوم على مفترق طرق خطير، فاما لدعم الثورات العربية جميعا بدون استثناء او انتقائية، وذلك يعني منع انظمة الحكم من الاستعمال المفرط للقوة ضد متظاهرين سلميين. واما دعم الانظمة القائمة برغم مساوئها وتقاريرها السوداء وسياساتها القمعية. انه خيار بين التخلف والتحضر، بين القمع والحرية، وبين الموت والحياة، لان الشعوب تموت يوميا في ظل انظمة القمع، وتزداد حيوية في ظل التحدي الديمقراطي والاصلاح والانفتاح. وفي هذا الخضم اصبح من الضرورة بمكان ان يتصدى المثقفون والمفكرون والعلماء للثورة المضادة التي تقودها السعودية، لانها، ان نجحت فلن تأمن الشعوب العربية في اوطانها، بل سيعود القمع أكثر مما كان عليه قبل 'ربيع الثورات'.

..................

انتهی / 101