تصميم القذافي رجح الكفة، حاليا على الاقل، في صراع البقاء لحكام الدول العربية ضد شعوبها الثائرة. السعودية سارت في اعقابه وبعثت بجيش للبحرين لانقاذ حكم الاقلية السنية من غضب الاغلبية الشيعية. وطالب الامريكيون بالاصلاحات والانفتاح في البحرين والسعوديون احتلوا عمليا الجزيرة المجاورة، المرتبطة بجسر مع مملكتهم. ويبدو أنهم سألوا أنفسهم ماذا يمكن لأوباما ان يفعله لهم. ان يلقي خطابا آخر؟
القذافي الفظ فحص دوما حدود الطبيعية في سلوك الدول والزعماء. وقد سبق أن اظهر انه يمكن البقاء لسنوات في الحكم تحت العقوبات، التهديدات بل والقصف الامريكي. لا غرو أنه تواقح مع اوباما أكثر من حكام آخرين. هذه طبيعته. ولكن حتى الاشخاص الاكثر لطفا تصرفوا مثله. الشرق الاوسط مليء بالزعماء والحكومات الذين تلقوا مطالب واملاءات من اوباما وببساطة قالوا 'سمعناك' وواصلوا ما كانوا عليه دون ضر.
ايران دفعت الى الامام في السنتين الاخيرتين خطتها النووية ولم تأبه على الاطلاق بالاغراءات والتحذيرات من اوباما. اسرائيل ابطأت لزمن ما توسيع المستوطنات، لان اوباما طلب وبعدها عادت لتبني في المناطق. اوباما اراد استئناف المسيرة السلمية بين اسرائيل والفلسطينيين والطرفان جعلا منه اضحوكة، كل طرف ومعاذيره. وحتى محمود عباس قال 'لا' لأوباما، عندما اقترح عليه الرئيس التخلي عن شجب الاستيطان في الامم المتحدة مقابل رزمة امتيازات وحوافز. خمسون دقيقة على الهاتف وعباس لم يتحرك.
الجانب الصحيح
المنطق في السياسة الامريكية بسيط: اوباما يقدر القوة فقط. فهو يسير مع الاقوياء والحازمين ويركل الضعفاء والواهنين. مؤيدوه دوما سيجدون العذر لهذا الموقف. عندما قمعت مظاهرات المعارضة في ايران بوحشية بعد تزوير الانتخابات للرئاسة في 2009، تنكر اوباما للمتظاهرين وعمليا أيد الرئيس محمود احمدي نجاد، والزعيم الروحي علي خمينئي. ويبدو أنه قدر بان النظام سينتصر وأمل ان تؤدي حياديته الى تحسين العلاقات بين امريكا وايران. المشكلة كانت أن الايرانيين فهموا الامر على نحو مغاير. فقد فسروا موقف اوباما كضعف ولم يبدوا اهتماما بالحوار الذي عرضه عليهم.
في مصر خرجت الجماهير في مظاهرات في الشوارع وفي اللحظة التي ضعف فيها حسني مبارك وتنكر له الجيش، ركله اوباما علنا وشطب 30 سنة من التحالف والتعاون. مؤيدو اوباما شرحوا بان مبارك كان دكتاتورا و(أزعر) والرئيس 'وقف في الجانب الصحيح للتاريخ'. عندما تبين أن الجيش يسيطر على مصر وصرف المتظاهرون من الميدان، اوباما أيد الجنرالات. وسارع المؤيدون الى التعديل والشرح بان اوباما يحث الاستقرار ويتصرف بمسؤولية.
القذافي فهم من هذا انه محظور عليه ابداء الضعف. اذا ما ظهرت قويا فسيذعر اوباما ولن يفعل شيئا. مبارك والرئيس التونسي المطاح به زين العابدين بن علي ترددا في اطلاق النار على المتظاهرين، وطردا من كرسيهما. اما القذافي ففرح بالحرب وحكمه نجا حاليا.
الحملة الانتخابية الناجحة لاوباما للرئاسة وفي مركزها الوعد الجارف بالتغيير بعثت بتوقعات هائلة قبل أن يدخل الغرفة البيضوية زعيما قدوة أبراهام لينكولين او فرانكلين روزفلت في صيغة انترنت. وقد تلقى جائزة نوبل للسلام تحت الحساب، دون ان يفعل شيئا. مؤيدوه يدعون انه بمجرد وجوده والمواقف التي تقدم بها، شجع مؤيدي الديمقراطية في العالم العربي وقلص اللهيب في الشرق الاوسط. ادعاؤهم ليس مدحوضا تماما. فقبل انتفاضات الشارع في تونس ومصر، حثت ادارة اوباما جنوب السودان نحو الاستقلال. الحدود بين اسرائيل وجيرانها اكثر هدوءا في عهد حكمه مما في عهود سلفيه بيل كلينتون وجورج بوش.
ومع ذلك، فقد توقع الناس من اوباما سياسة خارجية اكثر فاعلية، دورا شخصيا يسلب اللب ويهز الحكام. المعجبون به وكارهوه على حد سواء قدروا بان اوباما سيفرض على اسرائيل الخروج من المناطق واقامة دولة فلسطينية فيها. وبالفعل، سار اوباما أبعد من اسلافه وأعلن بان حل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني هو مصلحة قومية للولايات المتحدة. ولكن فعله كان هزيلا اكثر بكثير من تصريحاته. وغداة تسلمه منصبه عين جورج ميتشل مبعوثا خاصا الى الشرق الاوسط. فقد صدق على أي حال الادعاءات التي طرحت ضد سلفه في أنه لم يعين مبعوثا رئاسيا الى المنطقة. وسعى اوباما لان يظهر بانه ليس بوش فجند السناتور السابق ميتشيل الذي توسط بنجاح في ايرلندا الشمالية.
ولكن التجربة من ايرلندا، حيث يتحدث الجميع فيها الانكليزية وتعلموا شيكسبير وجيمس جويس، لم تكن ملائمة للشرق الاوسط. فهنا لاحظوا على الفور ان ميتشل عديم القيمة وواصلوا استضافته في محادثات عابثة الى أن اختفت اعقابه. رسميا، هو لا يزال في المنصب ولكن منذ زمن بعيد لم يظهر في القدس وفي رام الله. وحسب كل المؤشرات، فان اوباما ايضا كف عن الاهتمام به وبرحلاته. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعمل مع واشنطن عبر خصم ميتشيل دنيس روس.
غضب وقلق
نتنياهو يخاف اوباما. عندما تسلم منصبه قدر بان الرئيس سيحاول اسقاطه من الحكم. خوفه من الرئيس دفع نتنياهو الى تجميد المستوطنات في نهاية 2009. الخوف تبدد عندما فاز الجمهوريون في الانتخابات للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر)، ووقفوا كالدرع في وجه ضغوط الادارة على اسرائيل.
موقف الكونغرس الذي ايده ايضا كبار رجالات الكتلة الديمقراطية دفع اوباما الى استخدام الفيتو ضد شجب المستوطنات في مجلس الامن خلافا لموقفه. ولكن نتنياهو لا يزال قلقا. مؤخرا سأله رجل يميني قديم، لماذا سيعرض قريبا خطة سياسية فشرح نتنياهو بان 'اوباما سينتخب لولاية ثانية'.
بين خبراء السياسة الخارجية في واشنطن يسود الرأي بان اوباما 'يتميز غضبا' من نتنياهو بسبب الجمود السياسي مع الفلسطينيين. هناك من يقترح استخدام الغضب الرئاسي وقلق نتنياهو كرافعتين لفرض تسوية.
مؤيدو الرئيس في وسائل الاعلام الامريكية ـ رودجر كوهين من 'نيويورك تايمز' ودافيد رامنيك من 'نيويو يوركر' ـ دعيا اوباما في الاسابيع الاخيرة الى عرض خطة لتسوية اسرائيلية فلسطينية. كوهين اقترح ان يصل الرئيس في زيارة دراماتيكية الى القدس فيذيب قلب الاسرائيليين. رامنيك كتب بانه محظور على الرئيس ان يخاف اللوبي من اجل اسرائيل، او خسارة اصوات اليهود في الانتخابات.
اما اوباما فلم يأخذ برأيهما، حاليا. منذ هزيمة حزبه في الانتخابات للكونغرس، لطف فاعليته في الداخل وفي الخارج. وهو يفضل الوصول الى توافق مع الجمهوريين والحكم من الوسط. اهتمامه موجه لحملة انتخابه من جديد، وفي هذه اللحظة لا يدخل المرء في مشادات مع قطاعات ومجموعات ضغط ذات قوة مثل مؤيدي اسرائيل.
حتى لو نشر اوباما خطة للتسوية، فان الطرفين سيرفضانها وسيظهر مرة اخرى كخرقة بالية. يبدو أنه ينتظر المعركة الدبلوماسية المرتقبة في الصيف حول اعلان الاستقلال الفلسطيني. هذه ستكون لاوباما فرصة للضغط على نتنياهو وعلى عباس اللذين سيكونان بحاجة لدعمه. مشكوك أن يستغلها في بداية سنته الانتخابية.
والى أن يأتي الصيف، سيتعين على اوباما ان يتصدى لموجات الثورات في الشرق الاوسط، للانظمة المصممة على البقاء على حالها رغم الضغوط من الداخل ومن واشنطن ولعناد نتنياهو في السيطرة على الضفة الغربية.
'نحن لا نريد ايران على مسافة 20 كم منا، وهذا لن يحصل'، اوضح موظف سعودي لمراسل 'واشنطن بوست' دافيد ايكنشيوس، هكذا يعلل السعوديون ارسال الجيش الى البحرين. وهكذا بالضبط يشرح نتنياهو طلبه السيطرة في غور الاردن وفي التلال فوقه، حيث تقع مستوطنة ايتمار.
انتهی/137