وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : القدس العربي
الثلاثاء

١٥ مارس ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
231641

السعودية: سياسة التهديد والوعيد

يعتبر الخطاب السياسي مرآة للفكر والتوجه والممارسة التي يتبناها النظام السعودي منذ عقود من الزمن.
في تصريح صحافي لوزير الخارجية سعود الفيصل عن الاضطرابات المحتملة في السعودية نتيجة التغييرات السياسية والحالة الثورية التي تعم ارجاء الوطن العربي هدد الامير وتوعد بقطع الاصابع وخاصة اولئك المتهمين بالتلاعب بأمن البلاد من الخارج. وقبل ذلك بفترة قصيرة هدد عالم من علماء السعودية وتوعد وطالب بتهشيم جماجم كل من تسول له نفسه بالتظاهر السلمي للمطالبة بحقوق سياسية لا يعتبرها العلامة سعد البريك حقوقا مشروعة.
لا بد لنا من وقفة تأمل في هذا الخطاب الذي اصبح معتادا في المجال السياسي السعودي والذي تدعمه الممارسات السياسية والمواجهات بين المتظاهرين ورجال الامن الذين يأتمرون بخطاب العنف الدموي. وان لم نتفاجأ بمنظومة تهشيم الجماجم المعهودة والمتوقعة من رموز التيار الديني الرسمي السعودي الا ان قطع الاصابع تعتبر بادرة ان دلت على شيء فهي تدل على حالة ذعر وتخبط قد ضربت رمزا من رموز الدبلوماسية الخارجية السعودية وحالة انحطاط واضحة وصريحة. يعتبر وزير الخارجية السعودي ربما مثالا للياقة والادب والاتزان اذا ما قارناه بالبقية المتبقية من اعلام النظام فرغم اختلافنا الجذري والجوهري مع النظام الذي يمثله وزير الخارجية الا انه يجب ان نعترف من باب الموضوعية انه ربما كان ليمارس السياسة بطريقة مختلفة تماما ان كان غير مرتبط بهذه التركيبة السياسية القديمة حيث ان تربيته وثقافته ربما اختلفتا بشكل جوهري عن بقية الاسرة وربما كان ليبرز بشكل مختلف تماما لكن الوزير سقط في مستنقع البيئة السياسية والممارسات الشاذة التي تربط بنظام الحكم السعودي. وهنا لا نبرر خطابه السياسي الدموي وما يستحضره من صور الاصابع المتهاوية التي تسبح في بحيرات دامية ولكننا نسلط الضوء على انعدام فرصة خروج خطاب مختلف تماما عما هو معهود من رحم هذه الاسرة مهما توفرت لها معطيات ثقافية وانفتاح على العالم او نشأة منزلية تختلف عن مبدأ السيف وتبعاته.
لقد انهارت فرص الامل عندما نستمع الى خطابات الاصابع المبتورة التي تختم دعوات وهمية للحوار خاصة بعد ان افرغ النظام السعودي الساحة السياسية من مفهوم الحوار وزج بالمصلحين والناشطين في السجون وان اخرج بعضهم فيجبرهم على التوقيع على تعهدات تلجمهم وتخرسهم تحت سوط الرقيب. يوما بعد يوم تبدو القيادة السعودية بشقيها المزعومين الرجعي والتقدمي كمنظومة منتهية الصلاحية ليس لها من شرعية الى شرعية الاجهزة البوليسية والامنية والاستخباراتية هذا بالاضافة الى خطاب تهشيم الجماجم المعهود. فلا مشاريع تربوية ولا حوارات وطنية ولا امبراطورية اعلامية ولا تنمية وهمية استطاعت ان تمتص الغضب والتململ من نظام اصبح عبئا على المجتمع في الجزيرة العربية. اثقل كاهله واخرجه من مسيرة التاريخ وزج به في دوامة وازدواجية رهيبة فصمت شخصيته الى شطرين وشتتت جهوده في اتجاهات مختلفة وبذرت ثروته الى الابد وقمعت طموحه وقتلت فيه روح المواجهة ولكنه اليوم بدأ هذا المجتمع باعادة صياغة شخصيته ولم شمله الفكري وتكثيف جهده ليخرج من دوامة الفرقة والتشرذم تحت شعارات مختلفة ومتباينة لكن لها وحدة واحدة وهي الاتفاق على التغيير السياسي الآن وليس غدا. وباستمرار خطاب العنف وقطع الاعضاء وتهشيم الجماجم تجد الجزيرة العربية بكافة اطيافها الاجتماعية والسياسية والفكرية نفسها في خطر كبير ومنزلق رهيب نصبه لها النظام السعودي. ان استمر هذا النظام في قمع المظاهرات السلمية واستعمال الذخيرة الحية فهو قد اعلن انه يتبع سياسة الارض المحروقة بعد زواله وخلال المواجهة معه.
عنف النظام سيؤدي اولا الى بداية مشروع تقسيم السعودية الى كانتونات طائفية وقبلية ومناطقية تتناحر وتتقاتل وتدار معاركها من غرفة عمليات سعودية خاصة ونرجو من جهاز الامن وعناصره ان لا يكونوا جند التقسيم عندما يطلقون النار على المتظاهرين والمعتصمين بشكل سلمي صرف. لتصرخ نساؤنا في وجوههم 'وطني لا تقسموه' وليسمع هؤلاء الخطاب الآخر الذي ينادي بالوحدة الوطنية والدينية في مواجهة اكثر الانظمة تعسفا ودموية تختبئ تحت قفازات حريرية.
ثانيا: العنف السعودي سيؤدي الى فتح الباب على مصراعيه امام تدخل خارجي شئنا ام ابينا اما بشكل حظر جوي او مصادرة او تأمين المرافق النفطية فالسعودية حسب المصادر الغربية هي بنك العالم النفطي الذي يضخ النفط حسب الطلب وبسرعة فائقة لتعويض السوق عن اي تناقص في الموارد النفطية. فما هو موقف النظام عندما تمارس عليه عمليات الحظر الجوي فوق المنطقة الشرقية او فوق مكة والمدينة ان استفاق اهلها ونقضوا عنهم حاجز الخوف والتريث. وما هو موقف العالم الاسلامي عندما يعم الارهاب السعودي مناطق مقدسة؟ لهذا يجب على نظام القمع ان يفكر اكثر من مرة عندما يطلق العنان لغرائزه الدموية ويتصدى لشباب مسالم يطالب بأبسط الحقوق المدنية والسياسية ويكف عن لغة البتر والقطع والتهشيم.
نحن لم نعد نقبل كشعب مثل هذا الخطاب ناهيك عن الممارسات الشاذة التي تدينها الشرائع السماوية والمواثيق العالمية والتي تهدف الى اختلاس الارادة الانسانية وقدرتها على مقاومة الظلم والاستئثار بالسلطة والموارد الاقتصادية. ثالثا العنف السعودي والمتمثل بحشد قوات الامن امام متظاهرين مسالمين لارهابهم سيسلط على النظام من هم حتى هذه اللحظة من مؤيديه والمدافعين عنه والتي لم تتجاوز مطالبهم حتى هذه اللحظة المطالب الممكن الاستجابة لها. لقد انفض عن النظام اكثر المؤيدين له والمعترفين بشرعيته خلال السنوات الماضية لذلك عنفه الحالي سيجعله يقف وحيدا ليس له سوى مدرعات ربما لا تستجيب لنداء استغاثته في حالة استمرار المواجهات بين الامن والمتظاهرين. ان كان التاريخ يعلمنا دروسا فهناك درس واحد نستحضره اليوم. لقد اعتمد النظام السعودي في عملية تأسيس جذوره على العنف منذ اليوم الاول وجاءت نهايته على يد قوة اجنبية في بداية القرن التاسع عشر ولكنه لم يستطع العودة الى حكمه الا بمساعدة خارجية بريطانية لانعدام الشرعية والتي على اساسها تبنى الدول والاوطان ولكن نحن اليوم بصدد صفحة جديدة في منظومة النظام السعودي والتي تتميز عن السوابق التاريخية حيث ان التهديد الحقيقي قد انطلق من داخل الجزيرة العربية ومن قبل شرائح متباينة ومتجانسة في نفس الوقت جمعتها الرغبة في التغيير الجذري السياسي وقد تجلى ذلك بوضوح وصراحة عندما تقاربت الرؤية والتحمت المطالب تحت لواء مشروع وطني اصلاحي ينقل البلاد من حالة الفوضى والفساد الى مرحلة جديدة تتطور فيها الانظمة والممارسة لتصبح اكثر قربا من هموم المجتمع وتطلعاته وتفتح باب الحوار الحقيقي في الساحة السياسية العامة حتى لا تلجأ اطياف المجتمع الى الخارج من اجل التعبير عن طموحاتها.
اتضح جليا خلال الازمة السعودية الحالية ان الاصوات المعارضة والمنتقدة اتجهت ليس الى الاعلام العربي المرهون بالحقبة التسلطية السعودية والذي لا يزال سجينا للارادة القمعية بل الى الاعلام الخارجي فأصبح ابناء الجزيرة العربية مشدودين امام شاشات التلفزة التابعة لدول اخرى من اهمها الاعلام الايراني الناطق بالعربية كقناة العالم والاعلام الفلسطيني في المهجر كقناة الحوار او القنوات الغربية الموجهة للعالم العربي كقناة البي بي سي والحرة وغيرهما من اعلام فرنسي وروسي وصيني. وان كانت هناك دلالة على مثل هذا التوجه فهي تظهر مدى التعتيم والتضليل الذي يمارسه الاعلام السعودي على عملية التغير السياسي في الجزيرة العربية فنلاحظ ان ازلام النظام نفسه مشدودون للاعلام الخارجي طيلة اليوم يراقبون ويتعلمون كيف تكون المواجهة بين الاصوات الحرة والانظمة القمعية. العنف السعودي بشقيه السياسي الذي يوعد المجتمع بقطع الاصابع والآخر الديني الذي يبشر بتهشيم الجماجم وجهان لعملة واحدة فقدت قيمتها في سوق الانظمة وان كان الشعب قد اعتاد على الشق الديني والسياسي الا انه اثبت قدرته على التصدي والمقاومة في وجه اكبر آلة عسكرية مهمتها الاولى والاخيرة مواجهة الشعب وليس العدوان الخارجي، ان فشل المقاومة السلمية في التغيير السياسي سيطلق العنان لتكهنات خطيرة يكون النظام السعودي اول ضحيتها لذلك يجب ان يقف النظام وقفة تأمل وتفكير قبل ان تنطلق الشرارة التي ستجر الجزيرة العربية الى دوامة عنف وتدخل خارجي وتقسيم مخيف وسيكون هذا النظام وليس الاصوات المنادية بالاصلاح من يحرك دوامة العنف ويجر البلاد الى مستقبل غامض وخطير. لن يحل عنف وزير الخارجية او دموية الخطاب الديني معضلة الاصلاح والتغيير الحقيقي.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

انتهی/125