وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

١٠ مارس ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
230829

السجود علی التربة الحسینیة1

المقدّمة

اعتبرت الشريعة الإسلامية الصلاة ركناً من أركان الدين الإسلامي، وشرّعت للصلاة صورتها المطلوبة والتي تتكوّن من أركان وأجزاء وشروط مطلوب توفّرها، لتكون الصلاة صحيحةً عند المشرّع سبحانه وتعالي. والسجود ركن من أركان الصلاة الواجبة والمسنونة في الإسلام بلا ريب، بل هو أفضل أجزاء الصلاة وهو من أوضح مظاهر العبودية والانقياد والتذلّل من قبل المخلوق لخالقه، وبه يؤكّد المؤمن عبوديته المطلقة للّه‏ تعالي وهو الغاية القصوي للتذلّل والخضوع، ولذلك لم يرخّص اللّه‏ لعباده أن يسجدوا لغيره. ولا بحث بين المسلمين جميعاً في أن مَن يُسجد له هو اللّه‏ سبحانه وتعالي دون غيره، وهو من ضروريات الدين التي يكفر منكرها ويخرج من حظيرة الإيمان. وأما ما يجوز أن يسجد عليه، فقد اتّفق المسلمون جميعاً بمختلف مذاهبهم علي صحّة السجود علي الأرض وترابها، بل علي أفضلية السجود علي تراب الأرض، حسبما وردت به النصوصالنبويّة الشريفة. وسوف نركّز البحث علي استقراء النصوص الشريفة الواردة حول ما يصحّ عليه السجود وما لا يصح لنري الموقف الشرعي من السجود علي الأرض وترابها أوّلاً. وحكم السجود علي ما أنبتته ممّا لا يؤكل ولا يلبس وممّا يؤكل ويلبس ثانياً. ونكتشف من خلال هذه النصوص السنّة من البدعة ثالثاً. وحكم السجود علي التراب رابعاً. ثم بيان ما يصحّ السجود عليه عند الشيعة خامساً. وفضيلة التربة الحسينية وما تمتاز به سادساً، ومن خلاله نكتشف السرّ في الاهتمام بالتربة الحسينية واتّخاذ قطع منها للسجود عليها عند جمع من المسلمين. وسوف نقدّم هذه البحوث كما يلي: البحث الأوّل: النصوص الواردة حول ما يُسجد عليه. البحث الثاني: أفضلية السجود علي التراب. البحث الثالث: ما يصح السجود عليه عند الشيعة. البحث الرابع: فضيلة التربة الحسينية. البحث الخامس: لماذا الاهتمام بالسجود علي التربة الحسينية.

 

البحث الأول: النصوص الواردة حول ما یسجد علیه

نقدّم في هذه الفقرة ما جاء في الكتب الحديثية الستة، وغيرها من أُمّهات المسانيد والسنن،من سنّة رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) الواردة فيما يصحّ السجود عليه، ونمضي علي ضوئها ونتخذها سنّة، وطريقة حقّة لا محيد عنها، وهي علي ثلاثة أقسام:

 

القسم الاول: ما یدلّ علی صحّة السجود علی الأرض

1 ـ «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»1 . وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء. وفي لفظ الترمذي: «جُعلت لي الأرض كلّها مسجداًوطهوراً»، عن عليّ، وعبداللّه‏ بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عبّاس، وحذيفة وأنس، وأبي أُمامة، وأبي ذر. وفي لفظ البيهقي: «جُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً». وفي لفظ له أيضاً: «جُعلت لي الأرض طيّبة طهوراً ومسجداً، وأيّما رجلٍ أدركته الصلاة صلّي حيث كان»2 . 2 ـ «الأرض لك مسجداً فحيثما أدركت الصلاة فصلّ»، قال (صلّي اللّه‏ عليه وآله) لأبي ذرّ3 . 3 ـ ابن عبّاس: إنّ النبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) سجد علي الحجر4 . 4 ـ أبو سعيد الخدري، قال: أبصرت عيناي رسولاللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) وعلي أنفه وجبهته أثر الماء والطين5 . 5 ـ عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت سحابة فمطرت وأُقيمت الصلاة فسجد رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) في الطين والماء حتّي رأيت الطين في أرنبته6 وجبهته»7 . 6 ـ رفاعة بن رافع مرفوعاً، ثم يكبّر فيسجد فيمكّن جبهته من الأرض حتي تطمئنّ مفاصله وتستوي8 . 7 ـ ابن عبّاس، وأنس وبريدة بإسناد صحيح مرفوعاً: ثلاثة من الجفاء: يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، وفي لفظ واثلة ابن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من الترابحتي يفرع من الصلاة9. 8 ـ جابر بن عبداللّه‏، قال: كنتُ أُصلّي مع رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) الظهر فآخذ قبضة من حصيً في كفّي لتبرد حتي أسجد عليه من شدّة الحرّ. وفي لفظ لأحمد: كنّا نصلّي مع رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) صلاة الظهر، وآخذ بيدي قبضة من حصيً فأجعلها في يدي الأُخري حتي تبرد ثم أسجد عليها من شدّة الحرّ. وفي لفظ البيهقي: كنت أُصلّي مع رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصي في كفّي حتّي تبرد، وأضعها بجبهتي إذا سجدت من شدّة الحرّ. فقال البيهقي، قال الشيخ10: ولو جاز السجود علي ثوب متّصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصي في الكفّ ووضعها للسجود عليها، وباللّه‏ التوفيق11 . 9 ـ أنس بن مالك: كنّا نصلّي مع رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليهوآله) في شدّة الحرّ فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه12. 10 ـ عياض بن عبداللّه‏ القرشي: رأي رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) رجلاً يسجد علي كور عمامته، فأومأبيده ارفع عمامتك، وأومأ الي جبهته13 . 11 ـ عليّ أمير المؤمنين: «إذا كان أحدكم يصلّي فليحسر العمامة عن جبهته»14 . 12 ـ قال أبو سعيد الخدري: جاءت سحابة فمطرت وأُقيمت الصلاة فسجد رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) في الطين والماء حتّي رأيت الطين في أرنبته وجبهته15 . وهذه الرواية تدل علي أنّه لو جاز السجود علي غير الأرض لوضع النبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) شيئاً من الثياب. 13 ـ نافع: إنّ عبداللّه‏ بن عمر كان إذا سجد وعليه العمامةيرفعها حتي يضع جبهته بالأرض16 . 14 ـ عبادة بن الصامت: أنّه كان إذا قام إلي الصلاة حسر العمامة عن جبهته17 . 15 ـ أبو عبيدة: إنّ ابن مسعود كان لا يصلّي أو لا يسجد إلاّ علي الأرض18. 16 ـ إبراهيم: أنّه كان يقوم علي البردي ويسجد علي الأرض. فقلنا: ما البردي؟ قال: الحصير19. 17 ـ صالح بن حيوان السبائي: إنّ رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) رأي رجلاً يسجد بجبينه وقد اعتمّ علي جبهته فحسر رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) عن جبهته20 .

 

القسم الثاني: فیما ورد في السجود علی ما ینبت من الأرض غیر المأکول و الملبوس

1 ـ أنس بن مالك: إنّ جدّته مليكة دعت رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: قوموا فلأُصلّي بكم، قال أنس: فقمت الي حصير لنا قد أسودّ من طول ما لُبس، فنضحته بماء، فقام رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) وصففت، واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا.. الحديث21 . وروي النسائي في سننه: إنّ أُمّ سُليم سألت رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) أن يأتيها فيصلّي في بيتها فتتّخذه مصلي (فأتاها)، فعمدت الي حصير فنضحته بماء فصلّي عليه وصلّوا معه22 . وفي لفظ ابن ماجة في سننه قال: صنع بعض عمومتي للنبيّ طعاماً فقال للنبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله): إنّي أُحبّ أن تأكل في بيتي وتصلّي فيه، قال: فأتاه وفي البيت فحلٌ من هذهالفحول فأمر بناحية منه فكنس ورشّ فصلّي وصلّينا معه. قال أبو عبداللّه‏ ابن ماجة: الفحل هو الحصير الذي قد أسودّ23 . وفي سنن البيهقي: كان رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) يقيل24 عند أُمّ سُليم، فتبسط له نطعاً فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها، وتبسط له الخُمرة25 ويصلّي عليها26 . والسنن أيضاً بلفظ آخر قال: صنع بعض عمومتي للنبيّ طعاماً فقال للنبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله): إنّي أُحبّ أن تأكل في بيتي وتصلّي فيه، قال: فأتاه وفي البيت فحلٌ من هذه الفحول فأمر بناحية منه فكنس ورشّ فصلّي وصلّينا معه27 . وأخرجه ابن الجعد في الصحيح عن أنس قال: نضح بساط لنا فصلّي عليه28 . 2 ـ ابن عبّاس: كان رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله)يصلّي علي الخُمرة29. 3 ـ أبو سعيد الخدري: إنّه دخل علي النبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله)، فرآه يصلّي علي حصير يسجد عليه30. 4 ـ ميمونة أُم المؤمنين: كان رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) يصلّي وأنا حذاؤه وربّما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلّي علي خُمرة31 . 5 ـ وعن عائشة قالت: قال لي رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله): ناوليني الخمرة من المسجد قالت: فقلت: إنّي حائض فقال: «إنّ حيضتك ليست في يدك»32 . 6 ـ ابن عمر: كان رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) يصلّيعلي الخُمرة ويسجد عليها33 . 7 ـ أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين: كان لرسول اللّه‏ حصيرة وخُمرة ويصلّي عليها34 . 8 ـ أنس: كان رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) يصلّي علي الخُمرة ويسجد عليها35.

 

القسم الثالث: فیما ورد في السجود علی غیر الأرض لعذر

1 ـ أنس بن مالك: كنّا إذا صلينا مع النبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدّة الحرّ، طرح ثوبه ثم سجد عليه36. وفي لفظ البخاري: كنّا نصلّي مع النبيّ (صلّي اللّه‏ عليهوآله) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحرّ في مكان السجود37 . وفي لفظ مسلم: كنّا نصلّي مع النبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) في شدّة الحرّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه38. وفي لفظ: كنّا إذا صلّينا مع