شبهات و اجابات
أثار بعضهم شبهات علي زواج المتعة، وفيما يلي عرضاً موجزاً لتلك الشبهات مع الإجابة عليها:
* الشبهة الأُولي: وصف الزواج المؤقت ماهو إلاّ ستار عن وجه الفحشاء والزنا، حيث علّق أحمد أمين المصري علي تحريم عمر للمتعة فقال: وقد أصاب عمر الصواب بإدراكه أن لا كبير فرق بين متعة وزنا47 .
الجواب: إنّ القول بأنّ المتعة تشبه الزنا، أو أنّ المتعة هي الزنا فهو مجازفة خطيرة حتي لو كانت منسوخة، لأنّ ذلك يعني أنّ الشارع المقدّس قد أباح الزنا ثمّ حرّمه، فهل يُقبل بذلك مسلم؟!
ويبدوا أنّ الذين يردّدون هذه الشبهة كأنّهم لم يطّلعوا أصلاً علي مفهوم الزواج المؤقت وحقيقته، لأنّ الزواج المؤقت ـ كما أشرنا سابقاً ـ يشتمل علي مقررات وقيود نظير ما في الزواج الدائم48، وهي العقد والمهر والأجل، ومثل العقل والبلوغ، وعدم المانع الشعري من نسب، أو سبب أو رضاع وغير ذلك. وأما الزنا فلا عقد فيه ولا يلحق الولد بأبيه ولا يرثه ولا علاقة زوجية ولا عدّة عليها، فتشبيه المتعة بالزنا قول باطل وقائله مكابر ومجادل .
نعم يمكن القول بأنّ الزواج المؤقت تشريع قابل للاستغلال من قبل النفوس الهابطة والمريضه.
والجواب حينئذٍ: إنّ الدنيا مليئة بالظواهر الإيجابية التي تقع عرضة لاستغلال سيء من أفراد سيّئين، والحلّ في مثل هذه الحالة ليس في تحريم هذه الظواهر، وإنّما في إيجاد سبل من شأنها الحيلوله بين هذه الظواهر الإيجابية وبين الاستغلال السيّيء لها، فبإمكان الحاكم الإسلامي أن يشترط في تنفيذ حكم الزواج المؤقت الشروط الزمانية اللازمة لإنقاذ هذا التشريع من مخالب الاستغلال والمستغلّين.
* الشبهة الثانية: إنّ زواج المتعة هروب من الأحكام الشرعية المترتّبة علي الزنا، لأنّه لا شهود فيه، فيمكن لكل زان أن يضبط مع عشيقته أن يدّعي أنه عقد عليها بالمتعة.
الجواب: إنّ اللّه تعالي قد شرّع هذا الزواج الذي لا إشهاد فيه في صدر الإسلام وذلك معناه أنّ اللّه قد شرع للناس في صدر الإسلام كيفية الهروب من أحكام الزنا .
2 ـ إنّ أحكام الزنا إن كانت ثابتة، فلا ينفع الهروب منها، بل لا يتحقق ذلك، وإن لم تكن ثابتة كان ذلك دليل مشروعية زواج المتعة، وعدم صحة التهديد بالرجم من قبل الخليفة الثاني لمن نكح إمرأة إلي أجل.
3 ـ علي أنّ الحدود تدرأ بالشبهات، وهناك وسائل إثبات شرعية لابدّ من الإنتهاء إليها والاعتماد عليها كالإقرار ونحوه. ويلاحظ: أنّ الشارع لم يفسح المجال في وسال إثبات الزنا، حتي أنّه ألزم بأن يشهد أربعة ثقات برؤيتهم للزنا كما يكون الميل في المكحله . . وهيهات أن يتيسّر ذلك .
4 ـ علي أنّه يمكن للحاكم أن يتّخذ إجراءات تمنع من ذلك، ولو بإلزام الناس بتسجيل هذا الزواج في الدوائر المختصّة ، كما هو الحال بالنسبة للزواج الدائم.
5 ـ ويقال: إنّ هناك من يمارس الزواج الدائم من دون إشهاد، وهو ما يعرف بالزواج العرفي، فلماذا لا يمنعون منه؟49 .
الشبهة الثالثة: زواج المتعة فيه احتقاراً لشخصية المرأة، وهدراً لكرامتها، حيث تؤجر نفسها للرجل ليقضي منها شهوته في مقابل شيء من المال .
الجواب: منذ متي كان إعطاء المهر في عقد شرعي، وزواج معترف به يعطي عن المرأة انطباعاً كهذا؟! وهل إعطاء المهر الذي عبّر عنه القرآن بالأجر، يجعلها بغيا وأجيرة شأنها شأن بنات الهوي، وبائعات اللذّة؟! وهل إذا لم يعطها مهراً وتراضيا علي الزنا ـ والعياذ اللّه ـ يصبح الزنا مشروعاً ومقبولاً ، ولا يتضمّن احتقاراً للمرأة؟! وهل بذل المهر يجعل المرأة مهانة ومحتقرة؟! وعدم وجوده يعيد إليها عزّتها وكرامتها؟!
إنّ القرآن قد عبر عن المهر بـ «الأجر» بالنسبة الي الدائم والمنقطع علي حدّ سواء، قال تعالي: (اِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ)50. وقال تعالي بالنسبة الي المنقطع: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ...)51ولم يوجب هذا التعبير في كلا الموردين نقصاً في مقام المرأة، ولا امتهاناً لكرامتها . . ونسأل هؤلاء : ماذا يقولوا فينكاح المرأة بملك اليمين الذي يقرّ به أهل السنّة، ألا يرون في ذلك احتقاراً للمرأة أيضاً؟!52
النتیجة:
و هكذا يتّضح لدينا أنّ ما عليه نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة و نصوص الصحابة و التابعين هو تشريع الزواج المؤقت بالإجماع وعدم ثبوت النسخ له عند كثير من الصحابة والتابعين، و لا سيّما عند أهل البيت الطاهرين و هم «عليّ» سيد الوصيين و أبناؤه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) وعلماء مدرستهم الفقهية جيلاً بعد جيل .
فالزواج المؤقت زواج مشروع بنصّ الكتاب والسنّة كالزواج الدائم في الشريعة الإسلامية، و يختلف عنه في بعض الأحكام التي أشرنا إليها. وما نقل عن عمر بن الخطاب غير صالح لإثبات دعوي النسخ كما اعترف بذلك غير واحد من الصحابة و التابعين .
ونظراً للجهل المطبق بفقه وعقائد الشيعة الإمامية وخاصة في مسألة المتعة، فقد أُثيرت شبهات منكرة حول هذه المسألة التي هي حقيقة إسلامية أقصتها الإجتهادات عن ساحة الحياة .
-----------------------------------
1سورة النساء: الآية 24 .
2تفسير الطبري جامع البيان: ج5 ص 18 ـ 19، الكشاف، الزمخشري: ج1، ص519؛ تفسير الرازي (التفسير الكبير): ج10 ص49، شرح صحيح مسلم، النووي: ج5 ص300 ـ 301 (كتاب النكاح، باب المتعة).
3مسند أحمد: ج1 ص181 و337؛ أحكام القرآن، الجصّاص: ج2 ص185، السنن الكبري، البيهقي: ج7 ص205 ـ 206؛ تفسير البيضاوي: ج2 ص171 ـ 172، تفسير ابن كثير: ج1 ص486؛ الدر المنثور: ج2 ص140؛ تفسير الآلوسي: ج5 ص5، فتح القدير، الشوكاني: ج1 ص449.
4تفسير المنار: ج5 ص13.
5سورة النساء: الآية 24.
6أضواء علي عقائد الشيعة الإمامية: ص468.
7تفسير الميزان: ج4 ص272.
8سورة النساء: الآية 3.
9سورة النساء: الآية 4 .
10سورة النساء: الآية 24.
11اُنظر: أضواء علي عقائد الشيعة الإمامية: ص466 ـ 468.
12سورة النساء: الآية 4.
13سورة النساء: الآية 20 .
14سورة البقرة: الآية 236 ـ 237 .
15انظر: تفسير الميزان: ج4 ص273.
16صحيح مسلم: ج4 ص131 كتاب النكاح، باب المتعة، السنن الكبري، البيهقي: ج7 ص237 ـ 238 (باب ما يجوز أن يكون مهراً)؛ المصنف، الصنعاني: ج2 ص500 ح14028.
17الكشاف، الزمخشري: ج1 ص519 .
18الاستذكار: ج5 ص505؛ بداية المجتهد: ج2 ص47 مطلب الأنكحة، الباب الرابع.
19تفسير الطبري جامع البيان: ج5 ص9 ؛ تفسير الثعلبي: ج3 ص286؛ الدر المنثور: ج2 ص140.
20مسند أحمد: ج4 ص429 ما أُسند عن عمران بن حصين؛ صحيح البخاري: ج2 ص153وج5 ص158، وصحيح مسلم: ج4 ص48؛ السنن الكبري، النسائي: ج6 ص300 ح11032؛ الدرّ لمنثور: ج1 ص216.
21فتح الباري: ج9 ص150 (باب نهي النبيّ (صلّي اللّه عليه وآله) عن المتعة)؛ قال الشوكاني في نيل الأوطار: ج6 ص271؛ من المشهورين بإباحتها ابن جريح.
22اُنظر: العقيدة الإسلامية علي ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام