وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأحد

٦ مارس ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
230091

حقیقة المتعة ؛

المتعة ؛ سنة في زمن الرسول(ص) و أبي بکر ـ (الحلقة الأولی)

مقدمة

يقوم تشريع الزواج في الإسلام علي خطّين:

الأوّل : الزواج الدائم.

والثاني : الزواج المؤقّت، فهو يشترك مع جوهر الزواج الدائم من جهة صرف الشهوة في طريق الحلال، وحفظ الأنساب والحيلولة دون اختلاطها، ورعاية مظاهر العفّة والاحتشام في المجتمع، ويمتاز من جهة ثانية في أُمور جانبية لا تمس جوهر الزوج، ففي الزواج المؤقّت عقد ومهر وعِدّة وأجل محدود، وينتفي فيه الميراث والنفقة.

وهذا النوع من الزواج ثابت من الناحية الشرعية بنصّ الكتاب العزيز والسنّة الشريفة ولها آثار منها أنه صمّام الأمان الذي يحول دون وقوع المجتمع في رذيلة الزنا، ولم يخالف أحد من المسلمين في تشريعه في عصر الرسول (صلّي اللّه‏ عليه وآله). وكلّ ما حصل بشأنه أنّ الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب قد منعه وعاقب عليه، فتبعته مدرسة الخلفاء اعتمادا منها علي مبدئها القائل بحجية عمل الصحابي، ومنهم من نزّل ذلك منزلة النسخ له. وقد ظهرت إدّعاءاتشتي منها: أنّ التحريم والمنع بدأ من عصر النبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) نفسه، وأنّ القرآن قد نسخ آية المتعة.

ولأجل إجلاء الحقيقة في هذه القضية التشريعية المهمّة لابدّ لنا من المرور بنقاط أربع:

النقطة الاُولي: الزواج المؤقت في الكتاب والسنّة.

النقطة الثانية: هل أنّ عمل الصحابي حجّة؟

النقة الثالثة: هل نُسخ حكم الزواج المؤقت ؟

النقطة الرابعة: موقف الصحابة والتابعين من الزواج المؤقت.

------------------------------------

النقطة الأولی: الزواج المؤقت في الکتاب و السنة

لقد أجمع أهل القبلة كافة علي أنّ اللّه‏ تعالي قد شرّع هذا النكاح في صدر الإسلام، ولا يرتاب في أصل مشروعيته أحدٌ من علماء المذاهب الإسلامية علي اختلافها، والكتاب العزيز يدلّ علي مشروعيته ، كما أنّ الأخبار في مشروعيته نُقلت حتي عند من يدّعي نسخه .

أما الكتاب العزيز : فقد قال اللّه‏ تعالي: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...)1 وكان أُبي بن كعب وابن عبّاس وسعيد بن جبير وابن مسعود والسدّي يقرأونها «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلي أجل مسمي» أخرج ذلك عنهم الطبري في تفسير الآية من تفسيره، وأرسل الزمخشري في الكشّاف هذه القراءة، إرسال المسلّمات ، وكذلك الرازي في تفسيره، وشرح صحيح مسلم للنووي في أوّل باب نكاح المتعة2. واضافة هذه الجملة «الي أجل مسمي» منهم شارحة وغرضهم بيان لامعني والمورد والتفسير.

وأيّد الإمام أحمد بن حنبل فيمسنده ، وأبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن، وأبو بكر البيهقي في السنن الكبري، والقاضي البيضاوي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور، والقاضي الشوكاني في تفسيره، وشهاب الدين الآلوسي في تفسيره نزول هذه الآية في موضوع المتعة، بأسناد تنتهي الي أمثال ابن عبّاس، وأُبي بن كعب، وعبداللّه‏ بن مسعود، وعمران بن حصين، وحبيب بن أبي ثابت من الصحابة، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومجاهد من التابعين عن ابن عبّاس3.

وليس بالإمكان تفسير الآية بالنكاح الدائم كما أصرّ عليه صاحب تفسير المنار4، وذلك للأسباب التالية:

1 ـ ما مرّ من أنّ عدداً من الصحابة كانوا يقرأون الآية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً...)5 بإضافة جملة شارحة في الوسط هي «الي أجل مسمّي» ، وغرضهم منها بيان المعني والمورد والتفسير، وهذه الجملة الشارحة لا تنسجم إلاّ مع النكاح المؤقت.، ثم إنّ تعليق دفع الأُجرة علي الاستمتاع في قوله سبحانه: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ...) يناسب نكاح المتعة الذي هو الزواج المؤقت لا النكاح الدائم، فإن المهر هنا يجب بمجرد العقد ولا يتنجز وجوب دفع الكل إلاّ بالمس، وأما الزوج المتعارف فيختلف حسب اختلاف العادات العرفية، فربّما يؤخذ قبل العقد وأُخري يترك إلي أن يرث أحدهما الآخر6.

2 ـ إنّ الآية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ...) مدنية نازلة بعد الهجرة علي ما يشهد به معظم آيات سورة النساء، ونكاح المتعة كانت دائرة بينهم معمولة عندهم في تلك البرهة من الزمان من غير شك، وقد أطبقت الأخبار علي تسالم ذلك سواء كان الإسلام هو المشرّع لذلك أو لم يكن، فأصلوجوده بينهم بمرأي من النبي ومسمع منه لا شكّ فيه، وكان اسمه هذا الاسم ولا يعبّر عنه إلاّبهذا اللفظ فلا مناص من كون قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) محمولاً عليه مفهوماً منه هذا المعني كما أنّ سائر السنن والعادات والرسوم الدائرة بينهم في عهد النزول بأسمائها المعروفة المعهودة كلّما نزلت آية متعرّضة لحكم متعلق بشيء من تلك الأسماء بإمضاء، أو ردّ، أو أمر، أو نهي لم يكن بدّ من حمل الأسماء الواردة فيه علي معانيها المسمّاة بها من غير أنّ تحمل علي معانيها اللغوية الأصلية، وذلك كالحجّ والبيع والربا والربح والغنيمة وسائر ماهو من هذا القبيل، فلم يمكن لأحد أن يدّعي أنّ المراد بحجّ البيت معناه اللغوي أي قصده وهكذا، وكذلك ما أتي به النبيّ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) من الموضوعات الشرعية ثم شاع الاستعمال حتي عرفت بأساميها الشرعية كالصلاة والصوم والزكاة وحجّ التمتع وغير ذلك لا مجال بعد تحقّق التسمية لحمل ألفاظها الواقعة في القرآن الكريم علي معانيها اللغوية الأصلية بعد تحقق الحقيقة الشرعية أو المتشرعية فيها. فمن المتعيّن أن يحمل الاستمتاع المذكور في الآية علي نكاح المتعة لدورانه بهذا الاسم عندهم يوم نزولالآية7 .

3 ـ إنّ آية المتعة واردة في سورة النساء التي ابتدأت بذكر النكاح والزواج الدائم بقوله تعالي: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَ لاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَي فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً...)8 ، وأما أحكام المهر فقد جاءت في الآية التالية: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)9 . ثم ذكر نكاح المتعة في قوله سبحابه: (...وَأُحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ذلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)10 . فهذه الآية ناظرة إلي نكاح المتعة لأنّ الحمل علي النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه. فالناظر في السورة يري أنّ آياتها تكفلت ببيان أقسام الزواج علي نظام خاص ولا يتحقّق ذلك إلاّ بحمل الآيةعلي نكاح المتعة11 .

4 ـ الآيات النازلة قبل آية نكاح المتعة قد استوفت بيان وجوب إيتاء الأجر في النكاح الدائم مثل (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ...)12 وقوله تعالي: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً...)13 . وقوله تعالي: (لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَي الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَي الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ... ـ الي أن قال ـ : وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ...)14، وبعد بيان وجوب إيتاء الأجر علي جميع تقاديره لا وجه لتكرار بيانه ذلك. علي أنّ آية المتعة وردت فيها كلمة «الأُجرة» وهي تلائم النكاح المؤقت الذي تجب فيه الأُجرة بمجرد العقد15.

أما النصوص والأخبار : فهي متواترة وكثيرة جداً ونشير الي بعضها:

1 ـ عن جابر، قال كنّا نستمتع ... علي عهد رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) وأبي بكر.. ثم نهي عنه عمر16.

2 ـ قال ابن عباس: إنّ آية المتعة محكمة ليست بمنسوخة17.

3 ـ عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبداللّه‏ يقول: تمتعنا علي عهد رسول اللّه‏ وأبي بكر ونصفاً من خلافه عمر ثم نهي عنها عمر الناس18.

4 ـ عن الحكيم، وابن جريح وغيرهما، قالوا: قال عليّ (ع): «لولا أن عمر نهي عن المتعة ما زني إلاّ شقي»19.

5 ـ عن عمران بن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه‏ تعالي ، لم تنزل آية بعدها تنسخها، فأمرنا بها رسولاللّه‏ ، وتمتّعنا مع رسول اللّه‏ (صلّي اللّه‏ عليه وآله) ومات ولم ينهنا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء20.

6 ـ وأخيراً فقد روي ابن جريج وحده ثمانية عشر حديثاً في حلّية المتعة21 فضلاً عمّا ر