ابنا : الحركة الشعبية المباركة:أولاً وقبل كل شيء، أدعوا الله الكريم بأن يرفع درجة شهدائنا عنده، وأن يشفي الجرحة والمعلولين، وأن يرزق عوائل الشهداء وذويهم الصبر والإطمئنان والرضا، والشعور بالفخر والإعتزاز، وألا يستكثروا على الله ما يبطون.
أزف سلامي وتحياتي وتقديري وشكري للمحتشدين في دوار اللؤلؤة، بروحٍ وطنيةٍ عاليةٍ مسئولةٍ حريصةٍ على مصلحة الوطن وسلامته وتصحيح مسار السياسة فيه وكل ذلك قربةً إلى الله سبحانه.
واشكر لهم هذا التقيد الدقيق بالأسلوب السلمي، الذي لا يجيز لنفسه أن يهدر قطرة دمٍ من انسان، أو يتلف ما هو بقيمة فلسٍ واحدٍ من ثروة الوطن، وهكذا يُطلب لهم أن يكونوا بإستمرار.
ثانياً: يعتبر اطلاق السجناء حقاً ثابتا، وضرورةً ملحةً من قبل اليوم، وقد تم اطلاقهم بفضل الله، ثم انه عطاءٌ لحركة الشارع، وبركةٌ من بركات دم الشهداء.
ثالثاً: كل التحركات الإصلاحية والثورات التغييرية في الساحة العربية منطلقها الروح الوطنية التحررية، ومبعثها الظلم والتهميش واحتقار إرادة الشعوب الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة، وموقفنا مع هذه التغييرات والثورات والتحركات لأنها صادقة ووفية ومخلصة ومُخلصة.
ومن الظلم الفاحش أن يُعترف لكل هذه الثورات والتحركات باخلاصها ونزاهتها واستقلالها وضرورتها، وأنها شريفة وعادلة ومحقة وانسانية ووطنية ومشروعة، ولها موجباتها الموضوعية الواضحة كما هو الحق، ثم يستثني مستثنٍ التحرك السلمي الحضاري المقاوم في البحرين من كل ذلك، ويتهمه بالطائفي ويثير حوله غبار التشكيك والتخرصات التي يعلم زيفها، وهو على علمٍ بمعاناة هذا الشعب الكريم وعذاباته، والعنة الذي يلاقيه على يد النظام.
على من يذهب لهذا الإستثناء أن يُراجع دينه وضميره في المسألة، وأن يقول كلمة الإنصاف القاضية بذكر ألف عذرٍ لينفي الشبهة عن هذا التحرك. والمعاناة من سوء الوضع ليست معاناة طائفة خاصة، وإنما هي معاناة شعبٍ كامل بدرجةٍ وآخرى، ولونٍ وآخر.
رابعاً: إذا كان المطلوب للتحرك الشعبي هو الديمقراطية، فهي ديمقراطية لا تهمش أحدا، ولا تلغي أحدا، ولا تقصي أحدا، ولا تضر بحق أحد، ولا تفرض وجهة نظر طائفة على آخرى، ولا تمس هوية مذهبية لأحد، ولا تتيح لهذا أن يأكل ذاك ولا لذاك أن يأكل هذا، ولا تقوم على الصراعات والتناقضات. والبلد ليس بلد حكومةٍ مذهبيةٍ على الإطلاق، ولا البلد الذي يتنكر لهذا المذهب أو ذاك.
خامساً: أما مسألة الحوار، فلا حوار من أجل الحوار، ولا حوار لتضييع الوقت وتمييع المطالب وامتصاص مشاعر الغضب بالتدريج ومع طول الوقت، لا حوار بلا مقدماتٍ عمليةٍ تفتح جو الحوار، وبلا مبادئ معلنةٍ موافق عليها من قبل الدولة تعطي وضوحاً كافياً لموضوع الحوار، وقيمة وانتاجية الحوار، ومن غير ضمانات إلتزام بهذه المبادئ، وجدولة واضحة جدية تضمن تنفيذ منجزات الحوار.
لعشر سنوات والشعب يطالب بالحوار، فتواجه مطالبته بالسخرية والإعراض الإستخفاف والتصلب، ولازنا نرحب بالحوار، ولكنه الحوار الذي يحقق مطلب الشعب بصورة مضمونة قاطعة تعطي للبلد استقراره العادل، وتحقق آمال الشعب[1].
وإن الحوار الذي يستهدف حلاً شكلياً لا يصلح اليوم أن يكون مهدءً وقتيا، فضلاً عن أن يمتلك درجةٍ من الوجاهة والثبات وأن يُعد حلاً ولو لوقتٍ قصير.
لابد أن يكون الحل معالجةً جذريةً قابلةً للحياة، مقنعةً لروح التغيير، قادرةً على البقاء، مستجيبةً للمطالب العادلة.
وقد قلت في خطبة ما قبل تفجر الجديد للأحداث، بأنه كلما اعطى شعباً مزيداً من التضحيات، ارتفع سقف مطالبه، وهو قولٌ ثابتٌ لا مجانبة فيه أبداً للصواب، وكل وقائع الخارجي الخاص والعام تؤكد هذا القول.
وأعود لؤكد على أن الديمقراطية المستهدفة لا خوف معها على طائفةٍ من آخرى، ولا على فئةٍ من ثانية، ولا على مذهبٍ من مذهب، ولا على حرمة أحدٍ من أحد، وليست للتمزق والتشظي، وإنما للائتلاف والالتأم.
سادساً: وإني لأحب لعقلاء الطائفتين ومشايخ الدين فيهما، وخاصةً من سن السبعين والخمسين ومن قارب، أن تغيب عن ألسنتنا جميعاً لغة الشحن الطائفي والدعوة السياسية الطائفية، وأن تحضر عندها ـ أي عند ألسنتنا ـ لغة المصلحة الإسلامية والوطنية العامة، والطالب لمصلحة الإسلام والوطن لا يسعه إلا أن يختار اللغة الثانية على الأولى، ولا يعدل من ذلك إلى ما فيه ضرر الإسلام واهله والوطن وأبناءه.
سابعاً: أعود لتحية المحتشدين في الدوار، وأقول لهم ملخصا، بأن للنجاح أسباباً وشروطاً لا يصح التفريط في واحدٍ منها.
واكتفي هنا لذكر شيءٍ يسيرٍ منها:1ـ الإستمرار على ما اخترتموه وإلتزمتموه من أسلوبٍ سلمي، لا يهدر قطرة دمٍ واحدةً من انسان، ولا يتلف فلساً واحداً من ثروة الوطن.
2ـ حسن الخطاب، نظافة الخطاب، بلا تهديد، ولا توعد، ولا تهافت، ولا شقاق.
3ـ كلما كان الدوار ساحة جدٍ وانضباط، وتوافقٍ وانسجام، وكلما ارتقيتم بهذه الساحة من النظافة المعنوية والمادية، ونأيتم بها عن الشوائب المضرة، كلما قدمتم للعالم الصورة المشعة المطلوبة لتجمعكم، وكنتم مهيئين بدرجةٍ اعلى لتوفيق الله ولطفه وعنايته ورعايته، والعز والنصر من عنده.
إن من اخطر الأسلحة، وافتكها بقوتكم، والتي تحول بينكم وما تطلبون، أن تفرقوا الصفوف بالتخوين والنيل من بعضكم البعض في تسرعٍ وظلم.
وأمرٌ آخر: لقوتكم، ونجاح حركتكم، تجنبوا أن تنفروا حتى من كان خارج التحرك عنه[3]، بالنيل منه واتهامه وتجريحه.
حاولوا ما استطعتم أن تكثروا من أصدقاء التحرك، لا أن توجدوا له أعداء، يمكن أن يكون له أصدقاء اليوم أو في الغد القريب ــ هو بعيدٌ الأن ولكن يمكن أن يلتحم بهذا التحرك اليوم أو في الغد القريب. وبفعلٍ ما وبتجريحه ومهاجمته أنتم تبعدونه ــ أو هو فعلاً من أصدقاءه الذين لا تعلمون. ــ هو خارج التحرك الأن وهو صديق التحرك ولكن لا نعلم أنه كذلك ــ وبمهاجمتنا نسيء لهذا الشخص وإلى أنفسنا.
نحتاج في هذه اللحظات مع الشجاعة والصبر والثبات إلى عقلانية وتثبت، إلى رويةٍ واعمال فكر، ونحتاج إلى تضامٍ وإلتحام.
[1] هتاف جموع المصلين: معكم معكم يا علماء.
[2] العالم يقرأكم من خلال هذا التجمع، بما له من سليبات وإجابيات، وبما عليه من مستوى خلقي ومستوى وعي ومستوى إلتزام، وعقلانية ووعي. كل العالم يقرأنا من خلال هذا التجمع، وكلما اجدتم في تجمعكم، كلما ارتفعتم في نظر العالم وكان التعاطف معكم.[3] هناك داخلٌ معكم في التحرك قد تبقون عليه وقد تطردونه، وهناك خارجٌ من هذا التحرك قد تجتذبونه وقد تبعدونه. فاحسنوا التصرف.
انتهی/158