وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وکالات
الأحد

١٣ فبراير ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
226228

العلاّمة الشیخ عبد الجلیل المقداد:

مهما اشتدت الظروف وتکالب الأعداء فینبغی للأمة أن تعیش الأمل

کان الحدث المصری والأوضاع فی البحرین؛ فی سیاق التحولات الإقلیمیة الجاریة؛ فی صلب هذا الحوار الموسع الذی أجریناه مع العلاّمة الشیخ عبد الجلیل المقداد أحد علماء البحرین البارزین .

ابنا : كان  الوقت مساءا..والیوم هو یوم ذكرى انتصار الثورة الاسلامیة فی إیران وهی تشعل شمعتها 32، الزمن المصری ابى ان یتخلف عن الموعد هذه المرة، تأخر بعمر الثورة الاسلامیة فی إیران، لكنّه جاء، وصل الى 22 بهمن عبر مخاض عسیر، فصار العرس عرسین عرس طهران وعرس میدان التحریر فی القاهرة.هو شیخ قادم من البحرین، فی جبینه شموخ الأحرار، وفی عینیه ومیض فرح بشیء آت، هو یراه لكن كان علینا أن نحفر فی بعض كلماته وإیماءاته حتى نتبین معالمه..هو شیخ لا یؤمن بمعادلات السیاسیة وحساباتها؛ وإن كان لا یسقطها من الحساب؛ لكن منطقه بسیط إذا الشعب أراد فإنّ إرادة الله لا تتخلف.

هو حوار بدا من الحدث الذی نرى فیه إشراقة فجر جدید.. وبؤرة ضوء تنحاز لبؤر الضوء فی طهران وبیروت ودمشق وغزة وانتهى بذكرى الانتصار..وثورة اشتد عودها تغیض الكفار.

س- هناك لحظة تاریخیة تبدو حاسمة لا یمكن القفز علیها لأنها حبلى بالآثار وواعدة بالكثیر من التداعیات..كیف تنظرون  إلى ما حصل فی مصر وكیف تقرأون تفاعلاته؟

ج- لا یخفى علیكم أن ما حصل فی مصر لم یكن فی الحسبان، كلّ ما كان فی الحسبان أن تكون هناك هبّة إصلاحیة  كما هو الحراك فیما اعتاد علیه الإخوان المسلمین مثلا، أما أن یصل الأمر إلى المطالبة بتنحی رأس السلطة ویقع هذا، فهذا ما كان فی الحسبان، وهذا فی الحقیقة یذكرنی بكلام للإمام الحسین(ع):" إلهی إنَّ اختِلافَ تدبیرك وَ سرعَةَ طَواء مقادیرِك منعا عِبادك العارِفینَ بِك عن السكونِ إلى عَطاءٍ و الیأسِ مِنك فی بلاءٍ". فهمهما اشتدت الظروف وتكالب الأعداء فینبغی للأمة أن تعیش الأمل، ولا ینبغی أن تفقد أملها بالله تعالى، وما على الأمة إلا أن تعید ترتیب أورقاها وتوحید صفوفها فالنصر من الله سبحانه وتعالى، فهذا البیت الذی یتردد الآن" إذا الشعب یوما أراد الحیاة/ فلا بد أن یستجیب القدر" أعتقد أن له منشأ دینی، وهو فی مضمونه یتطابق مع الآیة الكریمة (إن الله لا یغیّر ما بقوم حتى یغیّروا ما بأنفسهم)، فإذا غیروا ما بأنفسهم، إذا أرادوا الحیاة الكریمة، إذا أعدوا العدّة ..إذا توحدت الكلمة فالله سبحانه وتعالى یغیّر ما بهم؛ لا بد أن یستجیب القدر بهذا المعنى أیضا، وهذا ینقلنا إلى مطلب آخر فالقوى الظالمة والحكام الظلمة مهما احتاطوا لأنفسهم ومهما كان لهم من أجهزة استخباراتیة إلا أنهم أعجز من أن یحموا أنفسهم إذا الشعب قال كلمته وإذا الشعب رتب أوراقه، بل إن القوى الاستكباریة التی تقف خلف هذه الأنظمة لیست هی من یخرج الفصل الأخیر من المسرحیة، بل الشعوب هی من یفعل ذلك، لاحظوا كیف أن الإدارة الأمریكیة ومعها الدول الأوربیة سعت لأن یكون الإخراج للفصل الأخیر على غیر هذا النحو، أرادوا تحولا شكلیا فی حدود إصلاحات شكلیة تبقى على النظام بأجندته وباتفاقیاته..لكن حینما أصر الشعب لم تستطع قوى الاستكبار أن تفرض سیاساتها وكان أنّ الشعب وأحرار مصر هم من أخرج الفصل الأخیر من هذا المشهد الثوری الرائع.

كل هذا یأخذنا فی الحقیقة لأن نعیش الأمل وأنا كنت أقول ولازلت أقول فی قضیة مصر، برز الطغیان كله إلى الشرفاء كلهم..لماذا؟ لأن ما حصل فی مصر لیس أنّ شعب مصر یقف بوجه نظام، فحسنی مبارك كان ممثلا عن كل الطغاة ولذلك دعموه وتحركت الأموال لأجل إبقاءه، والشعب المصری هو ممثل لكل الشرفاء ولكل الأحرار وممثل لكل المحرومین..فانتصار الشعب المصری انتصار لنا واعتقد أن هذا التحول الكبیر الذی حصل فی مصر سوف تكون له تداعیات كبیرة تداعیات سیاسیة ودینیة.

تداعیاته السیاسیة تكمن فی أنه إذا قدر الله وتغیر هذا النظام بشخوصه وارتباطاته وأجندته مع الأعداء وجاء نظاما آخر أیا كان ولیس بالضرورة نظاما إسلامیا؛ نظام وطنی یعبر عن الإرادة الحرة لشعبه، فسوف یغیر الخارطة السیاسیة. أما على المستوى الدینی فسوف تعی الأمة أن القیم الدینیة هی التی تكفل خلاصها وتحررها، وبالمناسبة نحن لا یمكن أن نقول أن الذی حصل فی مصر حركة دینیة إلا أن الحركة تحمل الكثیر من اللمسات الدینیة، سیكون اثر على المستوى الدینی بالمعنى الأخص أی على المستوى المذهبی لأن دولة مصر التی تمثل الشریان الأكبر للأمة العربیة وهی أیضا ذات حضور إسلامی، وجامع الأزهر لا یخفى ..انتصار  ستكون له تداعیات على مستوى التقریب بین المذاهب و جمع كلمة المسلمین.

 والنتیجة النهائیة التی أرید أن أخلص إلیها هی انه یشاء الكفر ویشاء الله وما یكون إلا ما یشاء الله، أمریكا بذلت الملیارات واستثمرت إمكانات هائلة من اجل أن تحقق ما سمته بالشرق الأوسط الجدید ولكن أبت إرادة الله سبحانه إلا أن یرسم شرق جدید مختلف ببركة الأخ محمد بوعزیزی الذی كانت شرارته إیذانا ببزوغ شرق أوسط مختلف عما رسمته الإدارة الأمریكیة.

س: ألا ترون أن تجربة كل من مصر وتونس كانت المبادرة فیها بید الشباب، الا یعتبر هذا تجاوزا لنمط وأطر العمل الحزبی التقلیدی حیث تبدو السقوف السیاسیة منخفضة جدا.

كیف ترون انعكاس الحدث على الأحزاب السیاسیة لجهة السقف السیاسی اللغة السیاسیة و الخطاب السیاسی؟

ج- فی الحقیقة هذه الحركة الشبابیة یجب أن نتعلم منها الكثیر فقد حققوا مالم یستطع أن یحققه الكبار..علینا أن نصدق أنها قادرة على تحقیق سقف أكبر من السقف الذی تطرحه، وفی الحقیقة فالتخوفات التی تطرحها بعض الأحزاب من قبیل أن هذه أنظمة شرسة ولا ترحم وأنها مدعومة ونحن لا نستطیع أن نناطحها.. فهؤلاء الشباب الذین اعتمدوا على ذواتهم وتوكلوا على الله نجحوا، وفی ذلك درس لنا، وعلینا تعلم درس آخر؛ فالكبار علیهم أن یتواضعوا للشباب وان لا یحصروا المبادرة والتفكیر للخروج من المآزق بهم فقط وكأنهم أوصیاء على الأمة، فنحن لا ننكر أن للكبار خبرة وللكبار حنكة، لكن علیهم أن یكونوا على صلة بالشباب الذین یتمیزون بالهمة والنشاط وهم أكثر تفاعلا بمعطیات العصر.

س: هذا یقودنا إلى البحرین وتظاهرة14 فبرایر حیث تبدو هذه الحركة وهذه الدعوة عاریة من أی غطاء سیاسی، ففی خطبة الجمعة لاحظت أن سماحة الشیخ عیسى قاسم لم یشر للأمر یشكل مباشر؟

ج- أشیر أولا إلى أن ما تفضلتم به لیس صحیحا، فهذه الحركة لها غطاء، نعم لیس من كل الجهات، لكن توجد جهات لها موقف آخر، نعم الجهات الأكثر شعبیة لم تغطی هذه الحركة سیاسیا إلا أنها  ولله الحمد - وهذا من بشائر الخیر- فهی وإن لم تدعم هذا التحرك بصورة واضحة ومباشرة إلا انّها لم تصادره وما وقفت فی وجهه ، وهذا اعتبره بالنسبة لوضعنا فی البحرین تقدما مهما، وخطاب سماحة الشیخ عیسى قاسم إذا تأمل فیه المرء وان لم یدعم التحرك لكنه وجّه العتاب واللوم للسلطة لمصادرتها حقوق الأمة وحریاتها وتكمیمها للأفواه.

النقطة الثانیة أن سنة الله فی خلقه واحدة والسنن الكونیة عامة و مصر لیست استثناء فیما قدر لها من نصر ونجاح، إرادة الله كانت معهم ، نحن أیضا تجری فی حقنا هذه السنن الكونیة إذا ما رتبنا الأوضاع، وإذا ما قمنا بخطوة إلى الأمام وطالبنا بحقوقنا وأعلنا مطالبنا السیاسیة كما ینبغی، فسوف نحقق بإذن الله سبحانه النجاح، فالحسابات والمعادلات المادیة مزعجة، وأنا لا أقول بطرح هذه الحسابات لكن التعمق فیها یأسر الإنسان ویقیده ..ما حصل فی مصر لم یكن لیتحقق وفقا للحسابات والمعادلات المادیة، فلا ینبغی لنا أن نتكل على هذه الحسابات، بل علینا أن نتوكل على الله ونوحد صفوفنا وسنحقق الأهداف إن عاجلا أم آجلا.

س: فی البحرین یُروّج لما یسمى بثوابت خط العلماء والحفاظ على الاستقرار، ألا ترون أن هذه التی تقدّم على أنها ثوابت تقید الحراك الشعبی وتلجم الحركة الشعبیة اذا اصطدمت بتقدیر مختلف عند العلماء؟

ج- أما بشان الاستقرار فعن أی استقرار نتكلم، هل بخروج هؤلاء الشباب سنفقد الاستقرار؟ الملاحقات والتضییق وتكمیم الأفواه وإشاعة الرعب، فالبلد لا یعیش حالة استقرار فمنذ ما سمی بالمشروع الإصلاحی إلى الآن والبلد بعیدة عن الاستقرار..لأن هناك ظلم واستبداد واستئثار بمقدرات الناس واستبداد بالقرار السیاسی..لا یوجد حالة استقرار حتى نقول أنها ستفقد.هذا أولا، وثانیا فالحدیث عن الاستقرار یكون سائغا فی ظل أوضاع صحیة وفی ظل عدالة وتنمیة ورخاء وحریات..هنا یُخشى على هكذا استقرار، أما الاستقرار المصاحب للقمع والاضطهاد وتكمیم الأفواه فهو لیس بالاستقرار الحقیقی.

أما موضوع العلماء فشئنا أم أبینا وعلى مر التاریخ  هناك أمزجة مختلفة وقناعات مختلة ورؤى مختلفة، ومن الصعب أن یجتمع الناس على رأی واحد..ففی التاریخ هناك فریق یحمل رؤیة وهنالك فریق یحمل رؤى أخرى.

وهناك علماء لهم رؤیة أخرى وان كان الأكثر من العلماء هم مع الرؤیة التی لا تتفق مع كثیر من التحركات لقناعات عندهم ولاجتهادات عندهم من قبیل الحفاظ على الأمن والاستقرار، لكن یوجد علماء آخرون لدیهم رأی خلاف ذلك.

س: عرف عنكم تحفظكم على المشاركة السیاسیة، ولعل الملف الأمنی الأخیر الذی اصطنعته السلطة یعزز من موقفكم هذا. لكن ما هو البدیل فی تقدیركم وما هی الشروط لمشاركة فعالة وإیجابیة؟

ج- كنت دائما اطرح أمرین فیما یرتبط بالمشاركة..الأمر الأول أن خیار المشاركة لم یخضع لعملیة حوار حتى یكون قرار طائفة تبحث فی مسالة المشاركة أو المقاطعة من جمیع جهاتها و تحدد فی ضوء ذلك ما هو الأصلح للطائفة.

الأمر الثانی الذی كنت أشیر إلیه هو إذا كان القرار قرار بالمشاركة فالأداء ینبغی أن یكون بمستوى الواقع الذی نعیشه؛ أداء یمكن أن یغیر من المعادلة، فإذا لم یتیسر لك الأداء الذی یغیر من المعادلة الحاكمة فی البلد، فعلما المشاركة؟!

س- كل المشاركات السیاسیة الإسلامیة فی العالم العربی لم تحقق شیئا من التأثیر فی المعادلة الحاكمة؟

ج- هناك حد أدنى لا بد أن تحققه المشاركة وألا تحولت إلى عبث، إذا لم تكن المشاركة قادرة على تحقیق عدالة فی توزیع الثروة، إذا لم تكن قادرة على ممارسة رقابة على أداء الدولة، إذا لم تكن قادرة على إیقاف الطائفیة، إذا لم تستطع أن تحد من بطش قوات الأمن.. فلا معنى لها.

المعادلة واضحة جدا، المشاركة لأجل ماذا؟ إذا كان الوضع لا یسمح بالتغییر، إذا كانت لا تعطی نتیجة، أو أنّ النتیجة فی مقابل ثمن باهظ، إذا كان هناك استبداد فی السلطة ولیس لی سبیل لإیقاف المستبد وانسدت كل السبل أمامی.. یبقى سؤال المشاركة لماذا مشروعا؟ ثم إذا كانت المشاركة لتحقیق بعض المكاسب الصغیرة لكن فی مقابل الكثیر من السلبیات فان ذلك فی تقدیری لا یستدعی المشاركة.

س: الم