وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وکالات
الأربعاء

٩ فبراير ٢٠١١

٨:٣٠:٠٠ م
225386

الثورتان الايرانية و المصرية

فقد كان الامام الخميني مصرا على أن لا يصطدم أتباعه مع الجيش تحت أي ظرف، وكان يقول إن الجيش الإيراني جزء لا يتجزأ من الشعب الإيراني، ورغم ارتدائهم الزي العسكري فهم في نهاية الأمر بشر مثلنا ولهم قلب وشعور. لا تهاجموا الجيش في صدره وإنما هاجموا قلبه واستهدفوا وجدانه.

ابنا : إن عواصف التغيير العنيفة التي هبت في أرض مصر والانتفاضة المدوية التي فجرها الشباب، أذهلت العالم وأثارت أملا لدى البعض وقلقا لدى البعض الآخر. وفي خضم التصريحات السياسية حول هذا الحدث العظيم، بدأ بعض السياسيين والمحللين الغربيين والإسرائيليين يحذرون من سقوط مبارك الذي يمكن أن يؤدي إلى سيطرة للإسلاميين على الحكم، على غرار الثورة الاسلامية عام ۱۹۷۹ في إيران التي حولت أكثر النظم ولاءً للغرب وإسرائيل إلى أشدها عداءً لهما.

أوجه الشبه إذا بحثنا عن وجوه الشبه بين الثورتين فأول شيء يجلب الانتباه هو توقيت الحدثين. فالمظاهرة المليونية التي عمت مصر يوم ۱ فبراير/شباط ۲۰۱۱ توافقت مع حدث آخر وقع في إيران يوم ۱ فبراير/شباط لعام ۱۹۷۹ حيث شهدت العاصمة الإيرانية أكبر حشد جماهيري في تاريخ البلاد وذلك حسما للصراع المرير المتمثل في الاضرابات الشاملة والمظاهرات الساخنة التي استمرت عدة شهور.

إن تزاوج السلطة والثروة وتشابك مصالح رجال المال والسياسيين في هرم الدولة وتفشي الفساد في مؤسسات الإدارة والاقتصاد شكل عاملا أساسيا في انفجار كلتا الثورتين . إذا كان الخبراء قد اتهموا الشاه بسرقة بلايين الدولارات -أردشير زاهدي أحد المقربين من إيران يكتب في مذكراته أن الشاه كان متهما بسرقة ۳۱ مليار دولار- فإن وسائل إعلام عالمية وصحفا وخبراء ومنظمات دولية تقدر ثروة آل مبارك بما بين أربعين وسبعين مليار دولار أميركي.

كما كان لشاه إيران وأسرته مشاريع اقتصادية وبنوك خاصة حيث أصبح فسادهم وإسرافهم وبذخهم الشديد مضربا للمثل في العالم ، كما هو الحال الآن بالنسبة للرئيس مبارك وابنيه الذين جعلوا من الاقتصاد المصري أرقاما بهلوانية تتلاعب بها حاشية الرئيس وأفراد أسرته.

كما أن تكريس سياسة الحزب الواحد واتباع أساليب عنيفة لتصفية المعارضه تصفية جسدية ومعنوية وتزايد حدة التضخم وارتفاع درجة الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية أدت إلى احتقان نفسي شديد أدى إلى تفجر الثورة الإيرانية.

إن التغييرات الاقتصادية المبنية على الرأسمالية وتأثيرها السلبي على الفئات الاجتماعية المختلفة ، وقمع الجماعات السياسية وفقدان الحريات العامة كانت من العوامل التي مهدت للثورة الإيرانية "نيكي آر كيدي في كتابه جذور الثورة الإيرانية"، الأمر الذي ينطبق على الحالة المصرية أشد الانطباق.

أما فريد هوليداي في مقال بعنوان "الثورة الايرانية" فيتحدث عن عوامل خمسة : تنمية رأسمالية غير متوازنة، وضعف سياسي للنظام، وتحالف قوى المعارضة، ودور الدين في التعبئة الجماهيرية، والجوّ الدولي.

ثمة شبه بين النهج الذي اتبعه شاه إيران في الحكم والنهج الذي اتبعه حسني مبارك في مصر. فالشاه لم يستوعب روح عصره وكان متقوقعا على التراث الشاهنشاهي القديم، والرئيس مبارك رغم أنه لم يدع تمثيل الأسرة الفرعونية في القرن الواحد والعشرين لكن منهجه في الاستخفاف بشعبه وعقليته السياسية وسلوكه مع معارضيه خلال ثلاثة عقود كان مصداقا لقول الله تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه" الزخرف/۵۴ و"ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" غافر/۲۹ و"إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد" غافر/۲۶.

إن سماع خطاب نائب الرئيس المصري الذي أكد أكثر من مرة على الحساب العسير الذي ينتظر المتظاهرين جعلني أتذكر قول فرعون عندما قال : "فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى" طه/۷۱. ومن تابع خطاب الرئيس المصري بعد اندلاع المظاهرة المليونية وجد أن ثقافة التحنيط البدني الرائج في عصر الفراعنة القدامى تحولت إلى تحنيط عقلي ونفسي في وجود فراعنة مصر المعاصرين.

ومن ناحية أخرى فإن شاه إيران، رغم علاقته الشديدة بالنظام الشاهنشاهي القديم، كان يتظاهر بالديمقراطية ونظام الأحزاب والبرلمان كمثيله المصري. فقد قام الشاه بتأسيس حزب "رستاخيز" أو"الانبعاث" (او البعث)، وكان يطلب من أفراد الشعب الانضمام إلى هذا الحزب. وفي نفس الوقت الذي كان الشاه يتشدق فيه بالديمقراطية كان جهاز الأمن الإيراني "سافاك" وبلطجية النظام يثيرون الهلع والذعر في أوساط المجتمع ، وكان برلمانه مجمعا لأنصاره ومؤيديه.

وقد قام الشاه في أيامه الأخيرة بتعيين شابور بختيار، أحد أقطاب المعارضة الليبرالية، ليشكل حكومته. وبعد تشكيل الحكومة طلب بختيار من الامام الخميني أن يمنحه هدنة لمدة ۳ أشهر حتى ينظم أموره لمواجهة الأوضاع الجديدة ولكنه قوبل بالرفض، فطلب منه مهلة شهرين ثم قوبل بالرفض مرة أخرى، وأخيرا طلب منه ۳ أسابيع وقوبل بالرفض أيضا.

وحاول بختيار أن يعيد قواه ويبسط سيطرته الأمنية فأعلن حظر التجول، لكن الناس تدفقوا إلى الشوارع وتحدوا حظر التجول وأفشلوا الخطة. وعندما رأت الحكومة أن الشعب في حالة هيجان، أعلنت أنها غير مسؤولة عن أمن المجتمع، وعلى إثره قام الشعب بتشكيل لجان شعبية تبسط الأمن وتنظم أمور السوق وتتولى مهمة المرور وأظهر بذلك كفاءة ومقدرة أدهشت العالم.

تحييد الجيش ثمة شبه في طريق تعامل الثورتين مع الجيش. كان للشاه جيش مدرب ومجهز يبلغ قوامه ۷۰۰ ألف جندي وضابط لقمع الشعب. وللتغلب على قوة القمع هذه كان هنالك رأيان: حزب مجاهدي خلق وفدائيان خلق والمثقفون الذين تخرجوا من جامعات غربية كانوا يفكرون في المقاومة المسلحة، أما الامام الخميني فكانت له إستراتيجة أخرى مبنية على أن الطريقة الوحيدة للصمود أمام الجيش هي نزع سلاحه، وإستراتيجية "نزع سلاح الجيش" لم تكن مفهومة لدى الآخرين.

فقد كان الامام الخميني مصرا على أن لا يصطدم أتباعه مع الجيش تحت أي ظرف، وكان يقول إن الجيش الإيراني جزء لا يتجزأ من الشعب الإيراني، ورغم ارتدائهم الزي العسكري فهم في نهاية الأمر بشر مثلنا ولهم قلب وشعور. لا تهاجموا الجيش في صدره وإنما هاجموا قلبه واستهدفوا وجدانه. عليكم أن تناشدوا قلوبهم ولو فتحوا عليكم النار. وإذا أراد الجيش أن يطلق النار عليكم فلتعروا صدوركم، فدماء كل شهيد ناقوس يوقظ ألفا من الأحياء. فلندعهم يقتلون خمسة آلاف، عشرة آلاف، عشرين ألفا، فسنبرهن للعالم أن الدم أكثر قوة من السيف. الهتافات المسجعة التي تفنن الإيرانيون في تأليفها كما هو الحال في مصر كانت تقول: "برادر ارتشي، چرا برادر كشي" يعني: "أخي الجندي لماذا تقتل إخوانك؟".

مع تصاعد وتيرة المظاهرات وقبل سقوط الشاه بشهر قام مجلس الأمن القومي الأميركي بإرسال اللواء رابرت هايزر، مساعد رئيس حلف شمال الأطلنطي، إلى طهران دون علم الحكومة الإيرانية لتدبير انقلاب عسكري يؤمن مصالح أميركا في إيران. ("إجابة للتاريخ" بقلم شاه ايران، و"مهمة في طهران" بقلم رابرت هايزر). وجدير بالذكر أن الجنرالات الذين كانوا على اتصال مع هايزر مثل عبده بدري وأمير حسين ربيعي وأمير رحيمي أعدموا بعد نجاح الثورة الإيرانية.

لا مناص من السنن الكونيةسمعنا أن وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر، اتصل مؤخراً بالرئيس المصري، حسني مبارك، الذي طمأنه على الوضع في بلاده، مؤكدا لصديقه الإسرائيلي أن القاهرة "ليست بيروت ولا تونس". عند سماعي لهذا الخبر تذكرت قول الرئيس الروماني تشاوسيسكو حيث سأله أحد الصحفيين : "يا سيادة الرئيس، إن العاصفة في أوروبا الشرقية عرت كل الأشجار فهل يمكن أن يصيب رومانيا ما أصاب من حولها ؟ فأجاب: "هذا صحيح وقد تغيرت الأوضاع في كثير من دول أوروبا الشرقية ولكن رومانيا شيء آخر ، لا تعرفونها أنتم، نحن نعلمها".

لقد استوعب الشعب المصري العظيم تجربة الثورات الكبرى في تاريخ الإنسان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل استوعبها صناع القرار في البيت الأبيض الذين فوجئوا بالحدث المصري كما فوجئوا بالثورة الإيرانية من قبل ؟ إن قوانين الاجتماع وسنن التاريخ غلابة، فهل من مدكر؟ "أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم؟!".

أيها الشعب المصري العظيم، العالم ينظر إليكم، فليملأ الأمل بالنصر قلوبكم وتذكروا قول النبي موسى عليه السلام حين قال لقومه: "عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون". الأعراف/۱۲۹

انتهی/158