وحين وعدونا بانتخابات نزيهة ثم زوروها بغير خجل ، وحين وعودنا بالاصلاح السياسي ثم عمدوا إلى تكريس السلطة وإلغاء الاشراف القضائي على الانتخابات وتوسيع نطاق المحاكم العسكرية ، وحين تباهوا بارتفاع سقف حرية التعبير ثم انقضوا علي منابر الإعلام الحر وقمعوا المراسلين الصحفيين. وحين حدثونا عن دولة المؤسسات وسيادة القانون ، ثم عصفوا بهما وأصبحت مقدرات البلد حكرا على مؤسسة الرئاسة وسيادة الرئيس .. وحين وحين إلخ .
واضاف فهمي هويدي ذلك كله استمر طوال الثلاثين عاما الماضية ، ويبدو أن اسلوب المراوغة والالتفاف والمراهنة على " بلاهة" الشعب المصري و" غبائه " تحول إلى طبع يصعب الخلاص منه حتى بعدما تفجرت ثورة 25 يناير التي أعادت الروح إلى مصر وجددت أملها في مستقبل تستعيد فيه كرامتها وكبريائها وقرارها .
وتابع : خلال الأيام العشرة الماضية تتابعت أمام اعيننا خمسة مشاهد تجلى فيها ذلك الطبع الرذيل على النحو التالي :
* وجه الرئيس حسني مبارك خطابا إلى الأمة كان أهم ما فيه إعلانه عن عدم الترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة ولغته التي مست شغاف بعض القلوب . وظننا انها محاولة لتحقيق الأشواق وترطيب الجوانح ، لكننا لم نهنأ بذلك الشعور طويلا ذلك أنه بعد مضي ساعة فقط من ذلك الخطاب العاطفي ، كانت مجموعات البلطجية وميليشيات الأجهزة الأمنية تتقدم نحو المعتصمين في ميدان التحرير ، حاملة معها السيوف والجنازير وأسياخ الحديد، التي كانت مقدمة للمذبحة التي أريد لها أن تقع صبيحة اليوم التالي . وكانت النتيجة انهم لم يشتبكوا مع المتظاهرين فحسب ، ولكنهم أيضا نسفوا في الوقت ذاته كل أثر ايجابي لكلام الرئيس .
* بعض المسؤولين في النظام ــ رئيس الحكومة ورئيس مجلس الشورى بوجه أخص ــ تحدثوا في البداية عن تأييدهم لحق الشباب في التظاهر السلمي . وحين صدق البعض هذا الكلام وتشجعوا ما جعلهم ينضمون الى التظاهرات في المدن المختلفة ، فوجئوا بمصفحات الأمن المركزي التي قتلت منهم أكثر من 300 شخص حسب تقارير الأمم المتحدة .
* في البداية جرى امتداح الشبان المعتصمين ، باعتبارهم من ابناء مصر البررة الذين ينخرطون ضمن شرائح الوطنيين الذين تعتز بهم البلاد ، ولكن حين ثبت اولئك الشبان على مواقفهم ولم يستجيبوا لاغراء المديح ، فإن الخطاب السياسي والإعلامي تغير 180 درجة ، فثورة ميدان التحرير تحولت إلى «مهزلة التحرير» في العنوان الرئيسي لإحدى الصحف المحسوبة على الحكومة .
ولم تكف الأبواق الاعلامية عن التشكيك فيهم وتشويه صورتهم ، باعتبارهم يمثلون الاخوان المسلمين وعملاء لإيران وحزب الله وحماس . وكان طريفا للغاية أن البعض اتهمهم بأنهم ينفذون المخططات الأمريكية وكان الذين اطلقوا تلك الاتهامات من النائمين منذ سنوات في حضن السياسة الأمريكية .
* حين حدث الهجوم على المتظاهرين بالسيوف والجنازير ولاحقا بإطلاق الرصاص الحي ، واستخدمت الخيول والجمال والبغال في اقتحام ميدان التحرير، وتم ذلك في ظل الغياب التام والانسحاب المريب للشرطة ، فإن جميع المسؤولين أنكروا معرفتهم بما حدث ، وغسلوا أيديهم من دماء الشهداء والجرحي في تعبير آخر عن الاستهبال والاستغباء ، كأن هؤلاء المهاجمين هبطوا على أرض مصر من السماء .
* في الوقت الذي تشكلت فيه عدة لجان من « الحكماء » قيل إن بعضها تم برعاية وتشجيع من السلطة ، ثم نشرت الصحف اخبارا عن اجتماعات لاولئك الحكماء مع عدد من كبار المسؤولين ، كانت ترتيبات الأجهزة غير المرئية تجهز لفض الاعتصام في ميدان التحرير، عن طريق رفع الحواجز وسحب الدبابات ، وكانت اذرعها تمتد لاعتقال عدد من الناشطين واختفاء آخرين في ظروف غامضة ، الامر الذي اعطى انطباعا بأن ما قيل عن تفاوض وتحرك للحكماء لم يكن سوى وسيلة لتخدير المشاعر وكسب الوقت تمهيدا للانقضاض وتصفية الثورة .
كيف نصدقهم إذن حين ثم يدعوننا للاطمئنان إلى الوعود التي أطلقوها وكيف بالله عليكم نثق في أن استمرارهم يشكل ضمانا للاستقرار في المستقبل ؟؟ .
انتهی/137