هو الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام). كنيته أبو الحسن، ولقبه الرضا. ولد الامام الرضا (ع) في 11 ذو القعدة، 148 هـ بالمدينة المنورة. أمه تسمى نجمة. مدة إمامته: عشرون عاماً من سنة 183 إلى 203 هجرية. استشهد مسموما في آخر صفر من سنة 203 للهجرة علي يد المأمون العباسي
النسب الإمام عليّ الرضا عليه السّلام ينحدر عن سلالة علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (عليهما السلام)
الأب و أبوه الإمام موسى بن جعفر الكاظم سلامُ الله عليه.. الذي لم يطق أعداؤه صبراً على مدحه: فذاك قاتله هارون العبّاسيّ يشير إليه ويقول لابنه المأمون: هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلْقه، وخليفته على عباده... موسى بن جعفر إمام حق. والله يا بُنيّ، إنّه لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله منّي ومن الخلق جميعاً، واللهِ لو نازعتَني هذا الأمر لأخذتُ الذي فيه عيناك، فإنّ المُلك عقيم. وقال له مرّةً أخرى: يا بُنيّ! هذا وارث علم النبيّين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا. و نُقل عنه كذلك أنّه قال: هذا وارث علوم الأوّلين والآخِرين، فإن أردت علْماً حقّاً فعند هذا. و يأتي بعد ذلك المؤرّخون والرجاليّون ومدوّنو السِّيَر.. فلا يجدون في أنفسهم إلاّ إعجاباً به وإجلالاً له، ولا يملكون عن الثناء عليه أقلامهم:
فأبوعليّ الخلاّل ـ شيخ الحنابلة ـ يقول: ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به، إلاّ وسهّل الله تعالى لي ما أُحبّ. وأبو حاتم يقول فيه: ثقة صدوق، إمام من أئمّة المسلمين. والنسّابة يحيى بن الحسن يقول فيه: يُدعى العبد الصالح، من عبادته واجتهاده. والذهبيّ ـ رغم تعصّبه ـ يكتب: كان موسى بن جعفر من أجواد الحكماء، ومن العبّاد الأتقياء. وابن الجوزيّ هو الآخر يكتب: كان يُدعى العبد الصالح؛ لقيامه بالليل، وكان كريماً حليماً، إذا بلغه عن رجل أنّه يؤذيه بعث إليه بمال. و ذاك ابن حجر ينصّ على أنّه وارث أبيه الصادق عليه السّلام علماً ومعرفة، وكمالاً وفضلاً، ثمّ يقول: سُمّي بـ «الكاظم» لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بـ(باب قضاء الحوائج عند الله)، وكان أعبدَ أهل زمانه، وأعلمهم وأسخاهم. و إذا جئتَ إلى كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعيّ سمعتَه يقول في الإمام الكاظم عليه السّلام: هو الإمام الكبير القدْر، العظيم الشأن، الكثير التهجّد، الجادّ في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، يبيت الليلَ ساجداً وقائما، ويقطع النهار متصدّقاً وصائما، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظما.. ويُعرف في العراق بـ (باب الحوائج إلى الله)، لنُجح مطالب المتوسّلين إلى الله به. كراماته تَحار منها العقول، وتقضي بأنّ له عند الله تعالى قدمَ صِدق لا يزول. و أمّا ابن الصبّاغ المالكيّ فيمضي قلمه بلا تعثّر فيدوّن هذه العبارات: وأمّا مناقبه وكراماته الظاهرة، وفضائله وصفاته الباهرة، فتشهد له بأنّه افترع قبّة الشرف وعَلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ عُلاها، وذُلّلت له كواهل السيادة فامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فأصفاها.
الأجداد و إذا أردنا أن نتعرّف على الآباء، فهُمُ: الأئمّة الطاهرون، والحجج الأوصياء المعصومون، ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وخلفاء رسول الله. نور الله وأركان الأرض، والعلامات والآيات، وهم الراسخون في العلم والمتوسّمون. ومن وردت الأحاديث الشريفة الوافرة من طرق المسلمين جميعاً بالنصّ على إمامتهم على لسان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بأمرٍ من الله «جَلّ وعلا».. من ذلك:
قوله صلّى الله عليه وآله: إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطايَ الحسنُ والحسين، تتلوه تسعةُ أئمّةٍ من صُلب الحسين.. إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى [أي الكاظم]، فإذا مضى موسى فابنه عليّ [أي الرضا] سلالة العصمة و من هنا نعلم أنّ الإمام الرضا عليه السّلام ينتمي إلى شجرة النبوّة، وبيت الرسالة والوحي، ويتّصل بأهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله بلا واسطة، وإنّما مباشرةً عن طريق آبائه الأبرار، فهو ابن موسى الكاظم، ابن جعفر الصادق، ابن محمّد الباقر، ابن عليّ السجّاد زين العابدين، ابن الإمام السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين، ابن سيّد الأوصياء عليّ أمير المؤمنين، ابن أبي طالب، بن عبدالمطّلب.. ومن هذا الأصل فأُمُّه الصدّيقة الطاهرة فاطمة بنت سيّد الخلق محمّد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة والسّلام وأزكاهما وعلى آلهِ الميامين.
الأمّ
و أمّا أُمّه عليه السّلام فقد وردت لها عدّة أسماء، سابقة على اقترانها بالإمام الكاظم عليه السّلام، ولاحقة.
قيل: اسمها (سَكَن النُّوبيّة) أو (سكنى). وقيل: لقبها شقراء النُّوبيّة.
وقيل: اسمها (أروى).
وقيل: اسمها (سُمان). وقيل: (الخيزران المُرْسيّة). و قيل: (نجمة) لمّا كانت بِكْراً واشترتها (حميدة المصفّاة) أمّ الإمام الكاظم عليه السّلام، إذ ذكرت أنّها رأت في المنام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لها: يا حميدة، هَبي نجمةَ لابنك موسى، فإنّه سيُولَد لها خيرُ أهل الأرض. فوهبتها له، فلمّا ولدت له الرضا عليه السّلام سمّاها (الطاهرة). و أخيراً: (تُكْتَم). قيل: هو آخر أسمائها، وعليه استقرّ اسمها حين صارت عند أبي الحسن موسى الكاظم عليه السّلام. ودليل ذلك قول الصوليّ يمدح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام:
ألاَ إنّ خـيـرَ النـاسِ نـفْساً ووالداً ورهطـاً وأجـداداً علـيُّ الـمعظَّـمُ أتـتـنا به للعلـمِ والحِلْـمِ ثـامنــاً إماماً ـ يؤدّي حجّةَ اللهِ ـ تُكْتَمُ
وأمّا كُنيتها فـ: (أُمّ البنين).
قصّتها
روي في شأن اقتران هذه المرأة الطاهرة الصالحة قصّتان:
الأولى ـ أنّ حميدة المصفّاة ـ وهي زوجة الإمام الصادق عليه السّلام، وأُمّ الإمام الكاظم عليه السّلام، وكانت من أشراف العجم ـ قالت لابنها موسى عليه السّلام: يا بُنيّ! إنّ تُكْتَم جارية ما رأيتُ قطّ أفضل منها، ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتُها لك، فاستوصِ بها خيرا. الثانية ـ وهي الأشهر والأوثق، يرويها هشام بن أحمد فيقول: قال لي أبو الحسن الأوّل [أي الكاظم] عليه السّلام: هل علمتَ أحداً من أهل المغرب قَدِم ؟ قلت: لا، قال: بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلِقْ بنا. فركب وركبت معه، حتّى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجلٌ من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: إعرضْ علينا. فعرض علينا سبع جوارٍ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السّلام: لا حاجة لي فيها. ثمّ قال: اعرضْ علينا، فقال: ما عندي إلاّ جارية مريضة، فقال: ما عليك أن تَعرضها ؟! فأبى عليه، فانصرف. ثمّ أرسلني من الغد فقال لي: قل له: كم كان غايتك فيها ؟ فإذا قال لك كذا وكذا، فقل له: قد أخذتُها. فأتيته فقال: ما كنت أُريد أن أُنقصها من كذا وكذا، فقلت: قد أخذتها. قال: هي لك، ولكن أخبِرْني: مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟ قلت: رجل من بني هاشم، قال: من أيّ بني هاشم ؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال: أُخبرك أنّي لمّا اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتْني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك ؟ قلت: اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مِثْلك! إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده قليلاً حتّى تلد غلاماً له لم يُولد بشرق الأرض ولا غربها مثلُه. قال هشام بن أحمد: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلاّ قليلاً حتّى ولدت له الرضا عليه السّلام. و كان من دلائل إمامة موسى الكاظم عليه السّلام أنّه لمّا اشترى (تُكْتَم) جمع قوماً من أصحابه ثمّ قال لهم: واللهِ ما اشتريتُ هذه الأمَة إلاّ بأمر الله ووحيه. فسُئل عن ذلك، فقال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شِقّة حرير، فنَشَراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية، فقالا: يا موسى، ليكوننَّ من هذه الجارية خيرُ أهل الأرض بعدك. ثمّ أمرني إذا ولدتُه أن اسميّه (عليّاً)، وقالا لي: إنّ الله تعالى يُظهِر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدّقه، وويلٌ لمَن عاداه وجحده وعانده!
خصالها
و أجمع أصحاب السيرة أن (تُكْتَم) رضوان الله تعالى عليها امرأة صالحة عابدة، تتحلّى بأسمى مكارم الأخلاق، وكانت في غاية العفّة والأدب. و قد ذكرها الشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ بقوله: وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها، وإعظامِها لمولاتها حميدة، حتّى أنّها ما جلست بين يديها منذ مَلَكتْها؛ إجلالاً لها.
ولابدّ أن تكون هكذا أُمّهات الأئمّة عليهم السّلام، لأنّ الأئمّة هم أشرف الخَلْق، ينحدرون من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة، آباؤهم وأُمّهاتهم من الموحِّدين، لم تدنّسهمُ الجاهليّة بأنجاسها، ولم تُلبِسْهم من مُدْلَهِمّات ثيابها.
المولد المبارك التأريخ في شأن المولد الشريف للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام.. وقف المؤرّخون على تأريخين بالنسبة إلى: اليوم من الأسبوع، واليوم من الشهر والشهر كذلك، والسنة التي وُلد فيها:
الأوّل ـ هو يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 153 من الهجرة النبويّة المباركة. وهو قول جماعة ليست بكثيرة، منهم: الإربلّيّ في (كشف الغمّة)، وابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب)، والمسعوديّ في (إثبات الوصيّة)، وابن خلّكان في وفيات الأعيان. ونقل هذا الرأي الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا «عليه السّلام») ولم يتثبّت عليه، كما نقله الطبرسيّ في (إعلام الورى) بعنوان: (يُقال)، والعلاّمة المجلسيّ عن بعض كتّاب السيرة في (بحار الأنوار ج49). فيكون مولده الشريف على هذا الأساس بعد شهادة جدّه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام بخمس سنوات.
و الثاني ـ هو يوم الجمعة الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148 من الهجرة المحمّديّة الشريفة. وهو الرأي الأقوى والأشهر، وقد قال به جماعة كثيرة من العلماء والمؤرّخين، منهم: الشيخ المفيد في (الإرشاد)، والشبراويّ في (الإتحاف بحبّ الأشراف)، والشيخ الكلينيّ في (الكافي ج1)، والكفعميّ في (المصباح)، والطبرسيّ في (إعلام الورى) و(تاج المواليد)، والفتّال النيسابوريّ في (روضة الواعظين)، والشيخ الصدوق في (علل الشرائع)، وابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، والبغداديّ في (سبائك الذهب)، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)... وغيرهم كثير.
فيكون مولد الإمام الرضا عليه السّلام في السنة التي استُشهد فيها جدّه الإمام الصادق عليه السّلام ذاتها، وعلى وجه الدقّة بعد ستة عشر يوماً تقريباً، إذ إنّ شهادة الإمام الصادق عليه السّلام مؤرّخة بالخامس والعشرين من شهر شوّال عام 148هـ.
أمّا محلّ المولد الشريف ومكانه.. فلا خلاف أنّه المدينة المنوّرة.
الأولاد تعدّدت الأقوال في عدد أولاد الإمام الرضا عليه السّلام إلى ستّة:
القول الأول
أنّه عليه السّلام لم يترك إلاّ ولداً و