ابنا : ومع كل هذه الذکرى يتجدد العبق الكربلائي في قلوب المحبين .. هي الملحمة التاريخية التي لا زالت أصداؤها تختلج فينا لتشكل مدرسة الاباء ... مدرسة محمد ... مدرسة علي ... لنستخلص منها الدروس الجهادية التي علمتنا أن الدم ينتصر على كل السيوف والاسلحة... لنعبر بذاكرتنا الى هناك حيث الطريق الاقصر الى الحرية والشهادة .
هنا کربلاء ... هنا ارض الخلود ... هنا ارض العبرة الدامية ... هنا منتهى احزان اهل بيت النبوة ... هنا ارض الحسين عليه السلام ... هنا ارض الطفوف ... هنا ارض شهدت افجع مأساة على مر التاريخ ... هنا سفکت دماء محمد وعلي وفاطمة والحسن بل دماء بيت الرسالة وشيعة علي على مر العصور والدهور من آدم حتى المهدي المنتظر ... في کل زمان وفي کل مکان على هذه الارض المعمورة .
وها قد وصل موکب سبايا آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى ارض الغاضرية ارض التضحية والفداء ارض المأساة والحزن ، ارض قد أرتوت من دماء ابن بنت رسول الله (ص) وصحبه لاحياء دين الله ، ارض شهدت مالم تشهد له البشيرية مثيلا من الاباء والتضحيات .
عادت هذه الذکرى کما في کل السنوات ... تُبكي صاحب العصر والزمان (عج)، تلهب نفوس الموالين بالأحزان، تلفح بحر البيداء قلوباً أضحى النصر محجّتها ، ونيل المعالي على نهج الحسين (ع) قبلتها ، في اربعينية سيد الشهداء عليه السلام في كل عام ، تلتهب هذه الشعلة الحسينية في قلوب المحبين والعاشقين ، لتبقى الحرارة المتجددة التي لن تبرد أبدا .
وتقترن اسم السيدة الطاهرة عقيلة الهاشميين السيدة زينب بنت الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام مع هذه الذکرى الاليمة لانها کانت (ع) لها الدور البطولي في ذاك العصر، حيث كانت الصوت الثائر على الظلم والطغيان ،كانت الرسالة التي تهز بصداها العالم أجمع ،ومن هنا انطلقت مواكب الکرامة والعزة وايقاظ الضمائر الميتة .
ان اقامة مراسم اربعينية الامام الحسين عليه السلام تعتبر تعبيراً عن الولاء المطلق وتجديداً للعهد إليه (عليه السلام) ... مع مبادئه وقيمه واهدافه . فالحقُّ أنْ تقام له ( عليه السلام ) الذكرى في كلِّ عام ، وتبكي له العيون بَدَلَ الدُموعِ دَماً . فقد بكى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) على مصيبة أبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ثلاثين سنة . وكان الإمام الصادق ( عليه السلام ) يبكي لتذكُّر المصيبة ، ويستنشد الشعر في رثائه ويبكي . وكان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إذا دخل شهر محرم لا يُرَى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلُبُ عليه . وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) :( إنَّ يَومَ الحسين أقرحَ به جُفونَنا ، وأسال دموعنا ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ) . وقد حَثُّوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كلِّ عام ، وهُم ( عليهم السلام ) نِعْم القدوة ، وخير مَنْ اتُّبِع ، وأفضَلُ من اقتُفِيَ أثرُه ، وأُخِذَت منه سُنَّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد رُويَ عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) أنّه قال :( عَلامَاتُ المؤمن خمسٌ : صلاةُ إِحدى وخمسين ، وزيارةُ الأربعين ، والتخَتُّم في اليمين ، وتعفير الجَبين ، والجهر بـ( بِسْم اللهِ الرحمن الرحيم ) ) بحار الأنوار .
وقد ورد في کتب السيرة بان عَطا قال : كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر ، فلمَّا وصَلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ، ولبس قميصاً كان معه طاهراً ، ثم قال لي : أمَعَكَ من الطيب يا عَطا ؟ قلت : معي سُعد . فجعل منه على رأسه وسائر جسده ، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وكَبَّر ثلاثاً ، ثم خرَّ مغشياً عليه ، فلما أفاق سَمِعتُه يقول : السلام عليكم يا آلَ الله ( بحار الأنوار ) .
وكان يزيد قد أمر بِرَدِّ سبايا الحسين ( عليه السلام ) إلى المدينة ، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة . فلمَّا بلغوا العراق ، قالوا للدليل : مُر بنا على طريق كربلاء ، وكان جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) . فبينا هُم كذلك إذ بِسَوادٍ قد طلع عليهم من ناحية الشام . فقال جابر لعبده : اِنطلق إلى هذا السواد وآتِنَا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عُمَر بن سعد فارجع إلينا ، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدين ( عليه السلام ) فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى . فمضى العبد ، فما أسرع أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قمْ واستقبل حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، هذا زين العابدين قد جاء بِعَمَّاته وأخواته . فقام جابر يَمشي حافي الأقدام ، مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) :( أنْتَ جَابِر ؟ ) . فقال : نعم يا بن رسول الله . فقال الإمام ( عليه السلام ) :( يَا جَابر هَا هُنا واللهِ قُتلت رجالُنا ، وذُبحِت أطفالُنا ، وسُبيَتْ نساؤنا ، وحُرقَت خِيامُنا ) .
وفي كتاب الملهوف : إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن ، وأقاموا المأتم ، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أياماً ( أعيان الشيعة ) .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبرکاته .
انتهى/158