ابنا : وإذا كانوا يسخرون منا لاننا نبكي على الحسين(ع) بعد طول السنين، فهم لايعلمون انهم يسخرون من رسول الله إذ بكاه وهو في المهد صبياً، يقولون لماذا تبكون على الحسين (ع) طول هذا الزمان نقول لهم هل البكاء بعد مقتل الامام مشكل أم البكاء عليه قبل شهادته أشكل؟
روى الطبراني في ( المعجم الكبير ) ج3 ص 108 عن أم سلمة قال: كان رسول الله ( ص ) جالسا ذات يوم في بيتي فقال : لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين ( رض ) فسمعت نشيج رسول الله يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي ( ص) يمسح جبينه وهو يبكي فقلت : والله ما علمت حين دخل فقال : إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت قال : تحبه ؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأرها النبي ( ص ) ، فلما بحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا : كربلاء قال : صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء"
هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبكي الحسين(ع) قبل شهادته أليس هذا بأغرب من البكاء عليه بعد شهادته؟
لقد أتت إلينا روايات كثيرة تشجعنا على البكاء على الحسين (ع) وتسجل الثواب الجزيل في البكاء عليه، وحتى القطرة الواحدة من تلك الدموع لها وزن جبل الذهب من الحسنات، لكن من يبكون على الحسين(ع) لايفعلون ذلك من أجل كسب الثواب، وانما هم يبكون على سيد شباب اهل الجنة بسبب الحب الكبير الذي في قلوبهم للحسين وأهل بيته، وإلا بالله عليك كيف تخرج الدمعة من العيون من دون الحب؟
حب الحسين (ع) هو الذي أخرج تلك الانهار من الدموع من عيون ملايين الناس، فما لاقاه الحسين (ع) الشهيد لم يلالقيه نبي عظيم ولاوصي كريم ولاولي أمين فقد تحمل الحسين(ع) عذابات جميع الرسل والانبياء!
والناس لايلومون الخنساء بشأن جزعها على مقتل أخويها وقد كانا في حرب شرك وضلالة، بل ويقدرون اشعارها ويحترمون حزنها عليهم، فكيف يلوموننا في بكائنا على سيد شباب الجنة..وهو الذي قتل في سبيل الله وهداية للبشرية جمعاء؟
إن بكاء الخنساء على شقيقيها لامعنى له سوى الحزن بينما بكاءنا على الحسين (ع) معناه الارتباط العاطفي معه، ومع قضيته، والارتباط العاطفي في علم النفس يمثل المرحلة الاولى، من مراحل الاستلهام الفكري والعقائدي.
فالفرد بالدرجة الاولى يتأثر عاطفياً بالشخص الملهم كأن يتأثر بأخلاقه وصفاته الحميدة وبعد الاستعداد النفسي هذا يكون قلبه منشرحاً ومنبسطاً لتلقي مواعظه، وقد ترك الحسين عليه السلام وابنائه خزيناً هائلاً من المواعظ والارشادات التي تصلح لبناء صرح الحضارة.
مع ذلك؛ فالحزن وحده كافي لتبرير البكاء على الحسين عليه السلام؛ ليست لساعة أو ساعتين ولاليوم أو يومين بل لطول الدهر كله، ولو بكينا من اول يوم ولادتنا وحتى آخر يوم من حياتنا لما وفينا حق الحسين عليه السلام، ويكفي أن نقول بأن مصيبته أبكت الحجر والصخر، لكن هناك قلوب هي أشد صلابة من الحجر كما في القرآن الكريم عندما يصف القاسية قلوبهم؛ ويقول(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) "البقرة 74".
انتهی/158