ابنا : وتسبّبت الخلافات الداخليّة لدى الشيعة خلال القرنين الخامس والسادس في تفرّقهم في هذه البلاد، لكنّ الغالب على التشيّع فيها الارتباط بشكل ما بالمذهب الإسماعيليّ.وتعود جذور الدروز الموجودين في لبنان حاليّاً إلى الفرقة الإسماعيلية، ويُعرف هؤلاء بالنهج الباطنيّ، كما انّ الفرقة النصيريّة التي أسّسهاـ محمّد بن نصير ـ وكان من أصحاب الإمام العسكريّ (عليه السّلام)، ثمّ رُمي بالغلوّ ـ مارست نشاطات في سوريا، ثمّ اصطدمت بالدروز فهاجرت إلى شمال سوريا، ويعيش أفرادها في عصرنا الحاضر في سوريا وتركيا، وهناك فرق مشابهة أخرى مثل العلويّين الذين يبلغ عددهم ما يقرب من عشرين مليون نسمة.ومن المسلّم ،أنّ هؤلاء كان لهم انتشار واسع خلال العصر العثمانيّ، وكانت طائفة كبيرة منهم في آسيا الصغرى من أتباع الشيخ (صفي) .ومن هؤلاء الشيعة طائفة تدعى بـ " قَزَلْباش " استطاعت ان تعمل لإيصال الصفويّين إلى الحكم.ومع بداية الاشتباكات التي نشبت بين الدولتين العثمانيّة والصفويّة، تعرّض الشيعة في آسيا الصغرى إلى ضغوط شديدة، وقُتل عدد كبير منهم على يد السلاطين العثمانيين بسبب تمرّدهم عليهم، كما قُتل آخرون منهم كإجراءٍ احترازيّا خوفاً من ثورتهم، ويعثر الباحث على مجموعة من الوثائق تنتمي إلى تلك الفترة، وردت فيها فتاوى تُبيح قتل الشيعة واستئصالهم! وحين يُلاحظ الباحث انتشار التشيّع في آسيا الصغرى في تلك الفترة من الزمن، فإنّه يدرك أنّه لولا التعصّب الطائفيّ الذي مارسته الدولة العثمانية لانتشر التشيّع في جميع أرجاء آسيا الصغرى، على الرغم من أنّ الشيعة في تلك المناطق لم يكونوا شيعة أماميين بالمعنى الحقيقيّ الصحيح.
الوضع الحاليّ للشيعة في تركيا وقد بدأت الطائفة الجعفرية الإسلامية بتركيا في الظهور العلني والإعلان عن نفسها وتنظيم احتفالات دينية بعد سيطرة حزب الرفاة ذي الميول الإسلامية على البلديات عام 1994، والوصول لحكم البلاد عام 1996 تحت زعامة نجم الدين أربكان في الانتخابات العامة. ويتركز أتباع الطائفة الجعفرية في منطقة خلقالى بالقطاع الأوربي لمدينة إستانبول، ولهم مسجد يؤدون به الصلاة يسمى مسجد زينبية، وتسمح لهم جهات الأمن بالقيام باحتفالات ومظاهرات سلمية في الميدان الواقع أمام هذا المسجد. وتشير أرقام غير رسمية إلى أن عدد الشيعة في تركيا يتراوح ما بين 2 و3 ملايين نسمة، ينتمون للطائفتين: العلوية والجعفرية، و يتركزون في مناطق شمال شرق تركيا.ويتواجد الشيعة الإماميّة في شرق تركيا، أيّ في محافظة " قارص "، وينتمون إلى الأتراك الآذريّين، وتتماثل ثقافة هؤلاء الشيعة مع ثقافة ومنهج إخوانهم الشيعة في دول العالم.ومن المدن الشيعيّة المهمّة في هذه المحافظة مدينة " ايفْدِر "، وهي مدينة يقطنها ثمانية آلاف نسمة، ينتمي ثُلثا عددهم إلى المذهب الشيعيّ الإماميّ، بينما ينتمي الثُلث الباقي إلى المذهب السنيّ، ومنها مدينة " تُزْلوجا " وجميع سكّانها من الشيعة. ويُقدّر عدد سكّان مدينة قارص ـ وهي مركز المحافظة ـ بسبعين ألف نسمة، ينتمي ثلُثهم إلى المذهب الشيعيّ الإمامي، في حين يُعد الثلث الآخر من العلويين، وينتمي الثلث الأخير إلى المذهب السنيّ.ويعيش في مدينة " تاشلى جرى " ـ وتقع في محافظة " آغرى ـ ما يقرب من أربعة آلاف نسمة من الشيعة، ويوجد أعداد كبيرة من الشيعة في مدينة " اسطنبول " الواقعة في غرب تركيا، وأغلبهم من المهاجرين، ولهم مساجدهم التي يقرب عددها من عشرة مساجد أُسّست مؤخّراً، ولهم نشاطاتهم المتميّزة. ويعيش في مدينة " أنقرة " أكثر من 300 عائلة شيعية، ولهم فيها مسجدان. أمّا في مدينة " إزمير " فهناك ما يقرب من 1500 عائلة شيعيّة، ولهم فيها مسجدان أيضاً.ويعيش في مدينة صغيرة تدعى " ترگوتلو " ـ تقع في محافظة مانيسا ـ 600 عائلة شيعيّة يمارس أفرادها شعائرهم في مسجد خاصّ بهم، وهذه المدينة عمّاليّة يقطنها الشيعة المهاجرون الذين قدموا من المناطق الأخرى، كما يتواجد فيها أعداد كبيرة من العلويّين. ويقطن مدينة " بورسا " 150 عائلة شيعيّة، وقد شرع هؤلاء الشيعة في بناء مسجد لهم يصلّون فيه ويقيمون فيه شعائرهم.ويُصدر الشيعة الإماميّة في تركيا مجلّة شهرية تدعى " عاشوراء "، وقاموا حديثاً بإصدار مجلّة أسبوعية اسمها " عَلَمدار ".وفضلاً عن الشيعة الإمامية الملتزمين بواجباتهم الشرعيّة، فهناك في تركيا أكثر من 20 مليون نسمة من العلويين الذين كانوا ينتمون إلى المذهب الشيعي الإماميّ، ثمّ تأثروا بشكل من أشكال التصوف، فأضحوا يقصّرون في القيام بواجباتهم الشرعيّة.وقد خضع هؤلاء العلويّون لضغوط شديدة خلال فترة الحكم العثمانيّ، ثمّ فسحت لهم الدولة العلمانية الحاليّة المجال لتسنّم المناصب الحكوميّة، فاحتلّ بعضهم مراكز جيّدة في الدولة والجيش.وقد بدأت خلال العقد الأخير حركة جيّدة في عودة هؤلاء العلويّين إلى أحضان التشيع، فتشيّعت في مدينة " چوروم " ـ التي تقرب نسبة العلويّين فيها من ستّين في المائة ـ حوالي ثلاثمائة عائلة، وبُني فيها مسجد أهل البيت عليهم السّلام.ويجدر بالذكر أنّ مجلّة " عاشوراء " تصدر في هذه المنطقة، بيد أنّ الحساسيّة الخاصّة التي أبدتها الدولة مؤخّراً تجاه العلويّين تمخّضت عن فرض قيود جديدة عليهم.ويُقدَّر عدد العلويّين في تركيا بعشرين مليون نسمة، منهم ما يقرب من 6 ملايين نفر من الأكراد، وما يقرب من مليون واحد ونصف المليون من النصيريّة التي يقطن أفرادها في الغالب قرب الحدود السوريّة. وينتمي أكثر العلويين الأتراك إلى الفرق الصوفيّة البكتاشيّة، بينما ينتمي الباقون إلى فرق ومذاهب أخرى.زدياد أعداد الشيعة في تركيا وإحياء مراسم عاشوراءتشير المعلومات ان ارتفاع عدد أتباع أهل البيت (ع) في تركيا يعود لزيادة أقامه مراسم العزاء بمناسبة يوم العاشر من محرم الحرام حيث استشهد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) في كربلاء عام 61 هجري قمري علي يد طاغوت عصره يزيد بن معاويه بن أبي سفيان. وتشهد المساجد والحسينيات التركية هذه المراسم الحزينة في كل يوم عاشوراء من خلال نزول مواكب العزاء الحسينية إلى الشوارع الأمر الذي يودي عاما بعد آخر إلى زيادة المحبين للذرية الطاهرة للرسول الأعظم (ص).وتؤكد المعلومات، ان انتصار الثورة الإسلامية في إيران أدى إلى ارتفاع عدد أتباع أهل البيت (ع) في هذا البلد بالرغم من المحاولات الرامية إلى نشر الأفكار العلمانية في تركيا منذ عهد الرئيس التركي مصطفي أتاتورك .وقد كان في مدينه اسطنبول عام 1989 مسجدا واحدا لأتباع آل الرسول الأعظم (ص) ويعود للجالية الإيرانية هناك في حين يوجد الآن أكثر من 30 مسجد في هذه المدينة ويوجد أضافه إلى هذا العدد في المدن التركية الأخرى وهي انقره وبورسا وازمير وقارص واغدير أكثر من 250 مسجدا للطائفه الشيعية. ويبذل حوالي عشرين مليون شخص من العلويين وأتباع أهل البيت (ع) في تركيا جهودهم لتسجيل يوم العاشر من محرم الحرام عطله رسميه فيما توجد في هذا البلد الكثير من المؤسسات الثقافية والفكرية.الأدب التركي الشيعي للشيعة في تركيا أدب تركي قديم، ففي القرن الرابع عشر نظم الشاعر نقيب أوغلي قصة الحسن والحسين عليهما السلام، وهناك في القرن نفسه قصيدة (دستان مقتل حسين) نظمها الشاعر شادي اوشياد سنة 763 هـ بقسطموني، كذلك معاذ اوغلي البك بازاري ما يعرف بالمثنوي في غزوات علي عليه السلام، وفي سنة 803 هـ (1400م) كان أول ماصنف في الروملي قصيدة في رثاء الزهراء عليها السلام، نظمها خليل إمام مسجد قره بولت من أعمال أدرنة. وكذلك ظهرت في القرن السابع عشر تآليف شعبية تصف غزوات النبي صلى الله عليه وآله ومعجزاته بصفة عامة وبطولات علي عليه السلام بصفة خاصة، وقد صيغت هذه التآليف في قالب المثنويات. وأما في النثر فقد ظهرت كتب السير التي ألف في الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام وما جرى في كربلاء. أما الشاعر فضولي الذي عاش في القرن السادس عشر ويعد أعظم شعراء اللغة التركية إذا استثنينا نسيمي ونوائي فانه قال عن نفسه وهو في جلال السن انه مدح علي بن أبي طالب عليه السلام خمسين سنة.
انتهی/158