وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الخميس

١٦ ديسمبر ٢٠١٠

٨:٣٠:٠٠ م
217243

محرم وانتصار الدم على السيف

بسم الله الرحمن الرحيم.

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) الأحزاب /23.

"السلام عليك يا أبا عبد الله... السلام عليك يابن رسول الله... السلام عليك وعلى الأرواح التي حلّت بفائك وأناخت برحلك... عليك منّي سلام الله أبداً ما بقيت وبقي اللّيل والنهار، ولا جعله آخر العهد منّي لزيارتكم".

تطلّ علينا مرّة أُخرى ذكرى محرّم الحرام... تستدر الدموع من الأعماق، وتعتصر القلوب حزنا على المقتول كربلاء... وتبعث في النفوس هوى عارماً لدرب الحسين السلام)، ولطريق الحسين (عليه السلام)، ولإنسانية الحسين (عليه السلام).

درب عبّده الإباء وزيّنه النصر، وأنارته إشراقة اليقين بلقاء الله، وطريق لا أوضح منه ولا أجلى، وقفت فيه الثُلَّة المؤمنة على قلّة العدد وخذلان الناصر، يتقدّمهم سيد الإباء ورائد الفداء; ليجسّد قوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ).

وإنسانية ينتسب إليها كلَّ شريف... وكلّ من تمثّل روح الحسين وأخلاقهُ سلوكاً يطفح بالإيثار وإنكار الذات.

إنّها إنسانية الحسين، تطرد عن ساحتها لقلقة الألسنة المنافقة، تطرد كلّ من لا يرى سوى ذاته الضيّقة المحدودة.

لقد رأى الحسين دينا لا يستقيم إلاّ ببذل دمه الطاهر، وأُمّة أشدّ ما تكون احتياجاً للإصلاح... فتحرك ركبه من مدينة جدّه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) متوجهاً إلى مكّة ومنها إلى كربلاء. كان همّه الأكبر أن يعلو شأن الإسلام، وأن ينتشل المستضعفين من أنياب الطواغيت.

وغادر الحسين مكّة، لئلاّ يضطر أعداؤه المتجردين عن كلّ مبادئ لقتله فيها، وفي ذلك من وجهة نظره انتهاك لحرمة البيت العتيق... فخرج منها وهو يقول: آ ـ لئن أُقتل على تلّ أعفر، أحبُّ إليّ من أن تنتهك بي حرمة البيتآ ـ .

واتّجه الركب إلى كربلاء، يقطع الفيافي والوديان... قاصداً الأرض التي عرفها ووصفها له جدّه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. آه منك ياكربلاء، كيف استقبلت أقدامه الشريفة؟ كيف شربت دمه الطاهر فأصبحت قبلة لكلّ ثائر ولكل رافض ولكلّ مهاجر.

ولكننا نتساءل: هل قُتلَ شخص الحسين فقط يوم عاشوراء؟ ويأتي الجواب واضحاً صادقاً: إنّ الذي قتلوه هو الدين... وهو الهُدى... وهو التكبير والتهليل، فها هي قرائح الشعراء الذين انفعلوا بصدق مع ملحمة الحسين تنطق بذلك بكل صراحة:

سهمٌ أصاب حشاكَ يابنَ محمّد * سهم به قلب الهداية قد رُمي

أو كما قال الآخر:

ويكبِّرون بأنْ قُتلِتَ وإنّما * قتلوا بك التكبير والتّهليلا

أيَّها المؤمنون في كلّ مكان!

أيُّها المحترقون ألماً لمصاب الحسين!

أيُّها السائرون على نهجه!

اسمعوا ما يقول أئمتكم بحقّ عاشوراء ؛ هذا هو الصادق (عليه السلام) يقول: «إنّ يوم الحسين أسبل دموعنا... وأقرح جفوننا... وأذلّ عزيزنا».

وهذا هو الرضا (عليه السلام) يقول: «يابن شبيب! إنْ كنت باكيا فابك للحسين، فإنّه قتل وذبح كما تُذبح الشاة من القفا».

وفي الختام نقول: عهداً لك يا حسين، بأنّنا سائرون على دربك، نأبى الذُلَّ ولو أُعطينا جبالاً من الذَّهب، سنبقى سيدي ومولاي مستضيئين بنورك، مستمدين من عزمك... أيُّها السبط الذي تنكرّت له أُمّة جدّه وهو لا يريد سوى خلاصها وصلاحها.

عزاءً لصاحب الأمر والزمان (عليه السلام)، ولعلماء الدين الأعلام في كلّ مكان... ولكم أيُّها الشيعة ولكلّ إنسان هزّه موقف أبي عبد الله من أيّ بلد ومن أيّ مذهّب وبأيّة لغة تكلّم .

مُحَـــــرَّمْ شهر انتصر فيه الدم على السيف ... شهر الدمع والدماء شهر الحزن والبكاء... شهر تجديد العزاء شهر المودة في القربى ... «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى» .. «إنّ الحسينَ مصباحُ الهدى وسفينة النجاة»... «أحبَّ الله منْ أحبّ حُسيناً».. «حسينٌ مني وأنا من حُسين»... «لا أعطيكم بيدي إعطاءَ الذليلِ ولا أقر لكم إقرار العبيد».. «إنما خَرجتُ لطلب الإصلاحِ في أمة جـدِّي»...

طوبى لأرضٍ تضمنت جَسَدك الطاهرُ يا أبا عبد الله...

شهر الدمع والدماء

كيف لا وصاحب الأمر ولي العصر الآخذ بالثار، الحجة المهدي (عج) يخاطب أبا عبدالله قائلا:" السلام عليك يا جداه، لئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة ناصباً، لأ ندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً ".

شهر الحزن والبكاء

إن هذا الشهر هو شهر حزن أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فعن مولانا الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام):" فعلى مثل الحسين (عليه السلام ) فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام. ثم قال (عليه السلام):" كان أبي (عليه السلام ) إذا دخل شهر محرم لم يُر ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته، وحزنه وبكائه، ويقول: هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين ( عليه السلام)".

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام):" كل عين يوم القيامة باكيةً... إلا عين من اختصه الله بكرامته، وبكى على ما انتهك من الحسين وآل الرسول (صلى الله عليه وآله).

وكان مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) يدعو ويقول:" اللهم.. ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت لنا...".

شهر تجديد العزاء