ابنا : لقد ثار الكثيرون في العالم وقتلوا وكان لهم قادة، وكان بينهم الكثير من أبناء الأنبياء والأئمة (عليه السلام)، لكن سيد الشهداء (عليه السلام) فرد واحد، وواقعة كربلاء فريدة في نوعها، ومكانة شهداء كربلاء منحصرة بهم، لماذا؟
يجب البحث عن الإجابة في طبيعة هذه الواقعة لتكون لنا وللحرس خصوصاً درساً.
إن إحدى خصائص هذه الواقعة هي أنَّ خروج الإمام الحسين (عليه السلام) كان خالصاً لله، ولإصلاح المجتمع الإسلامي، وهذه خصيصة هامّة. فعندما يقول الإمام (عليه السلام): «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً» فمعناه أن ثورتي لم تكن للرياء والغرور وليست فيها ذرّة من الظلم والفساد، بل «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي» أي أن هدفي هو الإصلاح فقط ولا غير.
إن القرآن الكريم حينما يخاطب المسلمين في صدر الإسلام يقول: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ}، وهنا الإمام (عليه السلام) يقول: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً». تأمّلوا جيداً، فهنا نهجان وخطّان. فالقرآن يقول لا تكونوا مثل الذين خرجوا «بطراً» أي غروراً وتكبّراً، ولا أثر للإخلاص في تحرّكهم، وإنما المطروح في هذا المنهج الفاسد هو «أنا» و«الذات»، و«رئاء الناس»، أي انّه تزيَّنَ ولبس الحلي وامتطى جواداً غالياً وخرج من مكّة وهو يرتجز، إلى أين؟ إلى الحرب، التي يهلك فيها أمثال هؤلاء أيضاً، فهذا خطّ .
وهناك خطّ ونهج آخر ومثاله ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي لا وجود لل«أنا» ولل«ذات» والمصالح الشخصية والقومية والحزبية فيها أبداً، إذاً هذه أول خصّيصة من خصائص ثورة الحسين بن علي (عليه السلام).
فكلّما ازداد الإخلاص في أعمالنا كلّما ازدادت قيمتها، وكلّما ابتعدنا عن الإخلاص كلّما اقتربنا من الغرور والرياء والعمل للمصالح الشخصية والقومية، وكلّما ازدادت الشوائب في الشيء كلّما أسرع في الفساد، فلو كان نقيّاً وخالصاً لما فسد أبداً.
وإنْ أردنا إعطاء مثال بالأمور المحسوسة، نقول: إذا كان الذهب خالصاً ونقياً فلا يقبل الفساد والصدأ أبداً، وإنْ كان مخلوطاً بالنحاس والحديد وبقية المواد الرخيصة الثمن، احتمل الفساد أكثر، فهذا في المادّيات. أمّا في المعنويات فانّ هذه المعادلة أكثر دقّة، إنما نحن لا نفهمها بسبب نظرتنا المادية، لكن يدركها أهل الفن والبصيرة، وانّ اللّه تعالى هو الناقد في هذه الواقعة، «فانّ الناقد بصير»، فوجود شائبة بمقدار رأس إبرة في العمل يقلّل من قيمة العمل بالمقدار نفسه، وحركة الإمام الحسين (عليه السلام) من الأعمال التي ليست فيها شائبة ولو بمقدار رأس إبرة، لذا هو باقٍ إلى الآن وسيبقى خالداً إلى الأبد. فمن توقّع خلود اسم وذكر أبي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) وأنصاره في التاريخ؟ أولئك الذين قُتِلوا غرباء في تلك الصحراء وحيث دفنوا فيها رغم كلّ الإعلام المعادي في ذلك الوقت.
إذاً واقعة كربلاء حيّة وباقية ليس في مجرد قطعة أرض صغيرة فقط وإنما في منطقة مترامية الأطراف في محيط الحياة البشرية.
إن كربلاء موجودة في كلّ شيء؛ في الأدب، في الثقافة، في السنن والآثار، في الاعتقادات، في القلوب.
وأولئك الذين لم يسجدوا للّه.
فلسفة حركة الإمام الحسين (عليه السلام)
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «حسين منّي وأنا من حسين». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة».
إنّني اليوم وبمناسبة يوم عاشوراء، سأتحدّث عن ثورة الحسين (عليه السلام)، وإنّه لشيء عجيب، إذ أنّ حياتنا مليئة بذكر الحسين (عليه السلام)، وإنّنا نشكر الله على ذلك.
لقد قيل الكثير عن نهضة هذا العظيم، لكنّ الإنسان كلّما فكّر وتدبّر في هذا الموضوع، كلّما اتّسع مجال التفكير والبحث والتحقيق والمطالعة عنده، فقد بقي الكثير ممّا لم يقال عن هذه الحادثة العظيمة والعجيبة الّتي لا نظير لها. فعلينا أن نتدبّر ونتفكّر فيه ثمّ نقوله للآخرين.
لو نظرنا الحادثة منذ أن خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة وتوجّه نحو مكّة إلى أن استُشهد في كربلاء، لأمكننا أن نقول إنّ الإنسان يستطيع عدّ مائة درس مهمّ في هذا التحرّك الّذي استمرّ أشهر معدودة فقط. ولا أودّ القول آلاف الدروس وإن أمكن قول ذلك حيث تعتبر كلّ إشارة من ذلك الإمام العظيم درساً، لكن عندما نقول مائة درس أي لو أردنا أن ندقّق في هذه الأعمال لأمكننا استقصاء مائة عنوان وفصل، وكلّ فصل يعتبر درساً لأمة وتاريخ وبلد ولتربية النفس وإدارة المجتمع وللتقرّب إلى الله. هكذا هو الحسين بن علي (أرواحنا فداه وفداء اسمه وذكره) كالشمس الساطعة بين القديسين، أي إن كان الأنبياء والأئمّة والشهداء والصالحين كالأقمار والأنجم، فالحسين (عليه السلام) كالشمس الطالعة بينهم، كلّ ذلك لأجل هذه الأمور.
وإلى جانب المائة درس هذه، هناك درس رئيسي في هذا التحرّك، سأسعى لتوضيحه لكم وهو لماذا ثار الحسين (عليه السلام)؟ لماذا ثرت يا حسين رغم كونك شخصيّة لها احترامها في المدينة ومكّة، ولك شيعتك في اليمن، إذهب إلى مكان لا عليك بيزيد ولا ليزيد عليك شيء، تعيش وتعبد الله وتبلِّغ؟
هذا هو السؤال والدرس الرئيسي، ولا نقول إنّ أحداً لم يشر إلى هذا الأمر من قبل، فقد حقّقوا وتحدّثوا كثيراً في هذه القضيّة، وما نودّ قوله اليوم وفي رأيي هو استنتاج جامع ورؤية جديدة للقضيّة.
إنّ البعض القول: إنّ هدف ثورة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) هو إسقاط حكومة يزيد الفاسدة وإقامة حكومة بدلها.
هذا القول شبه صحيح وليس خطأ، لأنّه لو كان القصد من هذا الكلام هو أنّ الحسين (عليه السلام) ثار لأجل إقامة حكومة وعندما يرى عدم إمكانيّة ذلك، يقول لم نتمكّن من ذلك، فلنرجع.
إنّ من يثور لأجل إقامة حكومة، سيستمرّ مادام يرى إمكانية ذلك، فإن احتمل عدم الإمكان أو عدم وجود احتمال عقلائي، فوظيفته أن يرجع. فالّذي يقول إنّ هدف الإمام (عليه السلام) من هذه الثورة هو إقامة الحكومة العلويّة الحقّة، فهذا غير صحيح؛ لأنّ مجموع هذا التحرّك لا يدلّ على ذلك. وسأبين ذلك لاحقاً.
والبعض على العكس من ذلك، قالوا: ما الحكومة؟ إنّ الحسين كان يعلم بعدم تمكّنه من إقامة الحكومة، إنّه جاء لأجل أن يقتل ويستشهد. لقد شاع هذا الكلام على الألسن كثيراً فترةً من الزمن، وكان البعض يصنع ذلك بتعابير جميلة، ثمّ رأيت أنّ بعض كبار العلماء قد قالوا ذلك أيضاً، فهذا لا يعتبر كلاماً جديداً وهو أنّ الإمام (عليه السلام) ثار لأجل أن يستشهد، لأنّه رأى أنّه لا يمكنه عمل شيء بالبقاء، فقال يجب أن أعمل شيئاً بالشهادة.
هذا الرأي أيضاً لا يوجد في المصادر الشرعيّة الإسلاميّة ما يؤّيد حجّة إلقاء الإنسان نفسه للقتل. إنّ الشهادة الّتي نعرفها في الشرع المقدّس والآيات والروايات معناها أن يتحرّك الإنسان ويستقبل الموت لأجل هدف مقدّس واجب أو راجح، هذه هي الشهادة الإسلاميّة الصحيحة. أمّا أن يتحرّك الإنسان لأجل أن يقتل فلا، إذن هذا الأمر وإن كان فيه جانباً من الحقيقة لكن لم يكن هدف الحسين (عليه السلام).
إذن باختصار لا يمكننا القول: إنّ الحسين (عليه السلام) ثار لأجل إقامة الحكومة، ولا أن نقول: إنّه ثار لأجل أن يستشهد. وإنّني أتصوّر أنّ القائلين بأنّ الهدف هو الحكومة أو الهدف هو الشهادة قد خلطوا بين الهدف والنتيجة. فالهدف لم يكن ذلك، بل كان للإمام الحسين (عليه السلام) هدف آخر، كان الوصول إليه يتطلّب طريقاً وحركة تنتهي بإحدى النتيجتين: الحكومة أو الشهادة، وكان الإمام مستعدّاً لكلتا النتيجتين، فقد أعدّ مقدّمات الحكم وكذا مقدّمات الشهادة، فإذا تحقّق أيّ منهما، كان صحيحاً، لكن لم يكن أيّ منهما هدفاً، بل كانا نتيجتين.
إذن ما هو الهدف؟ أقول باختصار ثم أبداً بتوضحيه قليلاً.
لو أردنا بيان هدف الإمام الحسين (عليه السلام)، فينبغي أن نقول هكذا: إنّ هدف ذلك العظيم كان أداء واجب عظيم من واجبات الدين لم يؤّده أحد قبله، لا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، واجب يحتلّ مكاناً مهمّاً في البناء العام للنظام الفكري والقيمي والعملي للإسلام. ورغم أنّ هذا الواجب مهمّ وأساسي، لكنّه لماذا لم يُقَمْ بهذا الواجب حتّى عهد الإمام الحسين (عليه السلام)؟ كان ينبغي على الإمام الحسين (عليه السلام) القيام بهذا الواجب ليكون درساً على مرّ التاريخ، مثلما أنّ تأسيس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحكومة الإسلاميّة أصبح درساً على مرّ تاريخ الإسلام، ومثلما أصبح جهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبيل الله درساً على مرّ تاريخ المسلمين وتاريخ البشريّة إلى الأبد. فكان ينبغي أن يُودّي الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الواجب ليصبح درساً عمليّاً للمسلمين على' مرّ التاريخ.
ولماذا قام الإمام الحسين (عليه السلام) بهذا الواجب؟ لأنّ أرضية هذا العمل قد مُهِّدت في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، فلو لم تمهّد هذه الأرضيّة في زمن الإمام الحسين (عليه السلام)، كأن مُهّدت وعلى سبيل المثال في زمن الإمام علي الهادي (عليه السلام) لقام الإمام علي الهادي (عليه السلام) بهذا الواجب، لصار هو ذبيح الإسلام العظيم، ولو اتّفق ذلك في زمن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) لقام به، أو اتّفق في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) لقام به الإمام الصادق (عليه السلام)، لكنّ لم يتّفق ذلك في زمن الأئمّة حتّى عصر الغيبة إلاّ في عصر الإمام الحسين (عليه السلام).
إذن كان الهدف أداء هذا الواجب، فعندها تكون نتيجة أداء الواجب أحد الأمرين إمّا الوصول إلى الحكم والسلطة وكان الإمام الحسين (عليه السلام) مستعدّاً لذلك؛ ليعود المجتمع كما كان عليه في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، أو يصل إلى' الشهادة وكان الإمام الحسين مستعدّاً لها أيضاً.
فإنّ الله قد خلق الحسين والأئمة بحيث يتحمّلون مثل هذه الشهادة لمثل لهذا الأمر، وقد تحمّل الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك. هذا خلاصة الأمر.
وأمّا توضيح هذا الأمر:
انظروا أيّها الأخوة والأخوات المصلّون الأعزّاء، إنّ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا أيّ نبيّ عندما بعث، أتى بمجموعة من الأحكام، بعضها فرديّة لإصلاح الفرد، وبعضها اجتماعية لبناء المجتمعات البشريّة وإدارة الحياة البشريّة. هذه المجموعة من الأحكام يقال لها النظام الإسلامي. فعندما نزل الإسلام على القلب المقدّس للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاء بالصلاة والصوم والزكاة والإنفاقات والحجّ والأحكام الأسرية والعلاقات الفرديّة، ثمّ جاء بالجهاد في سبيل الله وإقامة الحكومة والنظام الاقتصادي وعلاقات الحاكم بالرعيّة ووظائف الرعية تجاه الحاكم. هذه المجموعة من الأحكام عرضها الإسلام على البشر، وبيّنها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويبعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به». ولم يبيّن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّ ما يسعد الإنسان والمجتمع الإنساني فحسب، بل طبّقها وعمل بها، فقد أقام الحكومة الإسلاميّة والمجتمع الإسلامي، وطبّق الاقتصاد الإسلامي، وأقيم الجهاد واستحصلت الزكاة، فشيّد نظاماً إسلاميّاً وأصبح النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وخليفته من بعده معمار وقائد هذا النظام. كان الطريق واضحاً وبيّناً، فوجب على الفرد وعلى المجتمع الإسلامي أن يسير في هذا الطريق وعلى هذا النهج، فإن كان كذلك بلغ الناس الكمال، أصبحوا صالحين كالملائكة، وذهب الظلم والشرّ والفساد والفرقة والفقر والجهل بين الناس، ووصل الناس إلى السعادة الكاملة ليصبحوا عباد الله الكُمّل.
حسناً، يبقى هنا سؤال وهو: لو صرفت يد أو حادثة القطار الّذي سيّره النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مسيره، فما هو التكليف؟؟ لو انحرف المجتمع الإسلامي وبلغ الانحراف درجةً بحيث خيف انحراف أصل الإسلام والمبادئ الإسلاميّة لأنّ الانحراف على قسمين، فتارة ينحرف الناس، وهذا ما يقع كثيراً، لكن تبقى أحكام الإسلام سليمة، وتارة ينحرف الناس ويفسد الحكّام والعلماء ومبلّغو الدِّين، فيحرّفوا القرآن والحقائق، وتبدّل الحسنات سيّئات والسيّئات حسنات. ويصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ويحرَّف الإسلام 180 درجة فلو اُبتلي النظام والمجتمع الإسلامي بمثل هذا الأمر، فما هو التكليف حينئذ؟
لقد بيّن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدّد القرآن التكليف {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم}. إضافة إلى آيات وروايات كثيرة أخرى.
لكن هل تمكّن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من العمل بهذا الحكم الإلهي؟ كلاّ، لأنّ هذا الحكم الإسلامي يُطبّق في عصر ينحرف فيه المجتمع الإسلامي ويبلغ حدّاً يخاف فيه من ضياع أصل الإسلام، والمجتمع الإسلامي لم ينحرف في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم ينحرف في عهد أمير المؤمنين بتلك الصورة، وكذا في عهد الإمام الحسن (عليه السلام) عندما كان معاوية على رأس السلطة، وإن ظهرت الكثير من علائم ذلك الانحراف، لكنّه لم يبلغ الحدّ الّذي يخاف فيه على أصل الإسلام. نعم، يمكن أن يقال إنّه بلغ في برهة من الزمن الحدّ، لكن في تلك الفترة لم تتاح الفرصة ولم يكن الوقت مناسباً للقيام بهذا الأمر.
إنّ هذا الحكم الّذي يعتبر من الأحكام الإسلاميّة لا يقلّ أهمّية عن الحكومة ذاتها، لأنّ الحكومة تعني إدارة المجتمع، فلو انحرف المجتمع وفسد، وتعطّل الحكم الإلهي، ولم يوجد عندنا حكم وجوب تغيير الوضع وتجديد الحياة أو بتعبير اليوم (الثورة)، فما الفائدة في الحكومة في الإسلام. فالحكم الّذي يرتبط بإرجاع المجتمع المنحرف إلى الخطّ الصحيح لا يقلّ أهمّية عن الحكومة ذاتها، ويمكن أن يقال إنّه أكثر أهمّية من جهاد الكفّار ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الطبيعيين في المجتمع الإسلامي، بل وحتّى من العبادات الإلهيّة العظيمة كالحج. لماذا؟ لأنّ هذا الحكم في الحقيقة يضمن إحياء الإسلام بعد أن أشرف على الموت أو مات وانتهى.
حسناً، مَنْ الّذي يجب عليه أداء هذا الحكم وهذا التكليف؟
الهدف من حركة الإمام الحسين (عليه السلام)
في وصيّته إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة عند خروجه من مكّة فأبو عبد الله (عليه السلام) قد أوصى أخاه محمداً بن الحنفية، مرّتين: الأولى عند خروجه من المدينة، والثانية عند خروجه من مكّة، وأتصوّر أنّ هذه الوصيّة كانت عند خروجه من مكّة في شهر ذي الحجّة فبعد الشهادة بوحدانية الله ورسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و... يقول الإمام (عليه السلام): «وإنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت أريد الإصلاح في أمّة جدّي» أي أريد الثورة لأجل الإصلاح لا للوصول إلى الحكم حتماً أو للشهادة حتماً، والإصلاح ليس بالأمر الهيّن، فقد تكون الظروف بصورة بحيث يصل الإنسان إلى سدّة الحكم ويمسك بزمام السلطة وقد لا يمكنه ذلك ويستشهد، وفي كلتا الحالتين فالثورة تكون لأجل الإصلاح. ثمّ يقول (عليه السلام): «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي». والإصلاح يتمّ عن هذا الطريق، وهو ما قلنا إنّه مصداق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن سلوك الإمام الحسين منذ خروجه من المدينة وحتى يوم استشهاده في كربلاء كان منطوياً على المعنويات والعزة والشموخ وفي نفس الوقت مغموراً بالعبودية والتسليم المطلق لأمر الله، وهكذا كان دائماً وفي كل المراحل. ففي ذلك اليوم الذي جاءته مئات وربما آلاف الرسائل تحمل نداء القائلين بأنهم شيعته وأنصاره وأنهم في الكوفة والعراق بانتظار وصوله، فإنه لم يصب بالغرور. وعندما قال "خطَّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة" فإنه كان يتحدث عن الموت.
البكاء على الحسين (عليه السلام) والسير على نهجه
هذا اليوم هو يوم عاشوراء وهذه أيّام بكاء ونعي. إنّ كربلاء كلّها عزاء ومصائب، وحوادث عاشوراء كلّها بكاء وألم، منذ نزول الحسين (عليه السلام) بأرض كربلاء، وخُطبه، أقواله، وأشعاره، وإخباره بقتله، مخاطبته لأخته زينب وإخوته وأعزّته، كلّها مصائب إلى ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء.
ولو أدركنا العظمة الكامنة في اسم الإمام الحسين، ولو تطلعنا لهذه النهضة واعتبرناها حدثاً إنسانياً عظيماً على مدى التاريخ، لأعاننا كل ذلك على مواصلة الطريق والتقدم إلى الإمام وعلى ألاّ نحيد عن درب الإمام الحسين وعلى تحقيق ما رسمناه من أهداف بلطف الله، وسيبلغ الشعب الإيراني آماله إن شاء الله. لقد جعل الله تعالى اسم الإمام الحسين (عليه السلام) مجلّلاً بالعظمة وحافظ على واقعة كربلاء حيّة في التاريخ. وإن ما قلته لا يعني أننا نعمل على جعل اسم الإمام الحسين عظيماً، كلاّ، فهذا الحدث أعظم من أن تغطي عليه كافة أحداث الزمان أو أن تمحو رسمه من صفحات التاريخ.
انتهی/158