وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر :
الثلاثاء

١٤ ديسمبر ٢٠١٠

٨:٣٠:٠٠ م
217006

في ذكري بطوله سيد الشهداء

الامام الحسين عليه السلام منهج ثوري متكامل

قال الحسين عليه السلام' اني لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما '

ابنا : عندما ايقن الامام الحسين عليه السلام في اليوم التاسع من محرم ،انه لامناص من المواجهة لانه لاعودة له ولارجوع عن القرار :( ان مثلي لا يبايع يزيد ) فان كان ولابد ، فما زال يردد القول ' لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ' ومازال يحمل شعاره الذي ورثه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخاطب به الجيش الاموي قبل ايام :

(ايها الناس أن رسول الله (ص) قال : من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ، ناكثا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان ، فلم يغير ما عليه بفعل ولاقول كان حقا علي الله ان يدخله مدخلة ) .
يئس الحسين عليه السلام من هذا القطيع المسلوب الوعي والارادة اللاهث وراء المغانم والحطام فطلب من اخيه العباس ان يفاوضهم علي اعطاء الحسين عليه السلام مهلة تمتد طوال العاشر من المحرم ليعطي قراره الحاسم . عرض العباس ذلك الطلب فوافق عليه عمر به سعد واركان جيشه ان يمهلوا الحسين عليه السلام ليلة واحدة .
ولم يكن طلب الحسين عليه السلام تأجيل قراره الي غد لغرض التفكير في الامر وحساب الموقف فانه قد فرغ من ذلك وبدا كل شيء امامه واضحا ، انما اراد ان تكون هذه الليلة - وهي اخر ليلة من الدنيا - ليلة عبادة ودعاء وليلة وداع ووصية مع الاهل والاحبة فهو يدري ما يخبئه الغد .
جن الليل وأرخي الصمت سدوله وهدأ الطير والهوام ونامت جفون الخلائق كلها إلا آل محمد صلي الله عليه واله وسلم وانصارهم ، باتوا ليلتهم بين داع ومصل وتال للقرآن ومستغفر ، بين مودع وموص باهله وابنائه ونسائه ، فكان لهم دوي كدوي النحل وحركة واستعداد للقاء الله سبحانه يصلحون سيوفهم ويهيئون رماحهم .
باتوا تلك الليلة ضيوفا علي الرحمن في احضان كربلاء وبات التاريخ ارقا ينتظر الحدث الاكبر وما يتمخص عن ميلاد الصباح .. فغدا سيخط بمداد الدم المقدس اروع كتب في عمر الانسان واكبر مجزرة في التاريخ البشري وأفجعها علي مر العصور والدهور الي يوم القيامة .
الحسين عليه السلام يودع اهله واحباءه ويوصي آخر وصاياه ويعهد بآخر عهد له وقد استسلم للقدر وباع نفسه لله وقرر أن يسقي شجرة الهدي والايمان بغزير دمه وفيض معاناته .
مضت تلك الليلة ومضي معها تاريخ طويل وها قد ولد اليوم العاشر من محرم يوم الدم والجهاد والشهادة يوم اللقاء والمصير .
نظر الحسين عليه السلام الي الجيش الزاحف وتأمل به طويلا ولم يزل الحسين كالجبل الشامخ فقد اطمأنت نفسه بذكر الله تعالي وهانت دنيا الباطل في عينه وتصاغر الجيش امامه فلم ترهبه كثرة اعدائه وتدافع سيوفهم ورماحهم نحوه ونحو اهله بيته واصحابه فاتجه نحو ربه رافعا يد الضراعة والابتهال الي الله تعالي وراح يناجي :
( اللهم انت ثقتي في كل كرب ، وانت رجائي في كل شدة ، وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة . كم من هم يضعف فيه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو انزلته بك وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ففرجته عني فانت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنه ومنتهي كل رغبة ).
كانت تلك البداية منطلق الكارثه التي ذهب ضحيتها سليل النبوة وامام المسلمين الحسين بن علي بن ابي طالب سبط الرسول الاكرم صلي الله عليه وآله وسلم وريحانته .
وهكذا بدأ شلال الدم ينحدر علي ارض كربلاء وسحب المأساة تتجمع في آفاقها الكئيبة وتساقط الشهداء من اصحاب الحسين واهل بيته عليه السلام الواحد تلو الاخر .... وجاء دور خيرة علي ليوم الطف ونصرة الحسين في كربلاء .. وسقط العباس وهو يسبح بدم الشهادة ويثبت لواء الحسين الذي حمله يوم عاشوراء في ارض كربلاء الي الابد لاتبليه الايام ولا يطأطئ هامه الطغاة .
وراح الحسين يناجي ربه ( اللهم اني اشكو اليك ما يفعل بابن بنت نبيك ) .
نظر الحسين عليه السلام الي ماحوله مد بصره الي اقصي الميدان فلم ير احدا من اصحابه واهل بيته الا وهو مضرج بدم الشهادة مقطع الاوصال فراح يردد كلماته الخالدة:

سأمضي وما الموت عار علي الفتي إذا ما نوي حقا وجاهد مسلما
وواسي الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبورا وخالف مجرما
فإن عشت لم اندم وان مت لم ألم كفي بك ذلا ان تعيش وترغما

إذن هذا هو اليوم الموعود الذي اخبر به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتلك هي تربته التي بشر بها من قبل .

عانق الحسين عليه السلام صعيد الطفوف استرسل جسده الطاهر ممتدا علي بطاح كربلاء ، ويجري من شريان عنقه شلال الدم المقدس إلا أن روح الحقد والوحشية التي ملات جوانح الطغاة لم تكتف بذلك الصنيع ولم تستفرغ احقادها الجاهلية في حدود هذا الموقف بل راحت تقطع الرأس الطاهر من جسده الشريف وقطعت غصنا من شجرة النبوة، الرأس الذي طالما سجد مخلصا لله وخمل اللسان الذي مافتيء يردد ذكر الله تعالي وينادي ( لااعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر اقرار العبيد ) .
فالحسين(ع) مرّ خلال كل هذه الفترة نشيدا يتغني به الاحرار والحسين مر خلال هذه الفترة حقا يرهبه الباطل ،الحسين مر خلال هذه الفترة ثروة تغني بها الشعوب اذا مات فيه الضمير .
فالحسين عاش منذ لحظة ولادته الي يومنا هذا .. وكم سيعش في المستقبل؟ .. وقطعا انه سيبقي مابقيت الدنيا وسيظل خالدا ما بقي الخلود... اكثر من اربعة عشر قرن مر والاجيال تراك سيدي ابا عبدالله حيا لاتموت لان الانبياء والائمة والشهداء لايموتون .. ان عطر شهادتك تعطر الدنيا .. وهل صنعت الحياة في الدينا الا الشهداء ؟ .. ستبقي الدينا مدينة للشهداء .. فالشهداء احياء مهما امتدت الدنيا .. وما اكثر الاعمار وهي تمر خاليه بالامجاد في حين يوم واحد ملئ بالامجاد لهو كل الحياة .. فالحسين عطاء للاسلام وللانسانية كلها قبل ان يكون عطاء لفئه .. الحسين ومضة من محمد(ص).. الحسين روح ممتدة من محمد .. الحسين موقف من محمد .. الحسين نبع طاهر من علي وفاطمة .. فكل مسلم واع ما مد يدية الي هذا النبع الا وارتد مملوءا بالعطاء ... الحسين حمل الشهادة علي يديه شعارا و عنوانا وشمعة يبدد بها ظلام الاستبداد والطغيان والجهل .
فسلام عليك ياعبير البطولة .. والسلام علي التراب الذي رفع المبدأ لواءا تمر الانسانية به فتسجد لبريقه وروعته اجلالا واكبارا.
والسلام علي تلك البقاع وعلي شواطيء نهر شهدت شفاه عطشي وقلوب حري ولكنها شبعت من رحمة الله وارتوت من عطاء الله .. ثم السلام علي تراب شهد دمعة لنساء عزلاء ولكنها لم تكن بدمع بل نار احرقت الظالمين.. والسلام علي رمال شهدت صرخة لامرأة عزلاء ولكنها كانت ولاتزال سيفا بتارا علي الطغاة بجانب سيف اخيها الحسين (ع).
فتحية الي ذلك الصوت الهادر والي ذلك الثغر الذي ما تلكأ ولا حل به فأفئه ولاخمدت له نبرة .. وكان ولايزال صوت العزيمة، صوت الحق والذي امتد عبر التاريخ وسيبقي ولهذا الصوت اصداء ومهما حاول الظلم والظالمون ان يكبوا هذا الصوت فسيتمرد علي الكبت لانه صوت الحق، صوت العدالة .
وتحية اخري ابا الشهداء نرفعها الي رأسك الشريف الذي ابي ان يركع الي الطغاة ..نرفعها الي الجبهة التي ابت السجود الا لخالقها .. ابت ان تظهر عليها سمات الخضوع للظلم والطغيان .. بل وقفت رغم السيوف التي تكاثفت عليها وبالرغم من السهام والالم الذي نالها .. وان الرمح الذي هامتك انما رفع هامة المجد وجبهة الكرامة ولم يرفع هامة خانعة ولم يرفع رأسا ذل للطغاة .. بل سيظل راسك سيدي مرفوعا .
فتحية الي ذلك الجبين المشرق وتحية الي تلك الجبهة التي ظلت عليها بصمات شفاء النبي (ص ) يوم كان يشبعها لثما وتقبيلا ويسكب عليها من عطفه وروحه ويسجل عليها شعاره ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي علي ان اترك هذه الدعوة ما فعلت ) وقد احتفظت تلك الجبهة بذلك الشعار وعاشت عزيزة كريمة مرتفعة لانها ابت الا العلو..

انتهی/158