ابنا : نشأ وترعرع في ظل ابيه وتحت رعايته الکريمة ، فابوه الامام محمد الجواد عليه السلام وارث علوم اهل البيت حامل معارف الرسالة وصد نص الامام الجواد (ع) وشخَص شخصية الامام من بعده في موارد کثيرة يؤکد فيها ان ( الامر من بعدي لولدي علي) . الفصول المهمة - ابن الصباغ المالکي .
ان الامام الهادي عليه السلام احد ائمة اهل البيت عليهم السلام الذين ورثوا أبا عن جد عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، الايمان والعلم والخلق والتقوى ولذلك ترک رسول الله (ص) فيهم وصيته الخالدة :
(إني تارک فيکم الثقلين کتاب الله وعترتي اهل بيتي ما إن تمسکتم بهما لن تضلوا ) رواه مسلم / ج15.
وقال صلى الله عليه واله وسلم : ( نحن اهل بيت لايقاس بنا احد ) .
لقد کان الامام علي الهادي (ع) قدوة في الاخلاق والزهد والعبادة ، ومواجهة الظلم ورفض الظالمين ، ومنارا للعلم والالتزام ، لذا فقد وصفه العلماء ورجال السياسة بما يستحق من صفات العلم والفضل والادب وقد قال ابو عبد الله الجنيد : ( والله لهو خير اهل الارض وافضل من برأة الله تعالى - في عصره - ).مآثر الکبراء / ج3.
ولوضوح شخصية الامام الهادي عليه السلام وجلاء عظمتها ، فان ذلک لم يستطع اخفاءه حتى اعداء الامام من اعوان السلطان ، فقد هجموا على الامام ليلا ، کما يحدثنا عن ذلک کتب التاريخ : ( فهاجموا داره فلم يجدوا فيه شيئا في بيت مغلق عليه وعليه مدرعة من صوف وهو جالس علي الرمل والحصى وهو متوجه الى الله تعالي يتلو آيا من القران ) سبط ابن الجوزي - تذکرة الخواص .
وعلى هذا الحال حمل الى المتوکل العباسي وأدخل عليه وکان المتوکل في مجلس شراب ، وبيده کاس من الخمر فناول الامام الهادي عليه السلام فردَ الامام : ( والله ماخامر لحمي ولادمى قط ، فاعفني ) فأعفاه ، فقال له : انشدني شعرا فقال الامام علي (ع) ک( انا قليل الرواية للشعر ) فقال : لابد ، فانشده : باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القللواستنزلوا بعد عز من معاقلهم وأسكنوا حفرا يا بئس ما نزلواناداهم صارخ من بعد دفنهم أين الأساور والتيجان والحللأين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والكللفأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود تقتتلقد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوافبکي المتوکل حتى بلَت لحيته دموعه وبکي الحاضرون ) . سبط ابن الجوزي / تذکرة الخواص وکتاب الائمة الاثنا عشر لابن طزولون .
إن الناظر المتأمل في هذه الوثائق التاريخية يستطيع ان يعرف مقام الامام الهادي عليه السلام وعبادته وورعه وتعلق الناس به واحترام الجميع له ، فهو على کل حال ملازم للعبادة ، حليف للقرآن معرض عن الدنيا يعرف ذلک منه خاصة الناس وعامتهم ويشهد به احباؤه وخصومه .
اما عن الاوضاع السياسة في زمانه ، فقد حفلت حياة الامام الهادي (ع) بالمعاناة السياسية إذ أنه عايش الحکام العباسيين وقاسى منهم التعنت والمضايقات والضغوط وراى محنة العلويين ومآسي ابناء فاطمة الزهراء عليها السلام على يدهم . عايش الامام الهادي (ع) في عصر إمامته بقية حکم المعتصم العباسي ، کما عايش من بعده الواثق خمس سنين وسبعة اشهر ، ومالک المتوکل اربع عشرة سنة وملک ابنه المنتصر ستة اشهر وملک المستعين سنتين وتسعة اشهر وملک المعتز ثماني سنين وسته اشهر وفي آخر ملکه استشهد الامام الهادي عليه السلام .
وقد حفلت هذه الفترة بالحوادث والصراع السياسي المرير بين العلويين والحکام العباسيين فاصاب الامام منها الاذى والاضطهاد .
ان الحکام العباسيين کانوا يخافونه لانه کان سيَد اهل البيت وامام الامة وصاحب الکلمة النافذة .
فقد کان لائمة اهل البيت عليهم السلام موقع خاص في النفوس ولهم علاقة متميزة بابناء الامة ترجح على علاقة الامة بحکام بني العباس الذين اشاعوا الرعب والارهاب وسفکوا الدماء وتسببوا في الفساد وبالغوا في اللهو والبذخ الى جانب الفقر والجوع والاضطهاد للمحرومين .
کان الامام عليه السلام ينمي حرکة الوعي السياسي والايماني ويستقطب الجماهير من حوله ويمارس دور التربية والتوجيه عن طريق نشر الوعي الاسلامي السليم والمعرفة الدينية الصحيحة والتعرف بمباديء الاسلام في الحکم والسياسة وسيرة الحاکم العادل واخلاقة .
لقد کان حکام بني العباس يخافون دور الامام الهادي عليه السلام موقعه وتاثيره لذا کانوا يحوطونه بالرقابة وعناصر التجسس وجمع المعلومات والحيلولة بينه وبين جماهير الامة وعلمائها ، ليتمکنوا من عزله وابعاده عن مجال التاثير الفکري السياسي .
ومن يدرس حياة الامام علي الهادي (ع) منذ استشهاد ابيه وتحمَله مهام الامامة، حتى استشهاده يجدها حياة مليئة بالتحديات والصبر والثبات العقائدي والسياسي فقد ابتلي بحکام حاقدين علي آل أبي طالب وخصوصا ذرية عليَ وفاطمة ويسعون لاستئصال هذه الشجرة المبارکة .
وقد ابتدأ الامام الهادي عليه السلام حياته السياسية أواخر عهد المعتصم العباسي الذي کان يعامل العلويين وکل من يعارض سياسته الظالمة بتعسف وقسوة .
وکان الفساد قد سيطر على البلاد وتسلط الغلمان الحواشي على الامور وکان المعتصم کأسلافه من بني العباس في تعامله وسلوکه وايغاله في اللهو واللعب والاستهانة بالنفوس والدماء ، حتى وصف المؤرخون المعتصم ( انه إذا غضب لايبالي من قتل ولامافعل ). الطبري/ تاريخ الرسل والملوک ج7. ثم بني المعتصم مدينة سامراء وجعلها عاصمة لخلافته ومقرا لجنده لذا سميت بالعسکر وسمي الامام الحسن العسکري عليه السلام بذلک لسنه بها فيما بعد.
وبعد موت المعتصم خلفه ولده الواثق سنة ( 227) ه ولم يکن الواثق في سياسته ورعايته بافضل من ابيه الا ان المؤرخين ذکروا ان الواثق کان اخف وطأة على آل ابي طالب فلم يحصل في عهده ان قتل احدا منهم وتنفس في عهده العلويون الصعداء إذ کان الواثق مشغولا باللهو الفساد .
وخلال هذه الفترة کان الامام الهادي عليه السلام يقيم في المدينة مشغولا بالعلم والعبادة وهداية الناس وارشادهم وهو في سن الشباب فکان نجمه يعلو وشخصيته تترکز وقلوب الناس تهوي اليه .
ثم تولي المتوکل جعفر بن المعتصم الخلافة بعد موت الواثق سنة ( 232) وقد لقي على يدي المتوکل الطالبيون الاذى والاضطهاد ومن ابرز مظاهر العداء والصراع بين المتوکل واهل البيت عليهم السلام : 1- کراهيته للامام علي بن ابي طالب عليه السلام ومحاولة الحط من سمعته والاستهانة به . 2- هدمه لقبر سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام وتنکيله بزوار القبر الشريف .3- فرض الحصار الاقتصادي على العلويين وقطع ارزاقهم ومنع الناس من مساعدتهم ليموتوا جوعا . 4- التضييق على الامام علي الهادي عليه السلام وجلبه من المدينة المنورة ووضعه تحت الرقابة وفرض الحصار السياسي عليه .5- محاولة ايجاد بديل هزيل لزعامة اهل البيت عليهم السلام وترشيح موسى اخ الامام الهادي (ع) لهذه المهمة وفشل هذه المحاولة .
6- قتل الثوار العلويين والتنکيل بهم بعد ان ضج العلويون من ظلمه وسياسته فلجأوا الى الجهاد .
ولم يکن الامام الهادي عليه السلام ليغفل عن هذه المحن وذلک الظلم العسف الذي مارسه المتوکل العباسي لذا کان يقوي علاقته بابناء الامة وينشر مباديء الاسلام ويربي جيلا من العلماء والرواة على اسس متينة من العلم والتقوى والثبات على الحق ومقاومة الظالمين .
حين اصبح موقع الامام الهادي عليه السلام في المدينة المنورة خطرا يهدد کيان المتوکل وقوة ترهبه وترهب العناصر المسيطرة على الدولة والمال والسلطة کثرت التقارير والوشايات ومحاولات الايقاع بالامام .
وحاول خصوم الامام ان يقنعوا المتوکل بان الامام الهادي عليه السلام يعد ويهيء للثورة وهو يجمع المال والسلاح والانصار ، لذا عمد المتوکل الى استدعاء الامام وجلبه من المدينة المنورة الى مدينة العسکر (سامراء ) ليکون تحت الرقابة والمتابعة اليومية وذلک سنة ( 243)ه . وفي سامراء بدات اعمال الضغوط السياسية والرقابة المشددة من قبل المتوکل العباسي وارکان سلطته ضد الامام الهادي (ع) واتباعه فمرة يحاولون النيل من شخصيته واخرى سجنه واغتياله وثالثة بتقتيش بيته ويجلب ليلا الى المتوکل بتهمة الاعداد للثورة والمواجهة واخرى يسعون لايجاد زعيم بديل عنه ، وکل تلک المحاولات باءت بالفشل الذريع إذ کانت عنايه الله تعالى ترعى الامام وتدفع عنه وکانت شخصيته تعلو ومقامه بفرض على المتوکل رغم صلفه وکراهيته لآل علي بن أبي طالب عليه السلام کما کان الامام يفرض وجوده على القصر وحواشيه .
واستمرت محنة الامام الهادي عليه السلام مع مع المتوکل العباسي وصراعه المرير معه حتى مات المتوکل مقتولا فقد لقي مصرعه وهو سکران ثمل في قصر خلافته ، اشترک ابنه المنتصر في القضاء عليه ، ثم تمت البيعة للمتنصر وبموت المتوکل شعر العلويون بتخفيف وطأة الارهاب والمطارة لهم إذ ان المنتصر کان لينا معهم واعاد لهم بعض حقوقهم المسلوبة . ثم مات المنتصر سنة (248) ه وجاء بعده المستعين وفي زمنه اشتدت الفتن وتعاظم تذمر الناس فهجموا على سجون بغداد وسامراء واخرجوا السجناء منها .
وانتهى المستعين مقتولا کالمتوکل وحمل راسه الى المعتز ( الخليفة من بعده ) الذي کان يلعب الشطرنج فقال : ضعوه حتى افرغ من الدست ، فلما فرغ نظر اليه وأمر بدفنه . ولم يکن المعتز بافضل من اسلافه کما ان الاوضاع کانت اسوأ من السابق .
اما عند الحديث عن الثورات العلوية فنستطيع ان نقول ،إن جملة الظروف والاوضاع السياسية وسلوک السلطة الحاکمة کانت تساعد على قيام حرکات المعارضة وتدعو الى المواجهة المسلحة وقد قاد العلويون عدة انتفاضات وثورات في عهد الامام علي الهادي عليه السلام ايام المتوکل العباسي .
وکانت معظم هذه الثورات تدعو الى الرضي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وکان المعني بهذا الشعار هم ائمة اهل البيت عليهم السلام وامامهم في تلک الفترة على الهادي عليه السلام .
وکانت هذه الحوادث کلها ايام المستعين حتى قتل المستعين فتولي الخلافة المعتز .في خلافة المعتز لم تکن الاوضاع السياسية والامنية في سامراء وبغداد وبقية اقطار الخلافة فيها ، الا أسوأ من الاوضاع التي سبقتها .
وخ