إسمه و ولادته:هو الإمام أبو جعفر باقر العلوم وخامس الأئمة ابصرت عيناه النور في المدينة المنورة يوم الجمعة الاول من شهر رجب عام سبعة وخمسين من الهجرة ( مصباح المتهجد، للشيخ الطوسي ص557) يسمى محمداً، وكنيته أبو جعفر ولقبه باقر العلوم.ولد طاهراً مطهراً ـ كغيره من الائمة ـ تحيط به هالة من الجلال والعظمة.ينتسب الإمام الباقر (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والزهراء (عليهما السلام) من كلتا الجهتين ـ الاب والام ـ فأبوه هو الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين، وأمه هي السيدة الجليلة أم عبدالله التي قال عنها الإمام الصادق (عليه السلام) : (كانت من النساء المؤمنات التقيات المحسنات)( تواريخ النبي والآل، للتستري ص47) بنت الإمام الحسن المجتبى (عليهم السلام).وقد كانت عظمة الإمام الباقر (عليه السلام) حديث الخاص والعام، فحيثما دار الحديث عن رفعة الهاشميين والعلويين والفاطميين فهو ينظر إليه على أنّه الوريث الاوحد لكل تلك القدسية والشجاعة والعظمة وانه الهاشمي العلوي الفاطمي بعدهم.ومن خصائصه انه كان اصدق الناس لهجة وانضرهم وجهاً واكرمهم خلقا.الباقر (عليه السلام) في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأحد صحابته الاجلاء وهو جابر بن عبدالله الانصاري: (يا جابر ستعيش حتى تدرك ولدي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) الذي اسمه في التوراة الباقر فاذا كان ذلك فأبلغه سلامي).وتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمَّر جابر طويلاً … فدخل يوماً دار الإمام زين العابدين فرأى الإمام الباقر (عليه السلام) وهو لا يزال طفلا يافعاً فقال له: اقبل فأقبل، قال": ادبر فأدبر، وجابر ينظر اليه ويراقب مشيته وحركاته فقال: انها شمائل النبي ورب الكعبة.ثم التفت الى السجاد (عليه السلام) وسأله: من هو هذا الطفل؟ قال: (إنّه إبني وهو الإمام من بعدي محمد الباقر).فقام جابر وقبل قدميه وقال: فداك نفسي يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقبل سلام وتحيات ابيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانه بعث اليك بسلامه.فامتلأت عينا الإمام الباقر (عليه السلام) بالدموع وقال: (السلام على أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مادامت السماوات والارض وعليك يا جابر بما ابلغتني سلامه) ( آمالي الشيخ الصدوق ص211 الطبعة الحجرية). علمه:كان الإمام الباقر (عليه السلام) كسائر الائمة يأخذ علمه من منبع الوحي فلم يكن لهم من يعلمهم وهم لا يتعلمون من بشر فكان جابر بن عبدالله يأتيه ويكتسب منه العلم ويقول: ( يا باقر! أشهد إنّك أوتيت العلم صبيا) ( علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1 ص222 طبعة قم).يقول عبدالله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء يتواضعون لأحد كتواضع الحكم بن عتيبة ـ وكان له عند الناس منزلة علمية رفيعة ـ بين يدي الإمام الباقر (عليه السلام) فكأنه طفل بين يدي معلمه ( الارشاد للشيخ المفيد طبعة الاخوندي ص246).وقد كان سمو شخصيته وعظمة علمه تأخذ بالالباب حتى ان جابر بن يزيد الجعفي كان يقول عنه:(حدثني وصي الاوصياء ووارث علوم الانبياء محمد بن علي بن الحسين … ) ( الارشاد للشيخ المفيد طبعة الاخوندي ص246).سأل رجل عبدالله بن عمر عن مسألة فبقي متحيراً في جوابها ثم أشار الى الإمام الباقر (عليه السلام) وقال: سل من هذا الغلام واعلمني بالجواب. فسأل الردل الإمام عنها وسمع منه جوابا مقنعا، ونقل ذلك لعبد الله بن عمر، فقال عبدالله: ( إنَّ هؤلاء أهل بيت جاءهم العلم من عندالله) (المناقب لابن شهر اشوب ـ طبعة النجف ج3 ص329).
ينقل أبو بصير: أنني كنت برفقة الإمام الباقر (عليه السلام) فدخلنا مسجد المدينة والناس تروح وتجيء، فقال لي الإمام (عليه السلام) : (سل الناس هل يشاهدونني؟) فكنت كلما لقيت رجلاً سألته: هل رأيت أبا جعفر، فيجيبني بالسلب، والإمام (عليه السلام) واقف الى جانبي وهم لا يرونه. وبينا نحن كذلك اذ دخل علينا أبو هارون وهو أحد اصحاب الإمام المخلصين وقد كان بصيراً، فقال لي الإمام أسأله أيضاً.فسالت أبا هارون: هل رأيت أبا جعفر؟فاجابني: أليس هو واقفا الى جنبك؟قلت: من أين عرفت؟قال: كيف لا اعرف وهو نور ساطع ( بحار الانوار ج46 ص243 نقلا عن خرائج الراوندي).وينقل أبو بصير ايضاً : ان الإمام الباقر (عليه السلام) سأل رجلاً من أهل افريقيا عن رجل من شيعته اسمه ( راشد )، فاجاب: انه بخير ويبلغك سلامه.فقال الإمام : (يرحمه الله) .فقال الرجل متعجبا: أهو قد مات؟فقال: (نعم).فسأل: متى حدث ذلك؟قال: (بعد مغادرتك بيومين).فقال الرجل: إنّهُ والله لمْ يكن مريضاً.فأجاب: (وهل كل من يموت فهو عن مرض؟).وعندئذ سأل أبو بصير الإمام (عليه السلام) عن ذلك الشخص المتوفى.فقال الإمام: (إنّه كان من شيعتنا ومحبينا، أتظن انه ليس لنا عيون بصيرة وآذان سميعة معكم، بئس الظن! والله ما من شيء من افعالكم يخفى علينا، فاعلموا اننا معكم وعودوا انفسكم على فعل الخير وكونوا من اهله حتى تعرفوا به ويصبح علامة عليكم، وانني لآمر ابنائي وشيعتي بهذا المنهج) (بحار الانوار ج46 ص243 نقلا عن خرائج الراوندي).
يقول أحد الرواة: كنت في الكوفة أُعلّم القرآن لإحدى النساء، فلاطفتها يوماً، ثم قصدت لقاء الإمام الباقر (عليه السلام) فلما لقيته بادرني قائلا:(إنَّ الله لا يعبأ بمرتكب الذنب حتى في الخفاء، ماذا قلت لتلك المرأة؟).فأخفيت وجهي من الخجل وتبت، فقال لي الإمام (عليه السلام) : (لا تعد لمثل هذا) ( بحار الانوار ج46 ص247 نقلا عمن خرائج الراوندي).أخلاق الإمام الباقر (عليه السلام) :كان قد قطن المدينة رجل من أهل الشام وهو يتردد كثيراً على بيت الإمام (عليه السلام) ويقول له:(ليس على وجه الارض أبغض إليّ منك، ولا أشعر بعدواة مع أحد أشدّ من العداوة التي اشعر بها لك ولأهل بيتك! واعتقد ان الطاعة لله وللنبي ولأمير المؤمنين لا تتم الا بالعداء لك، واذا كنت تراني اتردد على بيتك فذلك لانك خطيب وأديب وذو بيان رائع!).
ومع هذا كله كان الإمام (عليه السلام) يعطف عليه ويحدثه بلين ورفق، ومرت الايام وابتلي الشامي بالمرض بحيث واجه الموت ويئس من الحياة فأوصى ان يصلي عليه أبو جعفر ( الإمام الباقر (عليه السلام) ) بعد موته.وفي منتصف إحدى الليالي لاحظ أهل الرجل انه قد قضى نحبه، فغدا وصيه الى المسجد صباحاً ورأى الإمام الباقر (عليه السلام) قد فرغ من صلاته وجلس للتعقيب ، وكانت تلك عادته، فقال الوصي للإمام: ان ذلك الرجل الشامي قد أسرع للقاء ربه وأوصى ان تقيم الصلاة عليه انت.فقال الإمام (عليه السلام) : (إنّه لم يمت … لا تتسرعوا وانتظروني حتى اجيء).ثم نهض فجدد وضوءه وصلى ركعتين ورفع يديه بالدعاء ثم سجد واستمر في سجوده حتى أشرقت الشمس، وعندئذ جاء الى بيت الشامي وجلس عند رأسه وناداه فأجاب، ثم أجلسه الإمام (عليه السلام) وأسند ظهره الى الحائط وطلب له شرابا فسقاه إياه وقال لأهله: ناولوه طعاماً بارداً، ثم عاد ادراجه.ولم يمض وقت طويل حتى استعاد الشامي صحته فجاء الى الإمام (عليه السلام) قائلا: اشهد انك حجة الله على الناس … ) ( امالي الشيخ الطوسي ص261 الطعبة الحجرية باختصار).يقول محمد بن المنكدر ـ وهو من صوفيي ذلك العصر ـ خرجت من المدينة في يوم شديد الحرارة فرأيت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) عائداً الى مزرعته من زيارة تفقديّة ـ ويرافقه اثنان من غلمانه أو أصحابه ـ فقلت في نفسي : ( رجل من كبار قريش وهو في طلب الدنيا في مثل هذا الوقت! لابد لي ان اعظه).دنوت منه وسلمت عليه فردّ الإمام السلام علي بشدة والعرق يتصبب من رأسه ووجهه، فقلت له: سلمّك الله أرجل من مثلك يسعى وراء الدنيا في هذا الوقت! ما هو موقفك لو عاجلك الاجل وآنت على هذه الحال؟ فأجابني: (والله لو وافاني الأجل وأنا في هذه الحال لكنت في طاعة الله، لانني بهذه الطريقة اغني نفسي عنك وعن سائر الناس، واني لأخشى ان يغتالني الاجل وانا متورط في معصية).قلت: رحمك الله ظننت انني سوف اعظك لكنك انت الذي وعظتني وايقظتني ( الارشاد للشيخ المفيد ـ ص247 طبعة الاخوندي).شهادة الإمام الباقر (عليه السلام):لقد سقي الإمام باقر العلوم السم واستشهد في السابع من ذي الحجة الحرام عام 114 هجري، وكان عمره عندئذ سبعة وخمسين عاماً وذلك في عصر الحاكم الأموي الجائر ( هشام بن عبدالملك).وفي ليلة وفاته قال للإمام الصادق (عليه السلام) :(هذه الليلة سوف ارحل من هذه الدنيا، فقد رأيت والدي وهو يحمل الي شراباً عذبا فتناولته فبشرني بدار الخلود ولقاء الحق)وفي اليوم التالي ووري الجسد الطاهر لذلك البحر الزاخر بالعلم الآلهي في ثرى البقيع الى جوار قبر الإمام الحسن وقبر الإمام السجاد (عليهم السلام) صلوات الله وسلامه عليه. ( تراجع الكتب التالية في هذا المجال الكافي ج1 ص469 وج5 ص117 بصائر الدرجات ص141 الطبعة الحجرية تواريخ النبي والال للتستري ص40 الانوار البهية للمحدث القمي ـ الطبعة الحجرية ص69).انتهی / 115